ملامح الحداثة في القصة العربية القصيرة (نقلاً عن البعث)

أصف إبراهيم

تقول المصادر العديدة إن القصة كفن أدبي حديث ظهر في القرن التاسع عشر على نطاق عالمي، وقد اقترنت بالكاتب الفرنسي ” موباسان ” حتى قيل إن القصة القصيرة هي موباسان وهو القصة القصيرة، وكذلك الكاتب الأمريكي “أذكار ألمبو” مع بداية القرن العشرين.

وبعد ظهورها بقليل في أوروبا، بدأت تتبلور،عربياً، بشكلها التقليدي في النصف الأول من القرن الماضي، حيث ظهرت مدرسة حديثة في القصة على يد كل من محمود تيمور، الذي كتب قصة “في القطار” وعيسى عبيد، وطاهر لاشين، ومن ثم ظهر نجيب محفوظ ،ويوسف إدريس، ويوسف القعيد وغيرهم. وفي سورية برز في ثلاثينيات القرن الماضي فؤاد الشايب، عدنان الداعوق، خديجة الجراح،علي خلقي، وسعيد حورانية فيما بعد وغيرهم

وقد أطلق يحيى حقي مصطلح “الحداثة” على القصة التي كتبها جيل العشرينات من القرن الماضي، وانتشرت التسمية، حتى ظلت تطلق على الكتابات اللاحقة. وقد لعبت الصحافة اليومية التي كانت في بداياتها آنذاك دوراً بارزاً في إطلاق وتعميم هذا الجنس الأدبي الجديد، خاصة، وكانت القصص الأولى كغيرها من القصص المترجمة  في المقام الأول، ثم العربية.

وأخذ الولع بالتجريب والتجديد يفضي إلى ظهور اتجاهات فنية  غير تقليدية، أو تقليدية متداخلة، و”موضات” بوسائل تعبير منسجمة حيناً، وغامضة حيناً آخر.

وكان للنقاد والدارسين نظرتهم المواكبة لهذا التطور في حركة السرد القصصي، فكان أن أعدّ الكثير منهم دراسات مستفيضة توصّف وتفصّل في هذا المجال.

وكان لاتحاد الكتاب العرب فرع حمص وقفة مع ملامح الحداثة في القصة القصيرة العربية في ندوة شارك فيها الدكتورة رشا العلي، ناقدة وأستاذة في قسم اللغة العربية بجامعة البعث، تشاركها طالبة الماجستير في القصة القصيرة ، سلوى شاهين.

تناولت الدكتور رشا في دراستها مجموعة من الملامح الحداثوية في القصة العربية منها الإكثار من المسارات الرأسية، النسق الكتابي الذي يدفع الصياغة باتجاه أفق شعرية تتوالى سطورها دون حروف العطف. إلى جانب ملمح، تجنب الاستطراد والتطويل، في لغة إشارية في أعلى مستوياتها، غيب عنها أدوات الربط، والبناء الذهني حيث تغادر القصة الواقع المباشر نحو إنتاج واقع ذهني قابل للتمزق والتشتت، وغياب المعقولية.

ومن التحولات التي صاحبت القصة في مرحلة الحداثة إكثار المركزية سواء أكانت مركزية الشخوص أو مركزية الوقائع.

وهناك بعض القصص اعتمدت بعض التقنيات البصرية، تحويل القصة إلى لوحة  تشكيلية، أو عرض سينمائي، وأصبحت عناصر القصة اللون والحركة والصورة.

وهناك ملمح هام وهو غلبة الشخصيات المهمشة في القصة، بعد أن كان هناك في البداية غلبة للطبقة البرجوازية، لكن مع التطور الحضاري توجه الاهتمام إلى المهمشين اجتماعياً مثل المرأة ،والعمال، والمتسولين، والمهمشين أخلاقيا كالبغايا، فقد فتحت مرحلة الحداثة مرحلة واسعة لهؤلاء، وبخاصة المرأة حيث سعت إلى إخراج الأنثى من دائرة المفاضلة إلى دائرة الحياد وأوغلت بعض القصص في إعلاء شأن الأنثى على الذكر، وتميز أغلب القص النسوي بهجاء تحويل المرأة إلى سلعة وإفقادها الإحساس بكينونتها دفعها للتساؤل هل أنا موجودة حقاً من خلال كشف تناقضات السلطة الذكورية على أكثر من مستوى.

هذه الملامح أبعدت القصة عن مرحلة البدايات توصلت إليها الدكتورة رشا من خلال دراسة مجموعة قصص تنتمي إلى بيئات عربية متعددة اعتمدت فيها تقنيات ذات مسارات متعددة وتقنيات غير مألوفة.

بدورها سلوى شاهين قدمت دراسة مكثفة وشاملة تناولت فيها تجربة الأديبة السورية الرائدة في مجال القصة وهي قمر كيلاني التي  نشرت أول قصة لها وهي طالبة في الصف الثانوي في مجلة لبنانية بعنوان “شبح أم”، كما نالت قصتها “دمية العيد” جائزة أفضل قصة قصيرة في مسابقة أقامتها هيئة الإذاعة البريطانية. نشرت كتاباتها الأولى في مجلة الجامعة ووقعتها باسم “رائدة النبع”، ثم بدأت تكتب باسمها الحقيقي بكل جرأة فدونها التاريخ كواحدة من الأقلام النسائية القليلة والرائدة في تلك الفترة، والتي أثرَت الساحة السورية بكتاباتها المتنوعة بين الرواية والقصة القصيرة والمقالات الأسبوعية ومن أبرز أعمالها رواية “الدوامة”، و”بستان الكرز” التي تعرضت فيهما للحالة الاجتماعية والسياسية في “سورية” لها ست مجموعات قصصية  تتمحور أغلبها حول قضية المرأة، والقضايا الوطنية .

وهي من أبرز الكاتبات العربيات اللواتي سعين إلى إعطاء المرأة حقها وتصحيح صورتها في الرواية، والقصة القصيرة لذلك أسندت  بطولة رواياتها إلى نساء من مواقع واتجاهات مختلفة. لكن حماستها لقضية المرأة ورغبتها القوية في إنصافها جعلها تضفي على بطلاتها هالة من الكمال مع إهمال الرجال في المجتمع الروائي. حاولت إعطاء المرأة حقها من الاهتمام والتقدير، وأن تظهر أثرها في الحياة العامة والقضايا المصيرية.

شخصيات كيلاني ذات مرجعيات واقعية، كما تقول شاهين، التصقت بهموم الفقراء، رغم نشأتها الغنية، سلطت الضوء على الآثار الكارثية  للتذمت الفكري، والمعتقدات البالية، استفادت من تقنيات القص الحداثوية على مستوى النص وما قبل النص.‏

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات