على خطا الزهر المجموعة الشعرية الرابعة للشاعر حسان عربش قصائد أينعت بخطا الأمل والسلام والحب والجمال (نقلاً عن الفداء)

المجموعة الشعرية الرابعة الصادرة عن منشورات اتحاد الكتاب العرب بدمشق التي جاءت بعنوان (على خطا الزهر) للشاعر حسان عربش تقع في مئة وعشرين صفحة المجموعة مؤلفة من ثماني وثلاثين قصيدة
هذه المجموعة ليست على خطا الزهر فحسب، إنما أتت على خطا الأمل والفرح والجمال والحب والقدر بما تحمله القصائد من قيم ،إن تلوينة المجموعة الشعرية بقصائد الزهر والوطن والشهيد ماهي إلا تلوينة لوحة، جاءت لتعبرعن مشاعر وأحاسيس الشاعر الساخنة الدافئة من خلال الألفاظ والصورالتي لم تأت لتعبرعن الثبات والسكون وإنما عن الحركة والتفاعل والاستمرارية
افتتح الشاعر قصيدته بضمير(أنا) وهو ما عبر عنه بصوت داعٍ لكل قيمة فاضلة ،حيث تابع ليعرّف عن ذلك الصوت بأنه لغة الشعر بل روحه وفيضه ،هو نبع من اخضرار وازدهار
قصيدته (أنا والقصيدة) عبر عنها شاعرنا بكل وضوح وشفافية ،فالقصيدة توقظ روح الشاعر عندما تُثقل بالهموم وتناديه لتنقله إلى عالم النور والجمال والجلال لتصبح أبياته سنبلة تضيء معالم اللغة يقول :
وحين أكون منهمراً في الهموم
توقظني القصيدة .. تعال
أيها المجنون .. هيت لك
أدخل عذرية القصيدة ويدي على قلبي
يصير بيت الشعر في فمي سنبلة
وعصفوراً من الدهشة
وسؤالاً من العشق
في زمن الضوضاء أسافر في
دروب اللغة
لعلي آتيكم بقبس من طفولتي
بباقة من عبير الكلمات
يتابع الشاعرفي نصه (أنا والقصيدة) وهو في شوق وحب لقصيدة لا تغمس في الغموض يريدها أن تكون مضيئة ليراها ويحس ويشعر بها الجميع
يريد أن تكون المقامات لحناً تصل إلى كل متلقي، فالشعر روحه يهديه للطفولة والحرية والجمال نستقطب منها:
لا أحب المقامات التي توغل
في الغموض
أحب أن أعزف لكم لحنا
من مقام الروح
أن أرسم لصوتي وجهاً جميلاً
أحب الشعر الذي يحتفي بالوجدان
وينقش على الأحاسيس
فالشعر هو اجتماع على
مستوى القمة
للطفولة والحرية والجمال
يتساءل الشاعر حسان في نصه أيضاً، لماذا عندما يريد الشاعر أن يعبر عن غضبه بقول الحق تجاه الطغاة وأعداء الوطن فلا بد للسانه أن يقطع!
فوجع الوطن هو وجع كل مواطن ،فكيف إن وجع الشاعر!
فلا يستطيع أن يرى ويسمع لأي صوت سوى صوته الداخلي الذي يسكن في جوفه هو صوت القصيدة ،فحين يمر بمرارة الأيام وقهر الحياة وآلام الوطن حتماً سيستيقظ الشعر في دمه ،فالشعرلا ينتهي….
يقول :
ولماذا حين يرفع الشاعر راية الحق
والحب والحرية ..يضطر
الطغاة إلى قطع لسانه …؟
يستبيحني وجع الوطن
فلا أستطيع أن أعبر لكم عن
صمتي
فحين يتغشاني الشعرلا
أرى أحداً
ولا أسمع أحداً
هناك صوت واحد يخفق في
صدري
إنه صوت القصيدة
وحين تصعقني الحياة
مرارةً وقهراً
ينهض الشعر في دمي
فالشعر لايستكين
جاءت الأفعال المضارعة في النص كثيرة لتدل على التجدد والاستمرار والتفاعل (يكتبني،ألهث،يرتديني،يحتفي،تصعقني،ينهض،تركض،ترسمني،يخفق، تلتجىء،ينقش،يتغشاني،توقظني،يصير ، أرسم ،أجب)
كذلك الضمير أنا جاء في مطلع القصيدة ليدل على تفرد الشاعر وانتمائه إلى لغة الشعر.
الاختزال في الشعر كما هو معروف ما هو إلا تحريض للمتعة والكشف وإشراك المتلقي ،نلاحظ في قوله (القصيدة غزالة) تشبيه مؤكد وهنا يبدأ الشاعر بإشراك القارئ في العملية الإبداعية من خلال دفع مخيلته إلى كشف العنصر المفقود ،جمالية هذا التشبيه في تركه رابط المشابهة(أداة التشبيه)،فكلما تخلى الشاعر عن جزء من مكونات الصورة زاد في جماليتها وبلاغتها ، وهذا ما قدمه الشاعر حين قال:
القصيدة غزالة تركض
في براري الوجدان
في قصيدة (غزة على خارطة البطولة) بدأ بكلمة دماء مشيراً بها إلى الاستمرارية فهي تولد أجيالاً ،كذلك المعاناة والآلام التي تلامس كل جيل في غزة هم أبطال وكل يد فيها نضال ورجولة
سعى الشاعر من خلال قصيدته هذه إلى التعبيرعن عواطفه وأحاسيسه وموقفه تجاه غزة، فصوته استحضر في لغة النص وكان جزءاً من بنية القصيدة ولغتها ليؤكد بأن القدس هو موضوع القصيدة تربتها وهمها جراحها ومآسيها …
كما جاءت لفظة القدس مرة أخرى في سياق القصيدة ( أم الصابرات ) و ( دولة الشهداء) تعبيراً عن حركة الأبطال والأمل المعقود بتحرير تلك الأراضي
عبر عربش بلفظة (فرش) بقوله في بيت قصيدته (فرش الدم) لتنبيه المتلقي وكناية على أن هذا الدم جار وسال بلا حدود ولن ينتهي بل سيزدهر ربى وتلال وهضاب وسهول ،كما رمز للسلام بلفظة (الزيتون)
نقتطف منها بقوله:

يا غزة الأبطال أمَّ الصابرات ودولة الشهداء كيف الحال..!
فرش الدم غالي براءته على .. الزيتون فازدهرت ربى وتلال
وفي قصيدة (أنثى عشقها نور ونار) نلاحظ بأن موضوع الغزل فيها لا يقف على كونها القصيدة بحد ذاتها بل إنها الابداع وكل الجمال ، ولاغريب هذا الشأن عند الشعراء فما زالوا في قصائدهم يجعلون المرأة مهوى فؤاد القصيدة
الشاعر حسان جعل قصيدته هذه مفعمة بالأنوثة من خلال الصور والمعاني والألفاظ ، فالحب والابداع سمتان تنعقد ين المرأة والقصيدة كما يرى فيهما ما يعدل ذاته ووجوده، فعالم المرأة في شعره عالم حافل بالحياة والرؤى والتميز حيث نستعرض بعضاً من أبياتها:
يدق بصدرها قلبي اشتياقاً ومالي في هوى قلبي قرار
إذا ماحصرت سفني الدياجي فلي من حبها السامي منار
وأخلق من جنوني شهرزاداً وإني في هواها شهريار
يبرز صوت الانفعال في القصيدة في ضمير المتكلم كذلك الأمرنجده في الوله والغرام،هذا الانفعال ماهو إلا دفاعاً عن الوجود والابداع وصوتاً نابعاً من أعماق النفس صدى للمرأة الذي يرى فيها النور والجمال والابداع حيث يقول:
أنا متوسد قلق الليالي يلف عواطفي العطشى الدوار
بصدري زهرتان من الخزامى يطأطئ رأسه لهما الهزار
منىً تحتل أيامي جنوناً أنا كالريح تحضنها القفار
ألملم ما سفحت من الأماني وفي الوجدان وعد وانتظار
إن التركيزعلى النغم (نور ونار) ما هو إلا جانب إمتاعي للقصيدة بوصفها مكوناً صوتياً يتصل بدلالة واضحة وتناغم روحي داخلي والذي يجمع بين هذين العنصرين (نور ونار) هو الجمال والابداع يجمع لأنثى تُعشق من خلالهما. يقول في مطلع القصيدة :
وأنثى عشقها نور ونار بطلعة وجهها يصحو النهار
يشار أن هذا الكتاب هو الرابع للشاعر حسان عربش الصادر عن سلسلة الشعر اتحاد الكتاب العرب بدمشق، حسان المولود في حماه عام(1957) والمتخرج من جامعة حلب(دبلوم ميكانيك) والذي صدر له ثلاث مجموعات شعرية الأولى (السمراء والعاصي) عن دار الأنوار بحماة والثانية (اعتراف)عن دار أرواد بطرطوس والثالثة (عائلة الريحان) عن دار عكرمة للنشر بدمشق.
رزان القرواني

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات