كتبها هذا الأسبوع: محمد منصـــور
يثار بين الحين والآخر الحديث عن أدب الشّباب وضرورة دعم الشّباب ومسؤوليّة مؤسّسات ثقافيّة كاتّحاد الكتّاب العرب مثلًا في تأسيس نواد أدبيّة للشّباب ورعايتهم.
شخصيًّا لست مع مصطلح أدب الشّباب، كما أنّني لست مع مصطلح أدب المرأة، فقضيّة المرأة وحرّيّتها لم تكن يومًا حكرًا على النّساء، ولعلّ أعظم الأعمال المسرحيّة الّتي تناولت قضيّتها كانت لكتّاب ذكور، كمسرحيّة: (بيت الدّمية) للكاتب النّرويجيّ هنريك أبسن، ومسرحيّة: (بيت برناردا إلبا) للشّاعر والمسرحيّ الإسبانيّ العظيم فيدريكو جارثيا لوركا.
لوركا الّذي يُعدُّ علمًا من أعلام إسبانيا وقمّة من قمم الشّعر في الأدب الأوروبّي، عاش حياة قصيرة وقتل شابًّا قبل أن يحتفل بعيد ميلاده الثّامن والثّلاثين، وأوّل كتبه نشرها عام 1918م، وكان في العشرين من العمر، أمّا الشّاعر الفرنسيّ آرثر رامبو، الّذي أحدث ثورة حداثيّة في الشّعر الفرنسيّ، والّذي لا يعرف العالم له صورة فوتوغرافيّة سوى صورته كشّابّ عشرينيّ، فقد توفّي في سنّ السّابعة والثّلاثين… وكلّ ما أنجزه أدبيًّا كان في سنوات مبكّرة من حياته، عندما كان في العشرينيّات، إذ قضى السّنوات الأخيرة من عمره تاجرًا ومستكشفًا يجوب العالم، قبل أن يموت بالسّرطان.
ولا يختلف الأمر كثيرًا في الأدب العربيّ أو السّوريّ، إذ نشر نزار قباني ديوانه الأوّل: (قالت لي السمراء) عام 1944م، وهو في الحادية والعشرين من العمر، ويمكن القول: إنّ الدّواوين الأولى الّتي صنعت شهرته، وأثارت السّجال حول قصيدته المجدّدة: (طفولة نهد، سامبا، أنت لي) كلّها نشرت قبل أن يبلغ الثّلاثين، وبرغم أنّ زكريا تامر صارع شظف العيش والفقر حين اشتغل في محلّ حدادة في مطلع شبابه، إلّا أنّ مجموعته القصصيّة الأولى الّتي نشرتها له دار مجلّة شعر: (صهيل الجواد الأبيض) عام 1960م، نشرها، وهو دون سنّ الثّلاثين… ومثله ممدوح عدوان الّذي بدأ ينشر الشّعر في مجلّة: (الآداب) البيروتيّة الشّهيرة، وهو طالب جامعيّ في الثّالثة والعشرين من العمر، وكانت المجلّة حينها ملتقى كبار أدباء العربيّة، لكنّ قصائده لم تكن تنشر في باب “أدب الشّباب”؛ لأنّه لم يكن هناك باب للشّباب أصلًا، بل لأنّها قصيدة لشاعر سوريّ؛ تستحقّ النّشر، أمّا مسرحيّته الشّعريّة: (المخاض)، فقد نشرها، وهو في الرّابعة والعشرين من العمر، وبعدها بعامين نشر ديوانه الأوّل: (الظّلّ الأخضر)!
كانت تسمية “الأديب الشّابّ” تسميةً يتندّر بها بعض الأدباء مع بعضٍ على سبيل الدّعابة… ولم يعرف الوسط الثّقافيّ ولا النّقد الأدبيّ تمييزًا يقوم على الفئة العمريّة، فقد قُرئ النّصّ الأدبيّ دائمًا من داخله بمعزل عن عمر كاتبه عموماً.. وكان يتمّ التّعامل معه لكونه عملًا أوّلًا أو ثانيًا لكاتبه كنوع من توثيق بداياته، وهذا ليس استثناءً بل قاعدةٌ عامّةٌ، لأنّ الموهبة الأدبيّة ليس كالموهبة الرّياضيّة تخضع لتصنيفات عمريّة لها علاقة بلياقة الجسد.. ولا كالعمل التّدريسيّ الّذي ينضج مع تراكم الخبرة، ولا كالاختصاصات العلميّة كذلك.. وتطوّر الأديب هو تطوّر ذاتيّ يخضع لقوّة موهبته وعمق ثقافته ونضج رؤيته للعالم.
أرى أنّ مصطلح دعم الشّباب، أو الأدب الشّابّ مصطلح فوقي، يمارس من حيث التّسمية والتّصنيف وصاية أبويّة أو مؤسّساتيّة من حيث يدري أو لا يدري، فالشّباب جزء من حركة الحياة وتيّاراتها بمختلف المجالات، ووجودهم طبيعيّ، وليس استثنائيًّا، ويجب ألّا نوحي أنّهم كذلك، ونحن ندعمهم، لأنّهم استثناء، ولأنّنا نشجع الشّباب، ونرعاهم يا رعاك الله!
