بقلم: حسن قنطار
على سبيل النصح، لا الأمر – إن شئتم، أو أبيتم- فلا بدّ للكلمة الحرة من أن تنساب، ولا بدّ للحق من أن تعلو صيحته فوق العويل.
ليس ثمة ما يحول دون نفاذ نصحنا أو أمرنا إلا عقولٌ حجرية، أو نفوسٌ واهمة، تلعب لعبتها الغبية المكشوفة، وإن غطتها بألاعيبها الماكرة.
أعلم أن فضولًا ما يدغدغ دواخلكم لتقفوا على الحقيقة التي أرمي إليها.
مع ذلك، فلن ألج إلى الحدث إلا من خلال ما يلي:
روي أن عبد الله بن الزبير الشاعر، دخل على معاوية فأنشده:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تُنْصِفْ أَخَاكَ وَجَدْتَهُ
على طَرَفِ الهِجْرَانِ إنْ كانَ يَعْقِلُ
ويَرْكَبُ حَدَّ السَّيْفِ مِنْ أَنْ تَضِيمَهُ
إِذا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَفْرَةِ السَّيْفِ مَزْمَلُ
فقال له معاوية: لَقَدْ شَعَرْتَ بَعْدِي يَا أبا بكر، ولم يفارق عبد الله بن الزبير الشاعر مجلس معاوية حتَّى دخَلَ مَعْنُ بن أوس المزني، فأنْشَدَهُ قصيدته التي يقول في مطلعها:
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وإنِّي لأَوْجَلُ
عَلَى أيِّنَا تَعْدو المَنِيَّةُ أَوَّلُ
حتى أتمّها، وفيها البيتان اللَّذان أنشدهما «عبد الله بن الزبير»، فأقبل معاوية على عبد الله وقال له: ألم تُخْبِرْني أنَّهُما لكَ؟! فقال عبد الله: المعنى لي، واللَّفْظُ له، وبَعْدُ فهو أخي من الرضاعة، وأنا أحقُّ بشِعْرِه.
وعليه؛ فليس للذكاء الاصطناعي روح تنبض بها شاعريتك أو فطنتك أو قريحتك الوقّادة، حتى إذا ما ركنت إليه أرضعك الأدب والشعر، أو صرت أخًا افتراضيًا له.
وليس أحدٌ يمنعك أن تستخدم تلك التقنية في جمع المعارف والعلوم من خزائنها المتراكمة واكتنازها، فالحكمة ضالة الباحث يفتش عنها في أي زاوية يخالها نافعة.
على فكرة…
هنالك من يستطيع كشفك بخبرته الواسعة إذا أراد أن يفتش عنك، والأكثر غرابة أن البعض يكتشف بحنكته ومعرفته هذا النوع من (الشحاذة) الكتابية، ولن أقول: السرقة، حتى لا أتماها بالتجني دونما قيد.
مرة تقصدت أن أعطي لذلك البرنامج بعض القرائن والشروط ليكتب لي عن بحث اخترته لنشره في مكان ما، فلم تمتلئ روحي بما أملاه علي، ولم أجد ضالتي فيما عرضته عليه، وإن كان الأداء أكثر مما يكتبه العارفون، أو يدونه الدارسون. فمحوت بحثه وأبدعت بحثًا جديدًا.
طلبت إليه أن يكتب لي بلساني فيما يحفظه عني من معرفة، فقرأت بعد ذلك بعضًا مني، واكتشفت أنه أهمل الكثير مما توقده اللحظة، وتبتكره السكتة، وتبنيه القريحة.
هنا تحقق لي أني لست إلا مدعيًا عندما سلمت له أمري وأعرته عقلي.
هنا علمت أنني أكذب على نفسي.
هل اعترفت لكم؟
هل سيعترف الآخرون الذين وقعوا في مصيدة الذكاء الاصطناعي أنهم ليسوا إلا أكياسًا كانت فارغة فامتلأت بالهواء؟
هل يحق لي أن أقول لأولئك الواهمين: لا تكذبوا عل أنفسكم؟
(افتتاحية العدد 1925 من الأسبوع الأدبي)