أيمن ناصر: فقيد الأدب والفن
تشكيلي ينحت من الحروف أدباً فريداً
السيرة الذاتية
ولد أيمن ناصر في مدينة الرقة عام 1958م، وانتسب إلى نقابة الفنون الجميلة في سورية عام 1981م، كما شغل منصب رئيس مجلس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في “الرقة”. بدأ بتدريس مادة النحت في معهد إعداد المدرسين منذ عام 1992م حتى 2005م، كما درَّس في مركز الفنون التشكيلية منذ عام 1978م حتى 2003م. وشارك في العديد من المعارض الفنية الفردية والجماعية، وله منحوتات عدة، من أبرزها لوحتا «سقط قلبي سهوا» و«رمضان شلاش»، وله مؤلفات أدبية مثل روايتي «اللحاف» و«روجين» ومجموعة قصصية بعنوان «رهان الغيم».
في (السابع عشر من سبتمبر 2024) رحل الفنان التشكيلي والنحات والروائي الفراتيّ أيمن ناصر إثر صراع مع المرض في مدينة أورفا التركية حيث كان يقيم منذ سنوات.
كان لأيمن ناصر بصمته الخاصة في عالم الفن التشكيليّ والأدب، حصل على جائزة ابن قرة الحرّاني في القصة القصيرة عام 2008، وكتب عنه كثير من النقاد وأشادوا بقيمته الفنية الأدبية في العالم العربي، كان يقول: (لأن الرقة تعيش في وجداني منذ الطفولة، لا أتخيل نفسي أعيش في أي مكان آخر بنفس الحميمية التي كنت أعيش فيها؛ الفرات وأصدقائي والأمكنة)
ووفاء منا لهذه القامة الفنية والأدبية العالية، فإن الأسبوع الأدبي تحتفي بملف خاص بالراحل عبر شهادات ومقالات قدمها العارفون به من أدباء وشعراء وأكاديميين.
***
فقيد الأدب والفن
عيسى الشيخ حسن
صيف 2007م (على ما أظنّ) كنت في زيارة لدمشق، وتواصلت مع الراحل عبد الإله الرحيل، ولأول مرة نلتقي خارج مقرّ جريدة تشرين. كان الروائي الراحل من أوائل من تبنّوا تجربتي ونشر لي، وكنت أحرص على زيارته كلّما زرت البلاد وقصدت دمشق، الروائي الشجاع الذي كتب المنخورة، وهو يقف على عوامل الفساد والثورة قبل سنوات بعيدة.
في مقهى الحجاز، استقبلني عبد الإله، خارجًا من عباءة الصحافة، ملتفتًا إلى إبداعه، كنّا نزجي الأحاديث، وأخبرني عن صوت روائي واعد في عالم الرواية: «من عندكم»، كان عبد الإله عضو لجنة القراءة في «اتحاد الكتّاب العرب»، سمّى لي الرواية، وقال كلامًا طيّبًا في حقّها، حفظت الاسم جيّدًا، وتوقّعت أن أقرأ عملًا مختلفًا، في وقت كانت فيه الرواية العربية تستريح عند ظاهرة أحلام مستغانمي، وتجارب متناثرة في الخليج ومصر، وكانت أسماء مبدعينا تراوح في سوقها المحلّية.
بعد عام صدرت «اللحاف» وسرعان ما اقتنيتها، وفوجئت مرّتين: الأولى، بمكان من أمكنة الرواية، منطقة الغمر، أو غربي الرقّة، الحوائج، وهو يأتي على أسماء القرى: مريبط والحويش، وأسماء شخصيات أكاد أقبض عليها، فرأيتني أتشارك معه تلك الذكريات، ومرّة أخرى وهو يسلك طريقًا في الرواية يراهن فيه على التحليق في اللغة.
فنان تشكيلي سوري يسافر إلى اليمن في بعثة تدريسية، يلتقي هناك بزملاء عرب من دول مختلفة للتعليم في قرية بعيدة هي «حوث»، ولم تكن حوث وقتئذٍ تشغل نشرات الأخبار، فهي كما بدت في اللحاف قرية وادعة، تستعيد مناخ «جنّة عدن» في مخيالنا العربي عن «اليمن السعيد» مدرس اللغة الإنكليزية سعيد عثمان يشترك مع مدرس الفنون السوري حمزة، لتكون الليالي التسع في حوث مثار ذكريات وأفكار وأحلام وهواجس، قبل أن يلقى حتفه نتيجة مرض قديم مزمن، يترك أثره النفسي الرهيب. يغادر حمزة القرية، ويعود إلى وطنه، ولكنه يعود إلى اليمن في ملتقى فني، ليفاجأ بزوج سعيد وابنه، واستعادتهما.
وفي اللحاف استعدت سرديات متناثرة من ألف ليلة وليلة بوصف الليل بيئة خصبة للسرد، إلى منجز الطيب صالح عائدًا في مدرس الإنكليزي سيد عثمان وقد تقاطعت عليه شخوص الطيب صالح في موسم الهجرة إلى الشمال ودومة ود حامد. إلى رواية ميلان كونديرا الأثيرة «فالس للوداع» كون بطلها رسّامًا أيضًا، ملأتني «اللحاف» بأسباب السعادة، ولم ألتق «أيمن ناصر» إلا من خلال وسائل التواصل بعد نزوحه إلى تركيا، وقد تحاورنا أكثر من مرة، وتابعت منجزه السردي تواليًا، وفي أورفة كانت التجمع الثقافي الرقّي متمثّلا في صحيفة الحرمل، رافعة مهمة في استمرار دورة الحياة، وقد كان الراحل من المساهمين فيها، كانت أورفا مضافة الرقيين الأولى، وقد استقروا فيها زمنًا، فأكمل الرحلة نحو أوربا معظمهم، وبقي أيمن مساهمًا في الحراك الثقافي السوري في المدينة.
حين يفاجئنا الموت في الغربة، فثمة أشياء كثيرة تستحضر، ولعلّ أيمن كان قريبًا من مرقد الجاهليّ الأوّل «امرئ القيس» الذي هاله ما فعله «بنو أسد» في مملكة كانت نجمة العرب في شمالي الجزيرة.
رحمك الله أبا أحمد
