ميرنا أوغلانيان
تشغل قضية اعتماد نشيد وطني جديد للجمهورية العربية السورية حيّزًا كبيرًا من تفكير المواطن السوري، لا سيما بين أوساط المثقفين الذين أشعلوا مواقع التواصل الاجتماعي بآرائهم ومقترحاتهم وتوقعاتهم للنشيد الجديد بعد اللقاء الأخير الذي عقده الرئيس أحمد الشرع مع وزير الثقافة ومع عدد من الأدباء والشعراء، لبحث عددٍ من القضايا الثقافية، ومنها مناقشة الترتيبات الخاصة بالنشيد الوطنيِّ للجمهورية العربية السورية.
لا شكّ في أن النشيط الوطني من أبرز السمات الأساسية لهوية أي بلد وثقافته، ونقطة علّام في خارطة تاريخها الوطني، لما يمتلكه من قدرة هائلة على لمّ شمل أبناء الوطن الواحد وتعزيز قيمهم وانتمائهم وروحهم الجماعية.
تُميّز الأناشيد الوطنية هُوية البلدان وثقافتها، وتُخاطب العقل والقلب والحواس، والدول تُقدّم نفسها بأعلامها وبأناشيدها، والواقع أن نشيد «حماة الديار» قد أثار العديد من الانتقادات منذ أربعينيات القرن العشرين فكتب عنه الشاعر إيليا أبو ماضي: «إن واضعه لم يوفّقْ كثيرًا ولا قليلًا في نسجه، وإن الذين وافقوا على اختياره لم يُحسنوا الانتقاء والاختيار، فإن هذا الكلام الركيك المعلوك لا يصلح أن يكون نشيدًا لأي وطن..»…
واليوم، ومع عبور سوريا إلى مرحلة جديدة من الحُرية بعد نصف قرن من الألم الذي ألقى بظلاله السود على حياة كلّ سوريّ وطني آمن بأرضه وانتمائه مهما قست عليه الظروف، من حق الحقبة الجديدة أن تحظى بنشيد جديد، كما رفعت عاليًا في لحظة التحرير علمها الجديد الذي كان رمزًا للثورة والتضحيات والدماء التي سيّجت البلاد بطهرها المُنساب ضَوْعًا لا يُضاهى.
يخشى البعض من أن يؤدي تغيير النشيد الوطني إلى فقدان الهوية، ويرتبط النشيد السابق لدى الكثيرين بمرارة عُمر من الخنوع، وفي هذه الحالة من المفيد أن نُعرّف الناس بأن إمكانية تعديل الأناشيد الوطنية تبعًا للتغيرات السياسية أو التاريخية أو كجزء من مراجعة الدستور هو أمر منطقي ومقبول، فهذه الأناشيد، وإن شكّلت جزءًا من ذاكرتنا، لا تُعدّ قطعًا متحفية ثابتة إلى الأبد.
تسعى الدولة السورية الجديدة إلى إعادة بناء هويتها الوطنية على أسس مغايرة تمامًا لما كان سائدًا طوال عقود، وفي هذا السياق، عملت مؤسسات الدولة على مراجعة الرموز الرسمية التي ارتبطت بالمرحلة السابقة، بدءًا من شعار الدولة الذي أُعيد تصميمه ليعكس تطلعات السوريين، وصولًا إلى النشيد الوطني كممثّل للهُوية الوطنية لسوريا.
وقبل الدخول في سجالات بين مؤيد ومعارض لتغيير النشيد الوطني، أدعو الجميع بصدق إلى التمسك بالهدف النبيل والأهم وراء اختيار النشيد، وهو توحيد جميع المواطنين من جميع الخلفيات تحت شعار واحد من خلال كلماته وألحانه، والربط بين الماضي العريق والمستقبل الواعد، فالنشيد الوطني وسيلة للتعبير عن الولاء والتفاني للوطن، خاصة في أوقات الأزمات والتحديات، وبلدنا اليوم في عين عاصفة التحديات..
آن الأوان لأن نتكاتف ونتحاور برُقيّ ومنطق وطني سليم للوصول إلى حلول لمشكلاتنا، وليكن نشيدنا الجديد صلاةَ حُبّ تُعزز قيم الالتزام والمسؤولية تجاه الوطن والمجتمع، ولحنَ سلام وإخاء وتسامح يُبدد كلّ ما أتعَبنا من ضجيج الحروب… فلننظر إلى المستقبل.. إلى مرحلة جديدة… لها نشيدها الجديد الذي سيغرس حب الوطن في نفوس الأجيال الجديدة.. دون أدنى شكّ.