المكتب الإعلامي- خاص:
أقامت مديرية الثقافة في حلب، بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب، حفل تأبين للشاعر فواز حجو، رئيس فرع الاتحاد بحلب، الذي رحل عن عالمنا في آب/ أغسطس من العام الجاري، عن 68 عاماً بعد مسيرة حافلة مع الصحافة والأدب والعمل الثقافي.
الحفل أقيم في المركز الثقافي في العزيزية يوم أمس الأربعاء… وحضر حشد من أصدقاء الشاعر وقرائه، إلى جانب أسرته التي ألقت كلمة في الحفل. وقد مثل اتحاد الكتاب العرب الشاعرة مروة حلاوة، مسؤولة النشاط الثقافي التي ألقت كلمة باسم الاتحاد جاء فيها:
يشرّفني باسم اتحاد الكتّاب العرب، أن أقف بينكم اليوم، متجاوزةً وجع الفقد، لأفيَ شاعرًا كبيرًا من أبناء سوريةَ البررةِ حقّه من الوفاء.. شاعرًا حملَ الكلمةَ مسؤوليةً ورسالةً، وتركَ أثرًا سيظلُّ حاضرًا في الأدبِ السوريِّ.
إنه الشاعر فواز حجّو.. الذي انحدرت جذوره من أرض إدلبَ الطيبة، إدلبَ التي حملت على ظهرها جراح السوريين وآوت شتاتهم حين ضاقت بهم المدن والقرى، كما احتضنت في بطنها أنبل شهدائهم. غير أنّه نشأ وترعرع في حلب، مدينة الشعر والموسيقا، مدينة المقامات والحكايا، تلك التي قدّمت للثقافة العربية رموزًا كبارًا على مرّ الزمن، فكان واحدًا من أبنائها الذين حملوا شعلة الكلمة في أزمنتها العسيرة، وصانوا للقصيدة حضورها في وجه العتمة والقسوة.
نجتمعُ اليومَ عند الأربعين، وكأنَّ هذه الأربعينَ جسرٌ من الحنينِ لا مسافةٌ من الزمنِ، نعبرُ الجسرَ لنتلمّسَ في وجوهِنا ملامحَ شاعرٍ لا يغيبُ.
إنَّ الشعراءَ لا يموتون كالآخرين، جسدُهم يُواريه الترابُ، لكنْ أصواتُهم تبقى معلّقةً في هواءِ القصيدةِ، تتردّدُ على ألسنةِ القرّاءِ، وتضيءُ قلوبَ من عرفوهم ومن لم يعرفوهم. وشاعرُنا الذي نؤبّنه ما زال مقيمًا فينا بكلماتِه، وبذلك الشغفِ الذي جعلَه واحدًا من أبناءِ الشعرِ الصادقين، فلا يليقُ بمثلِه مرورُ العابرين.
لقد علّمنا الراحلُ “فواز حجو” أنّ الكلمةَ قَدَرٌ ومسؤوليةٌ، وأنّ القصيدةَ تُكتبُ من الدمِ لا من الحبرِ، وأنّها ليست للتسليةِ بل للحياةِ ذاتِها. وعندما كان يرى في الشعرِ خلاصًا من قسوةِ الأيامِ، كان يعنيه جسرًا يُبنى بين البشرِ ليعبُروا نحو إنسانيتِهم.
أيها الأصدقاء… نقفُ اليومَ أمام غيابٍ في أشدِّ الحضورِ، وحضورٍ يكتسحُ الغيابَ. وحين يقترحُ أصدقاء الشاعر اليومَ جمعَ أعمالِه الكاملةِ، أو إقامةَ ندوةٍ نقديةٍ حول أدبِه، فإنهم لا يصنعون معروفًا له، بل يصنعون معروفًا لأنفسِهم وللأجيالِ القادمةِ، لأنهم يمنحون الشعرَ فرصةً أخرى ليعيشَ.
أدرك الآن أنّه ليس من السهلِ أن نتحدّثَ عن الغيابِ، ولكنْ من اليسيرِ أن نتحدّثَ عن الخلودِ. والخلودُ عند الشعراءِ ليس نصبًا تذكاريًّا من حجرٍ، ولا ذكرًا يُدبّجُ في خطبة، وإنما كلمةٌ لا تنطفئُ، وقصيدةٌ لا تُهزمُ بالزمنِ، وصوتٌ يظلّ يتردّدُ كلما مرّت بنا الذكرياتُ.
فلنقفِ اليومَ وقفةَ وفاءٍ، نُحْيي فيها ذكراهُ جزءًا من وِجدانِنا، ولنجعلْ من حضورِه فينا دافعًا لمزيدٍ من الإخلاصِ للقصيدةِ التي أحبَّها وضحّى لأجلِها.
نقف اليوم وقلوبنا مع عائلته — زوجته وأبنائه وأهله — الذين حملوا معه أعباء الشاعر ومواجعه واغترابه الوجوديّ.
ونعزّي به حلب العظيمة بأدبها وثقافتها وتنوّعها وإرثها الحضاريّ وطيبة أهلها. ورحمَ اللهُ شاعرَنا الكبيرَ، وجعلَ ذكراهُ نجمًا يهتدي به كلُّ من يبحثُ عن الشعرِ الصادقِ.
وباسمِ اتحادِ الكتّابِ العربِ، أجدّدُ العهدَ أن يبقى إرثُ فقيدِنا محفوظًا، وأن يكونَ الشعرُ الذي تركَه منارةً للأجيالِ، وأن تستمرَّ مبادرةُ الاتحادِ في تكريمِ المبدعين الذين يثبتون أنَّ القصيدةَ أصدقُ من الموتِ، وأبقى من الغياب”ِ.
*
يذكر أن الشاعر فواز حجو تولى حجو مهام رئاسة فرع حلب لاتحاد الكتاب العرب في 27 من كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، وهو من مواليد معرتمصرين في إدلب عام 1957، حصل على إجازة في الأدب العربي من جامعة حلب، وعمل مدرساً للغة العربية في مدارسها ومدارس إدلب والمملكة العربية السعودية منذ عام 1989.
