عمرو الملاح
يَدْفَعُنِي التَّأَمُّلُ فِي سِيرَةِ وَالِدِي، عَبْدِ الإِلَهِ المَلَّاح إِلَى إِدْرَاكِ أَنَّ الحَدِيثَ عَنهُ يَتَجَاوَزُ حُدُودَ السَّرْدِ التَّقلِيدِيِّ؛ إِنَّهَا قِصَّةُ حَيَاةٍ عَمِيقَةُ الأَثَرِ، تَعْجَزُ الكَلِمَاتُ عَن أَن تَصِفَ حُضُورَهَا الرُّوحِيَّ المُمتَدَّ، وَهَأَنَذَا أَكْتُبُ هَذِهِ السُّطُورَ لِأَسْتَمِدَّ الإِلْهَامَ مِن تَجْرِبَةِ رَجُلٍ جَعَلَ مِن حَيَاتِهِ تَجْسِيدًا حَيًّا لِلشَّغَفِ بِالمَعْرِفَةِ.
وُلِدَ أَبِي فِي العَامِ 1940م فِي أُسْرَةٍ عَرِيقَةٍ فِي الثَّقافةِ وَالسِّيَاسَةِ فِي حَيِّ الجَمِيلِيَّةِ بِحَلَبَ، ذَلِكَ الحَيُّ الَّذي كَانَ يُعَدُّ مِثَالًا لِـ»الحَدَاثَةِ» فِي حِقْبَةِ الازْدِهَارِ الاقْتِصَادِيِّ الَّذي عَرَفَتْهُ هَذِهِ المَدِينَةُ العَرِيقَةُ مُنْذُ الحِقْبَةِ العُثْمَانِيَّةِ المُتَأَخِّرَةِ وُصُولًا إِلَى عَهْدِ الانْتِدَابِ الفِرَنْسِيِّ، ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ تَأَثَّرَ تَأَثُّرًا كَبِيرًا بِالتَّحَوُّلَاتِ السِّيَاسِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ وَالاقْتِصَادِيَّةِ العَمِيقَةِ الَّتي شَهِدَتْهَا البِلَادُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ القَرْنِ العِشْرِينَ وَعَصَفَتْ بِـتِلْكَ «النُّخْبَةِ الأَرِسْتُقْرَاطِيَّةِ» الحَلَبِيَّةِ الَّتي كَانَتْ تَقْطُنُهُ، مَا انْعَكَسَ سَلْبًا عَلَى نَسِيجِهِ المِعْمَارِيِّ وَالعُمْرَانِيِّ التَّارِيخِيِّ، الَّذي طَالَتْ مَعَاوِلُ الهَدْمِ مُعْظَمَ قُصُورِهِ الفَخْمَةِ وَعَمَائِرِهِ الأَنِيقَةِ، وَلَعَلَّ المَلْمَحَ الأَبْرَزَ لِذَلِكَ الحَيِّ هُوَ أَنَّهُ كَانَ يُعَدُّ أَيْضًا أُنْمُوذَجًا لِلتَّعَايُشِ المُشْتَرَكِ بَيْنَ سُكَّانِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ وَاليَهُودِ، فِي دَلَالَةٍ وَاضِحَةٍ عَلَى النَّزْعَةِ العَالَمِيَّةِ «الكُوزْمُوبُولِيتَانِيَّةِ» الَّتي كَانَتْ تَتَّسِمُ بِهَا حَلَبُ.
تَجَلَّى شَغَفُ وَالِدِي بِالعِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ، فِي تَبَايُنٍ لَافِتٍ مَعَ مُحِيطِهِ؛ إِذْ بَيْنَمَا انْصَرَفَ أَقْرَانُهُ إِلَى لَهْوِ الطُّفُولَةِ، أَوْ تَوَجَّهَ بَعْضُ أَبْنَاءِ عُمُومَتِهِ الأَكْبَرُ سِنًّا إِلَى إِدَارَةِ شُؤُونِ الضِّيَاعِ الوَاسِعَةِ الَّتي كَانَتْ تَمْتَلِكُهَا العَائِلَةُ، قَبْلَ أَنْ تُصَادَرَ فِي مَظْلَمَةِ «الإِصْلَاحِ الزِّرَاعِيِّ» السَّيِّئِ الصِّيتِ، كَانَ هُوَ يُؤْثِرُ الابْتِعَادَ وَالَانْفِرَادَ عَنْ كُلِّ مَا يَتَّصِلُ بِالعَالَمِ، لِيَجِدَ مَأْوَاهُ وَسَكِينَتَهُ فِي صُحْبَةِ الكِتَابِ، الَّذي كَانَ نِعْمَ الرَّفِيقُ وَخَيْرَ المَلَاذِ بَعْدَمَا ذَاقَ مَرَارَةَ اليُتْمِ فِي عُمْرٍ مُبَكِّرٍ حِينَ فَقَدَ وَالِدَهُ الَّذي كَانَ يَمْلَأُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ.
وَالوَاقِعُ أَنَّ هَذَا الشَّغَفَ المَعْرِفِيَّ وَالاحْتِفَاءَ بِالكِتَابِ لَدَى وَالِدِي كَانَ امْتِدَادًا طَبِيعِيًا لِـمَوْرُوثٍ عَائِلِيٍّ رَاسِخٍ؛ إِذِ ارْتَبَطَ اسْمُ عَائِلَتِهِ تَارِيخِيًّا بِـخَزَائِنِ المَخْطُوطَاتِ وَنَفَائِسِ الكُتُبِ، وَفْقًا لِمَا أَوْرَدَهُ مُؤَرِّخُو حَلَبَ، وَتَجَسَّدَ هَذَا التَّقْلِيدُ الرَّائِدُ مُبَكِّرًا فِي شَخْصِ جَدِّهِ مَرْعِي بَاشَا المَلَّاحِ، الَّذي لَمْ يَكْتَفِ بِجَمْعِ نَوَادِرِ المَخْطُوطَاتِ فَحَسْبُ، بَلْ بَادَرَ أَيْضًا إِلَى وَقْفِهَا وَإِهْدَائِهَا إِلَى المُؤَسَّسَاتِ العِلْمِيَّةِ وَالمَكْتَبَاتِ العَامَّةِ، إِيمَانًا مِنْهُ بِضَرُورَةِ الحِفَاظِ عَلَى هَذَا الإِرْثِ الثَّمِينِ وَإِتَاحَتِهِ لِلْبَاحِثِينَ وَالدَّارِسِينَ، وَقَدْ تَوَاصَلَ هَذَا الشَّغَفُ النَّادِرُ لَدَى وَالِدِهِ، مُحَمَّد عَلِي بِك المَلَّاحِ، إِذْ لَا تَزَالُ تَحْتَفِظُ مَكْتَبَةُ الإِسْكُورِيَالِ بِإِسْبَانِيَا بِبَعْضِ مُقْتَنَيَاتِهِ الثَّمِينَةِ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَمْ يَخْرُجْ وَالِدِي عَنْ هَذَا التَّقْلِيْدِ حِينَ بَادَرَ هُوَ ذَاتُهُ إِلَى إِهْدَاءِ قِسْمٍ كَبِيرٍ مِنْ مَكْتَبَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ إِلَى المَكْتَبَةِ الوَطَنِيَّةِ السُّوريَّة بِدِمَشْقَ، إِسْهَامًا مِنْهُ فِي إِثْرَاءِ مَجْمُوعَاتِهَا.
غَيْرَ أَنَّ عَالَمَ الكَلِمَاتِ وَاللُّغَةِ ظَلَّ هُوَ مَهْوَى فُؤَادِهِ وَمَصْدَرَ شَغَفِهِ الأَعْمَقِ، وَلَا سِيَّمَا اللُّغةُ الإِنْكْلِيزِيَّةُ الَّتي يُتْقِنُهَا كَأَهْلِهَا بِفَضْلِ دِرَاسَتِهِ لَهَا فِي كُلِّيَّةِ حَلَبَ الأَمِيرِكِيَّةِ؛ فَكَانَتْ هَذِهِ الأَدَاةُ اللُّغَوِيَّةُ الرَّكِيزَةَ الأَسَاسِيَّةَ الَّتي بَنَى عَلَيْهَا مَسِيرَتَهُ المِهَنِيَّةَ المُتَعَدِّدَةَ الأَوْجُهِ لَاحِقًا؛ إِذْ عَمِلَ فِي الصَّحَافَةِ الأَدَبِيَّةِ بِسُورِيَا وَلُبْنَانَ، ثُمَّ مُتَرْجِمًا وَخَبِيرًا إِعْلَامِيًّا لَدَى عَدَدٍ مِنَ البَعْثَاتِ الدِّبْلُومَاسِيَّةِ الأَجْنَبِيَّةِ بِدِمَشْقَ، إِضَافَةً إِلَى إِسْهَامَاتِهِ الفِكْرِيَّةِ وَالمَوْسُوعِيَّةِ المُهِمَّةِ، كَالدَّوْرِ الَّذي اضْطَلَعَ بِهِ فِي تَحْرِيرِ «المَوْسُوعَةِ العَسْكَرِيَّةِ» الصَّادِرَةِ عَنِ المُؤَسَّسَةِ العربيَّة لِلدِّرَاسَاتِ وَالنَّشْرِ بِبَيْرُوتَ.
يُؤْمِنُ وَالِدِي إِيمَانًا رَاسِخًا بِأَنَّ اللُّغَةَ هِبَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ جَلِيلَةٌ تَخْتَزِلُ خُلَاصَةَ تَجَارِبِ الْبَشَرِيَّةِ، وَتُشَكِّلُ الْبِنَاءَ الْأَسَاسِيَّ لِلْفِكْرِ، وَقَدْ دَفَعَهُ هَذَا الِافْتِتَانُ الْعَمِيقُ بِالصَّوْتِ وَالْحَرْفِ إِلَى الِانْشِغَالِ بِالتَّرْجَمَةِ، إِدْرَاكًا مِنْهُ بِأَنَّهَا، فِي عَالَمِنَا الْعَابِرِ لِلْحُدُودِ، تُعَدُّ ضَرُورَةً حَضَارِيَّةً قُصْوَى وَنَشَاطًا مِحْوَرِيًّا لَا غِنَى عَنْهُ لِتَيْسِيرِ التَّفَاعُلِ بَيْنَ الْأُمَمِ، وتَتَخَطَّى مُهِمَّةُ الْمُتَرْجِمِ، مِنْ مَنْظُورِهِ، النَّقْلَ السَّطْحِيَّ لِلْمَعَانِي لِتُصْبِحَ جِسْرًا ثَقَافِيًّا نَابِضًا، يَنْقُلُ الْقِيَمَ وَالْمَفَاهِيمَ الْإِنْسَانِيَّةَ وَالْوُجُودِيَّةَ، وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ وَحَسْبُ يُوَاجِهُ الْمُتَرْجِمُ تَحَدِّيَاتٍ هَائِلَةً تَتَمَثَّلُ فِي مَدَى قُدْرَتِهِ عَلَى فَكِّ رُمُوزِ النُّصُوصِ الْأَدَبِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ وَالتَّارِيخِيَّةِ، لِيَغْدُوَ بِذَلِكَ مُسَافِرًا عَبْرَ الزَّمَنِ وَقَاطِعًا لِلْمَسَافَاتِ، يُوَحِّدُ أَصْوَاتَ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ، وَيَمْنَحُ الْبَشَرِيَّةَ الشُّعُورَ بِأَنَّهَا تَتَحَدَّثُ فِي جَوْهَرِهَا لُغَةً وَاحِدَةً، فِي عَمَلٍ حَيَوِيٍّ لَا يُمْكِنُ لِمَسِيرَةِ التَّطَوُّرِ أَنْ تَكْتَمِلَ مِنْ دُونِه.
لَمْ يَقْتَصِرْ تَفَرُّدُ شَخْصِيَّةِ وَالِدِي عَلَى عُمْقِ انْشِغَالِهِ الفِكْرِيِّ وَالمِهَنِيِّ، بَلِ امْتَدَّ لِيَصُوغَ مَنْهَجَهُ فِي التَّنْشِئَةِ الأُسَرِيَّةِ، فَقَدْ تَجَاوَزَ مَفْهُومَ الأُبُوَّةِ التَّقْلِيدِيَّةِ الَّتي تُمَارِسُ سُلْطَةً صَارِمَةً؛ إِذْ كَانَ يَرْفُضُ التَّوْجِيهَ القَسْرِيَّ رَفْضًا بَاتًّا، مُؤْثِرًا أَنْ يُتِيحَ لِي وَلِشَقِيقَتِي دِينَا مِسَاحَةً وَاسِعَةً مِن حُرِّيَّةِ الحَرَكَةِ وَالتَّعْبِيرِ، تَحْكُمُهَا الثِّقَةُ وَالاحْتِرَامُ المُتَبَادَلُ، وَبِالتَّكَامُلِ مَعَ وَالِدَتِي عَمِلَ عَلَى غَرْسِ حُبِّ العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ فِينَا، لِيُصْبِحَ هَذَا الشَّغَفُ المَعْرِفِيُّ رَكِيزَةً أَسَاسِيَّةً لَا تَتَجَزَّأُ مِنْ تَكْوِينِنَا.
وَالوَاقِعُ أَنَّ هَذَا النَّهْجَ الأُسَرِيَّ المُنْفَتِحَ وَالقَائِمَ عَلَى الاحْتِرَامِ تَجَلَّى فِي أَبْهَى صُوَرِهِ بِالعَلَاقَةِ المُمَيَّزَةِ الَّتي كَانَتْ تَرْبِطُهُ بِوَالِدَتِي عَطَاف مَارْدِينِي، رَفِيقَةِ دَرْبِهِ الَّتي غَادَرَتْ دُنْيَانَا، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَغِبْ عَنْ أَفْئِدَتِنَا؛ تِلْكَ المَرْأَةُ العَظِيمَةُ الَّتي لَمْ يَقْتَصِرْ دَوْرُهَا فِي المَنْزِلِ عَلَى الدَّوْرِ التَّقْلِيدِيِّ المَنُوْطِ بِالمَرْأَةِ مِنْ تَرْبِيَةٍ وَرِعَايَةٍ فَحَسْبُ، بَلِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ لِتُصْبِحَ سَنَدًا حَقِيقِيًّا وَشَرِيكًا فِكْرِيًّا لِوَالِدِي، وَسَأَظَلُّ أَسْتَذْكِرُ بِكَثِيرٍ مِنَ الحَنِينِ الجُهْدَ الجَبَّارَ الَّذي كَانَتْ تَبْذُلُهُ فِي مُضَاهَاةِ نُصُوصِ أَعْمَالِهِ المُتَرْجَمَةِ بِأُصُولِهَا الإِنْكْلِيزِيَّةِ، وَاللَّيَالِي الطِّوَالِ الَّتي أَمْضَتْهَا فِي تَصْحِيحِ الأُصُولِ وَمُرَاجَعَةِ بُرُوفَاتِ الطِّبَاعَةِ، لِضَمَانِ أَعْلَى مُسْتَوَيَاتِ الجَوْدَةِ وَالدِّقَّةِ، وَهَذَا التَّفَانِي إِنْ دَلَّ عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عُمْقِ تِلْكَ العَلَاقَةِ الفَرِيدَةِ المَبْنِيَّةِ عَلَى التَّكَامُلِ وَالتَّقْدِيرِ لِشَغَفِهِمَا المُشْتَرَكِ بِالعِلْمِ وَالكِتَاب.
إِنَّ هَذَا الرُّقِيَّ فِي التَّعَامُلِ دَاخِلَ المَنْزِلِ مَا هُوَ إِلَّا وَجْهٌ مِنْ أَوْجُهِ شَخْصِيَّةِ وَالِدِي الفَرِيدَةِ الَّتي تَتَّسِمُ بِالدَّمَاثَةِ وَالاسْتِقَامَةِ وَالعِفَّةِ، وَلَعَلَّ «التَّرَفُّعَ» هُوَ السِّمَةُ البَارِزَةُ الَّتي تَطْغَى عَلَى شَخْصِيَّتِهِ، وَتَطْبَعُهُ بِطَابِعِهَا؛ فَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَتَزَلَّفُونَ لِأَحَدٍ سَعْيًا وَرَاءَ الشُّهْرَةِ أَوِ الحُظْوَةِ أَوِ المَنْصِبِ أَوِ المَالِ أَوِ الجَاهِ، بَلْ كَانَ يَعْمَلُ بِصَمْتٍ وَتَفَانٍ دُونَ ادِّعَاءٍ، مُنْشَغِلًا بِالثَّقَافَةِ وَالآدَابِ وَالفُنُون.
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ تَفَانِيهِ وَعَطَائِهِ الثَّرِّ طَوَالَ مَا يَزِيدُ عَلَى نِصْفِ قَرْنٍ مِنَ الزَّمَانِ، وَمَا نَالَهُ مِنْ تَكْرِيمَاتٍ عَرَبِيَّةٍ وَدُوْلِيَّةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى مَنْحِهِ دِرْعَ «المَجْمَعِ الثَّقافيّ» بِأَبُو ظَبِي (2004م)، تَقْدِيرًا لِجُهُودِهِ فِي إِثْرَاءِ المَكْتَبَةِ العربيَّة بِتَرْجَمَةِ العَدِيدِ مِنَ الكُتُبِ المَرْجِعِيَّةِ وَالِاخْتِصَاصِيَّةِ، وَحِيَازَتِهِ لَقَبَ «مُوَاطِنِ شَرَفٍ، حَامِلِ مِفْتَاحِ المَدِينَةِ، سَفِيرِ النَّوَايَا الحَسَنَةِ» لِمَدِينَةِ هِيُوسْتِن تِكْسَاس الأَمِيرِكِيَّةِ (1978م)، لَمْ يَجِدْ وَالِدِي التَّقْدِيرَ الَّذي يَسْتَحِقُّهُ فِي وَطَنِهِ، وَتِلْكُم هِيَ مُفَارَقَةٌ مُؤْلِمَةٌ، وَهُوَ مَا يُؤَكِّدُ حِكْمَةَ القَوْلِ: لَا كَرَامَةَ لِنَبِيٍّ فِي بَلَدِه.
وَلَكِنِّي أَحْسَبُ أَنَّ عَزَاءَهُ -وَقَدْ بَلَغَ الخَامِسَةَ وَالثَّمَانِينَ مِنَ العُمْرِ- أَنَّ أَعْمَالَهُ المُتَرْجَمَةَ مِنْ أُمَّهَاتِ الكُتُبِ العَالَمِيَّةِ، وَفِي عِدَادِهَا «تَارِيخُ هِيرُودُوت» وَمَلْحَمَتَا الهِنْدِ الخَالِدَتَانِ «المَهَابْهَارَاتَا» وَ»الرَّامَايَانَا» مِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالٍ مُهِمَّةٍ أُخْرَى يَصْعُبُ حَصْرُهَا، وَيَطُولُ تَعْدَادُهَا، مَا زَالَ لَهَا تَأْثِيرُهَا الحَقِيقِيُّ وَالمُسْتَمِرُّ عَلَى البُحُوثِ وَالدِّرَاسَاتِ الأَكَادِيمِيَّةِ العربيَّة.
***
عبد الإله مرعي الملاح
السيرة الذاتية
باحث، وأديب، ومترجم.
من مواليد حلب (سوريا)، 1940م.
عضو اتِّحاد الكتَّاب العرب؛ اتِّحاد الصَّحفيِّين.
درس الإنكليزيَّة في كلِّيَّة حلب الأمريكيَّة (Aleppo American College).
حياته العمليَّة
● رئيس تحرير مجلَّة: «الهند»، سفارة الهند، دمشق، 1987-1992م.
● مستشار إعلاميّ، سفارة ألمانيا الاتِّحاديَّة، دمشق، 1983-1987م.
● مراسل في دمشق لمجلَّتي: «الفكر العربيّ»، «الفكر العربيّ الإستراتيجيّ»، معهد الإنماء العربيّ، بيروت، 1981-1983م.
● كبير المترجمين، مشروع إعادة تسيير الخطّ الحديديّ الحجازيّ، شركة «دورش كونسلت» الألمانيَّة، دمشق، 1980م.
● خبير إعلاميّ لدى عدد من البعثات الإعلاميَّة الغربيَّة: BBC, CBS, NBC، 1979-1983م.
● زميل باحث، «الموسوعة العسكريَّة»، المؤسّسة العربيَّة للدِّراسات والنَّشر، بيروت، 1979- 1985م.
● رئيس قسم التَّرجمة، صحيفة «البعث»، 1970-1979م.
● عضو هيئة الرَّقابة السِّينمائيَّة لدى المؤسّسة العامَّة للسِّينما، وزارة الثَّقافة والإرشاد القوميّ، 1970-1973م.
● رئيس قسم التَّرجمة، مجلَّة: «الطَّليعة» (بالإنكليزيَّة)، دار البعث، 1968 ـ 1969م.
● محرِّر ثقافيّ، صحيفة: «الثورة»، 1967-1968م.
● أمين سرّ منظّمة تضامن الشّعوب الأفرو ـ آسيويَّة، دمشق، 1966-1967م.
الجهودُ في حقلِ التَّرجمةِ
● تفرَّغ طوال حياته العمليَّة للترَّجمة، وبذل جهده لتوصيل الإنتاج الأدبيّ والمعرفيّ والعلميّ العالميّ إلى قرّاء العربيَّة بهدف زيادة العلم والوعي والتَّبادل الحضاريّ والثَّقافيّ بينَ الأمم، وكانت جُلُّ ترجماتِهِ من الإنكليزيَّةِ إلى العربيَّةِ، كما تبيّنه لائحةُ أعمالِهِ الطَّويلةُ الَّتي تعطي فكرةً عن المجالاتِ الأدبيَّة والعلميَّة والفكريَّة والتَّاريخيَّة الَّتي غطَّاها المترجم في سيرته العمليَّة الطَّويلة الَّتي امتدَّت على مدى أكثر من خمسين عاماً.
● تعاون مع عدد من أبرز المؤسّسات والمشروعات الرَّائدة الَّتي تضطلع بدور كبير في إحياء حركة التَّرجمة في العالم العربيّ والهادفة إلى تيسير اتِّصال القارئ العربيّ بمصادر الثَّقافة والمعرفة الإنسانيَّة؛ مثل مشروع التَّرجمة المشترك بينَ وزارة التَّعليم العالي في المملكة العربيَّة السَّعوديَّة وشركة مكتبة العبيكان بالرِّياض، ومشروع التَّرجمة المشترك بينَ مؤسّسة محمّد بن راشد آل مكتوم وشركة مكتبة العبيكان؛ والمجمع الثَّقافيّ بأبو ظبي في أطواره الإداريَّة المختلفة (تحت مسمّيي هيئة أبو ظبي للثَّقافة والتَّراث، وهيئة أبو ظبي للثَّقافة والسِّياحة لاحقاً)؛ والهيئة العامَّة السُّوريَّة للكتاب التَّابعة لوزارة الثَّقافة السُّوريَّة بدمشق؛ والمؤسّسة العربيَّة للدِّراسات والنَّشر ببيروت.
تأثيرُ ترجماتِهِ في البحوثِ والدِّراساتِ الأكاديميَّةِ العربيَّةِ
● اعتماد ترجمته لكتاب: «تاريخ هيرودوت» الصَّادرة عن هيئة أبو ظبي للثَّقافة والتَّراث-المجمع الثَّقافيّ في طبعتين: (2001 و2007م) بوصفها المرجعَ الرَّئيسَ للأطروحة العلميَّة الَّتي أنجزها أ. د. قيس حاتم هاني الجنابيّ، أستاذ تاريخ حضارات الشَّرق الأدنى القديم في جامعة بابل، والمعنونة: «روايات هيرودوت عن بابل وآشور: دراسة تأريخيَّة تحليليَّة»، ونال بها شهادة ما بعد الدُّكتوراه في التَّاريخ القديم من قسم التَّاريخ في كلِّيَّة التَّربية بجامعة واسط العراقيَّة (2017م)، والصَّادرة لاحقاً في كتاب يحمل عنوان: «هيرودوت في بلاد النَّهرين : دراسة تأريخيَّة تحليليَّة» عن دار صفاء للطِّباعة والنَّشر والتَّوزيع بعمان (2022م)؛ وذلك نظراً «لكونها أفضلَ ترجمةٍ نقلت فيه إلى اللُّغةِ العربيَّةِ؛ ولنهجها المنهج العلميّ الحديث في تحقيق الكُتبِ التَّأريخيَّة».
● اعتمدت أ. د. هدى ملاحي الأستاذة في جامعة الجزائر 2 على التَّرجمة الَّتي أنجزها لملحمة: «المهابهاراتا» الهِنْديَّة بوصفها المرجعَ الرَّئيسَ في بحثِها العلميّ المحكم المعنون: «المهابهاراتا ملحمة الهند الكبرى: مقاربة نقديَّة واصفة» المنشور في مجلَّة الحكمة للدِّراسات الأدبيَّة واللُّغويَّة، الجزائر، م 3، ع 6، تا سبتمبر 2015م، ص 50-85.
● إضافةً إلى مقدار الاستشهاد بترجماته في مؤلّفات وبحوث أكاديميَّة عربيَّة أخرى يطول حصرها وسردها.
أنشطةٌ فكريَّةٌ وموسوعيَّةٌ
● عمل في مجالاتٍ فكريَّةٍ وموسوعيَّةٍ، من أبرزها مشاركتُهُ في تحرير: «الموسوعة العسكريَّة» الصَّادرة عن المؤسّسة العربيَّة للدِّراسات والنَّشر ببيروت؛ وذلك بدءاً من المجلَّد الثّاني فالثّالث ولغاية الرَّابع بينَ عامي (1979-1985م)، ليتوقَّف العمل عليها بعد ذلك نظراً للظَّروف الأمنيَّة الدَّقيقة والحسَّاسة الَّتي كان يمرُّ بها لبنان، اعتمدت هذه الموسوعة في تحريرها أسلوب مقارنة المعلومات وتدقيقها للتَّحقُّق من صحَّتها، وما يتطلَّب ذلك من الرُّجوع إلى مئات المراجع الأجنبيَّة، فجاءت موضوعاتُها أبحاثاً ودراساتٍ موضوعةً بالعربيَّة، فيها قسطٌ كبيرٌ من المساهمةِ الذَّاتيَّةِ في فهمِ الأحداث وتحليلِها، الأمرُ الَّذي أعطاها سمةً عربيَّةً، أفادتْ من المعلوماتِ الواردةِ في المراجعِ الأجنبيَّةِ للمُقارنةِ والنِّقاشِ دونَ نقلِها بوصفها حقائقَ مسلّماً بها.
● حاضرَ وشاركَ في ندواتٍ علميَّةٍ نظَّمَها معهدُ الدِّراساتِ الدُّوليَّةِ العليا (جامعة جونز هوبكنز)؛ ومعهدُ الشّرقِ الأوسطِ (واشنطن)؛ ومعهدُ تافتس سكول للدِّراساتِ القانونيَّةِ والدّبلوماسيَّةِ (جامعة هارفارد)؛ ومجلس العلاقات الدُّوليَّة (نيويورك)؛ ومركز الاستشراق (هامبورغ- ألمانيا).
تكريماتٌ وشهاداتُ تقديرٍ
● درعُ المجمع الثَّقافيّ، أبو ظبي، دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة، 2004م، تقديراً لجهوده في إثراء المكتبة العربيَّة بترجمة العديد من الكتب المرجعيَّة والاختصاصيَّة من أمَّهات الكتب العالميَّة.
● مواطن شرف، حامل مفتاح المدينة، سفير النوايا الحسنة، هيوستن، تكساس، الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، 1978م.
الأعمالُ المترجمةُ المطبوعةُ (من الأحدثِ إلى الأقدمِ)
● أبو ظبي وجهتنا، نارين أساربوتا، هيئة أبو ظبي للسِّياحة والثَّقافة، 2016م.
● مخطوطات فلورنسا: التَّاريخُ العامُّ لإسبانيا الجديدةِ، بيرناردينو دي ساهاغون، 12 جزءاً في مجلَّدين، هيئة أبو ظبي للسِّياحة والثَّقافة، 2015م.
● تكوين العالم الهنديّ– الإسلاميّ، أندريه وينك، 3 مجلَّدات، هيئة أبو ظبي للسِّياحة والثَّقافة، أبو ظبي، 2013م.
● قصَّةُ الدّيمقراطيَّةِ، جون دن، العبيكان للنَّشر، الرِّياض، 2012م.
● في الصَّحراء العربيَّة: رحلاتٌ ومغامراتٌ في شمالِ جزيرةِ العربِ 1908-1914م، ألويز موزيل، هيئة أبو ظبي للثَّقافة والتَّراث- المجمع الثَّقافيّ، أبو ظبي، 2010م.
● المدنُ المنسيَّةُ في بلادِ العربِ، ستيوارت أرسكين، هيئة أبو ظبي للثَّقافة والتَّراث- المجمع الثَّقافيّ، أبو ظبي، 2009م.
● ذاكرةُ السَّفينةِ الشِّراعيَّةِ في الخليجِ العربيّ، ديونيسيوس آ. آجيوس، هيئة أبو ظبي للثَّقافة والتَّراث- المجمع الثَّقافيّ، أبو ظبي، 2009م.
● محاضرات نوبل: المكرَّمون بالفوز بجائزة الأدب من 1986 حتَّى 2005م، مشروع التَّرجمة المشترك بينَ مؤسّسة محمَّد بن راشد آل مكتوم وشركة مكتبة العبيكان للنَّشر، الرِّياض، 2009م.
● المنهاجُ المعاصرُ في الفكرِ والفعلِ، جون د. مكنيل، مشروع التَّرجمة المشترك بينَ وزارة التَّعليم العالي في المملكة العربيَّة السَّعوديَّة وشركة مكتبة العبيكان، الرِّياض، 2008م، التَّرجمةُ العربيَّةُ تقديم معالي الدُّكتور خالد بن محمَّد العنقري وزير التَّعليم العالي في المملكة العربيَّة السَّعوديَّة.
● الوجيز في منظمة التَّجارة العالميَّة، أمريتا نارليكار، العبيكان للنَّشر، الرِّياض، 2008م.
● تاريخ هيرودوت، هيئة أبو ظبي للثَّقافة والتَّراث-المجمع الثَّقافيّ، أبو ظبي، ط2، 2007م؛ المجمع الثَّقافيّ، أبو ظبي، ط1، 2001م، كذلك تمّ إصدارُه في شريطٍ مسجلٍّ ضمنَ إطارِ مشروعِ «الكتابِ المسموعِ» الَّذي ينهضُ به المجمعُ إلى جانبِ طبعتِه الورقيَّةِ.
● المنمنماتُ: مدخلٌ إلى فنّ التَّصويرِ الفارسيّ، أوليغ جرابر، الهيئة العامَّة السُّوريَّة للكتابِ، وزارة الثَّقافة، دمشق، 2007م.
● دليل المرشد: تيسيرُ علاقاتِ التَّعلُّمِ الفعَّالِ، لويز جيه زاكاري، مشروعُ التَّرجمةِ المشتركُ بينَ وزارة التَّعليم العالي في المملكة العربيَّة السَّعوديَّة وشركة مكتبة العبيكان، الرِّياض، 2006م، التَّرجمةُ العربيَّةُ تقديم معالي الدُّكتور خالد بن محمَّد العنقري وزير التَّعليم العالي في المملكة العربيَّة السَّعوديَّة.
● ليسَ المهمُّ مقدارَ ذكائكَ بل كيفَ تستخدمُ ذكاءك؟ جين آن كريغ، العبيكان للنَّشر، الرِّياض، 2006م.
● فرانك كابرا، الاسمُ فوق العنوانِ: سيرةٌ ذاتيَّةٌ، فرانك كابرا، المجمعُ الثَّقافيُّ، أبو ظبي- دار الانتشار العربيّ، بيروت، 2005م.
● جراح كراوثورن: حكاية جريمة وجنون، وقاموس أكسفورد، سايمون وينتشيستر، المجمع الثَّقافيّ، أبو ظبي، 2004م.
● ملحمة الرَّامايانا، فالميكي، المجمع الثَّقافيّ، أبو ظبي، 2003م.
● الشِّيفرةُ: كيفَ اقتحمت السّرّيَّة في العصرِ الرَّقميّ، ستيفن ليفي، العبيكان للنَّشر، الرِّياض، 2002م.
● المهابهاراتا: ملحمةُ الهندِ الكبرى، ط2، دار ورد، دمشق، 2002؛ ط1، النَّاشر (خاصّ)، دمشق، 1991م. ط2 دار ورد 2017م
● الارتجالُ: كسبُ النَّاسِ والجماعاتِ بالعفويَّةِ، روبرت لوي، العبيكان للنَّشر، الرِّياض، 2001.
● السِّينما الإسكندينافيَّة، بيتر كاوي، وزارة الثَّقافة- المؤسّسة العامَّة للسِّينما، دمشق، 2001.
● الدّبلوماسيَّة الأمريكيَّة، جورج ف. كينان، دار دمشق، دمشق ـ بيروت، 1987م.
● البُعدُ الرَّابعُ للحربِ، مايكل إيليوت ـ بيتمن، منشورات الطَّلائع، دمشق، 1976م.
● الحربُ والعقلُ الإلكترونيُّ، أندرو ويلسون، المؤسّسة العربيَّة للدِّراسات والنَّشر، بيروت، 1974م.
الأعمالُ المترجمةُ (قيد الإصدار)
● المدنُ التَّاريخيَّةُ في العالمِ الإسلاميّ، كليفورد بوزورث، هيئة أبو ظبي للسِّياحة والثَّقافة.