الرواية الأولى للأديب الروائي السوري عبد النبي حجازي صدرت عام 1970 ضمن منشورات اتحاد الكتاب العرب. أعادت مجلة الموقف الأدبي إصدارها في طبعة ثانية بعد 55 عاما على صدور طبهتها الأولى ضمن سلسلة (كتاب الموقف الأدبي) عدد 208 تموز 2025.
رئيس تحرير مجلة (الموقف الأدبي) الناقد محمد منصور كتب مقدمة للرواية التي جاءت من اختياره واصفا إياها بأنها رواية “شجاعة ومنسية عن هزيمة حزيران” وهي كذلك بحق… فالرواية تتحدث عن هزيمة حزيران 1967؛ وهي تصور أزمة الإنسان السوري والعربي، كانت الهزيمة في فلسطين والجولان وسيناء، هزيمة مركبة للأنظمة العربية والإنسان العربي، الذي عاش في أجواء الشعارات والخطابات الثورية، فكان يظن نفسه أقرب إلى النصر والتحرير؛ فأتت الهزيمة المدوية؛ التي كانت ضربة قوية لأنها جاءت بعد كم هائل من وعود الانتصار على العدو ودحره وسحقه، ولهذا كان الانكسار الذي يستبطن الصدمة هو سيد الموقف.
إذا (قارب الزمن الثقيل) من الأعمال الأدبية المميزة التي تناولت موضوع الحرب والهزيمة، والخيبة من خلال شخوص الرواية… واستعادتها اليوم، ووضعها بين يدي الأجيال هي ضرورة لإحياء الأصوات الجريئة والصادقة في أدبنا السوري وتسليط الضوء عليها، بعد انهيار نظام الاستبداد، الذي طالما تعامل مع تلك الأصوات بوصفها تشوش على معركته في تركيع الشعب، وسعى لتهميش أدبها.
شخصية الضابط الهارب من المعركة، هي صورة واضحة، لما عاناه الجنود والضباط، المهزومون في المعركة، لكن الروائي عبد النبي حجازي كان صادقاً في إظهار الصناع الحقيقيين للهزيمة.
فالقيادة التي تركت المعركة، والجيوش غير المنضبطة والتي تعيش الفوضى والهروب، والانكسار، والشارع الذي لا يعرف من أخبار المعركة إلا ما كان ينقله الإعلام…. كلها ترسم لوحة هزيمة مرتقبة لابد أن تأتي مهما علت الثبات والصمود والتصدي الكاذب.
الرواية تناولت شخصية الضابط القائد المهزوم، الذي ترك أسرته وعائلته على خطوط الجبهة؛ وكان منشغلاً في علاقة جنسية واندفع لاغتصاب فتاة في البيت الذي استأجر فيه غرفة، بعيد عن ساحة المعركة. الضابط الذي ترك أسرته كما ترك معركته كان يتابع أخبار الحرب عبر الإذاعة والتلفزيون، واكتفى بالسماع والمشاهدة واقتراف المزيد من الموبقات.
ثمة انهزام مزدوج، هزيمة في الجبهة العسكرية والحرب وهزيمة في الجبهة الداخلية المدنية… وسقوط على الصعيد الأخلاقي حين تكتشف أم الفتاة أن الضابط الذي استأمنته على البيت قد خان الأمانة واغتصب ابنتها… مثلما خان وزير الدفاع حافظ الأسد الأمانة حين أدار الحرب بتلك الطريقة التي أفضت إلى احتلال الجولان أو تسليمه أو بيعه!
البطل أحمد شهاب في الرواية هرب إلى الداخل وكان مهزوماً نفسياً وجسدياً، وفوق ذلك اغتصب نوال.
الضابط الهارب والمهزوم، كان بطلاً على الورق، بطل الرواية التي أوضحت بيئة الهزيمة والانكسار والخيبة التي عاشها السوريون، فغدت الرواية من خلال السرد والحكايات والحوارات والمونولوج، لسان حال الناس في ذلك الوقت، تفاعلت مع الناس من ناحية التفكير والسؤال عن أسباب الهزيمة.
(قارب الزمن الثقيل)، فضحت الشعارات والأقوال، لأنها صورت الواقع والحدث التاريخي، إنها لم تكن قارب نجاة بل قارب هزيمة، للسوريين والعرب. خسارة مساحات شاسعة وانكسار جيوش عربية وخيبة، انعكست على المشهد الإنساني والثقافي للإنسان.
إعادة طباعة (قارب الزمن الثقيل) هو استذكار لأول عمل أدبي أصدره الروائي عبد النبي حجازي؛ أول رئيس تحرير لصحيفة (الأسبوع الأدبي) التي يصدرها الآن اتحاد الكتاب العرب، والتي تعتز بالاحتفاء بأدبه.
يرحل الإنسان ويبقى الأثر. والكتاب هو الأثر.
سلام مراد
(نُشرت في العدد 1924 م الأسبوع الأدبي)