قراءات في كتاب “أنسنة المكان” واستحضار وعي الذاكرة (نقلاً عن الثورة)

أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب أمس ندوة بعنوان (قراءة في كتاب “أنسنة المكان”) للدكتور عبد الله الشاهر، تحدث فيها عدد من الكتاب والباحثين من أعضاء الاتحاد.
زعرور: دور المكان في تكوين الإنسان
وأشار الدكتور إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب إلى أن هذا الموضوع جديد وقليل من الكتاب من يتطرق إلى أنسنة المكان، أي دور المكان في تكوين الإنسان في كل مراحل حياته من الطفولة حتى مراحل متقدمة من عمره.
وقال الدكتور زعرور في تصريح لـ “الثورة”: إن المؤلف ركز على المكان بإسلوب شيق باعتبار الإنسان غاية الحياة وقيمها، وذلك من أجل سبر أغوار الفكر الإنساني الذي هو أوسع وأشمل وأعمق.
ونوه الدكتور زعرور بأن اتحاد الكتاب يسعى إلى الإضاءة على هذا الجانب المهم في حياة الإنسان من خلال عدة قراءات متعددة لكتاب “أنسنة المكان”.
حسن: هل المكان كائن حيّ؟
الكاتب والصحفي المخضرم ديب علي حسن في قراءته للكتاب ركز على تساؤل هل المكان كائن حيّ.. أم أننا نمنح المكان الحياة؟، مشيراً إلى تعريف المكان وليس الجغرافية هو المعرفة أو مصدر المعرفة أو سيميائية تحيل إلى الانتماء، مستشهداً بما جاء بما قاله المؤلف:” بيني وبين مدينتي عشق قد لا أبوح به”.
ويرصد الكاتب حسن المكان الذي عاش فيه الشاهر طفولته وصباه وما مر معه من تداعيات اجتماعية وإنسانية في الألم الذي غلب على الفرح منذ أن بدأت البيئة بتحولاتها، مركزاً على ما عكسه الأديب الشاهر في كتابه من مساهمات الطبيعة والجغرافيا، وما يقوم به العنصر البشري ضمن الثروة المادية واللامادية للأوطان والشعوب، ورصد العادات التي تتأثر بالبيئة والألقاب والصفات والانتسابات، وغير ذلك من مقومات إيجابية كريمة.
وبيّن الكاتب حسن أن الأديب الشاهر يركز على الحاضر الذي يستجر الماضي ليصل إلى ذكريات الطفولة وإظهار الذاتية الجديدة ومواجهتها وأنسنة الأشياء المكونة للبيئة الجميلة ومحاكاتها وطرح مسببات الألم، لاسيما وجود الفرات كأساس للكثير من الحالات النفسية وعلى ضفتيه ترعرع المؤلف وتغيرت الحياة وتحولت الذكريات.
كما يرصد الكاتب حسن مراحل الارتباط بالمكان من الولادة والمدرسة إلى عين علي والتلال والبلدية إلى أن ينتهي به المطاف إلى القراءة والمكتبة لتبدأ بعد ذلك تفجر ينابيع الكتابة لدى الكاتب، مشيراً إلى مكانة الأنثى في حياة الكاتب وماذا شكلت له من كيمياء الروح وماء الشباب ثم الحبّ ثم أن تكون المرأة وطناً ومكاناً.
وربط الكاتب حسن بين ما كتبه الشاهر وما كتبه كتاب آخرون ويصور أن أي قراءة لكتاب هي مثل مخاطر تشريح بلبل مغرّد من أجل غرامات من اللحم ، ويذكر قولاً للكاتب صلاح صالح من كتابه (إطلاق التأويل) “إن البحث في جسد المعشوق مثل تفكيك الساعة لمعرفة الوقت”.
ويلخص الكاتب حسن وجدانيات الكاتب في “أنسنة المكان” بوصفه بأنه أقسى أنواع القتال الذي هو قتال النفس، خاصة عندما تكون في مواجهة مع ماضيها، ووقنها لا مجال للمراوغة أو النكران ولا حتى للتبرير لأن الأمكنة ستشهد عليك وتقف شاخصة في ذكرى يقينية اللحظة، مشيراً إلى أن شدة محبة المكان الذي عاشه قام المؤلف بأنسنة جماليات البيئة لتساهم معه في الكتاب وتصوير الماضي والحاضر ورصد من تعايش معه في الأدب والثقافة ودور الأنثى والحنين والعاطفة والأهل.
هلال: استحضار الذاكرة القريبة والبعيدة
أما الكاتب أحمد علي هلال عضو اتحاد الصحفيين الفلسطينيين، فركز على مصطلح الأنسنة، ولماذا نتحدث عنها وعلاقتها بالمكان؟، مشيراً إلى أن هذا الشكل من الكتابة تعني استحضار الذاكرة القريبة والبعيدة ومناشدة خلجات الفكر ودفقات تصرف المعنى والطريقة، وتراسل أفكار تعود إلى جذر فلسفي تماماً كما يعيدنا جان جاك روسو في الأسطر الأولى من اعترافاته بالقول:”أريد أن أكشف لبني جنسي، إنساناً كما هو على حقيقته، وهذا الإنسان هو أنا”.
ولفت هلال إلى أن الكاتب الشاهر لا يزعم بأسطورة ذكرياته الأولى بل بتأليف المعنى الذي يجعل من الذكريات بياناً حداثياً لا ينعي الماضي، بل يذهب في إثر دالة الاستشراف ما بين الحب والحرب، وفي إطلاق المتعة في توثيق البراءة الإنسانية.
ويصف هلال الكتاب بأنها رؤيا أديب ذهب في رحلة سيكولوجية إلى ذاته، على أجنحة أسئلة وقلق معرفي ونزوغ فلسفي خالص، وذلك ما يعطي دلالة الأنسنة وارتباطها بالمكان أو الأمكنة الأخرى دلالة ثقافية لسيرة ذاتية.
وهنا يشير هلال إلى الكتاب لا يقف على أدب الرسائل أو المراسلات بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هو نص كثيف من الثقافة والإبداع يعود بنا الشاهر إلى ذاكرة المكان عبر مرايا الطفولة ومحاكاة التفاصيل ، مما جعل منه باحثاً عن المعادل الوجداني واللغوي للمكان ليفتح في أفق سيميائية الدلالة بل السيميائية الثقافية.

ويتحدث هلال عن سمات النص عند الشاهر الذي يستمر في مسعى معرفي – ثقافي – لغوي، لالتقاط الصوت الإنساني بل الجوهر الإنساني في الكتابة وتحدياتها وأفعالها الإنسانية في فضاء من ذاكرة المكان.
الحسن: صور تداعي الذكريات
بدوره ، أشار الكاتب أيمن الحسن الذي أدار الندوة إلى أن كتاب “أنسنة المكان” للدكتور عبد الله الشاهر تضمن نصوصاً وجدانية يعكس فيها كثيراً من الهموم والقضايا الإنسانية وصور تداعي الذكريات بشكل عفوي وأدبي مختلف الأجناس. ونوه الحسن إلى أن المؤلف سجل كيفية تناوله للكتابة، وخاصة ما يؤدي إلى الإبداع بصفتها الفكرة الوحيدة التي تمنح الأبدية وتدفع الإنسان إلى الأمام ويرصد من خلالها كل الألوان التي صادفها في البيئة والمجتمع.
الشاهر: وعي ذاكرة المكان
الكاتب الدكتور عبد الله الشاهر تحدث عن كتابه، فأشار في تصريح لـ “الثورة” إلى أن سبب تأليفه جاء تلبية لخطاب صديقه المغربي الذي يقوم بعمل يجمع فيه شهادات لمثقفين ومبدعين ومفكرين توجد بينهم روابط الانتماء إلى مكان بحكم الولادة أو الإفادة أو العبور والتي وصفها بوعي ذاكرة المكان وأنها حالة فرح وانتماء.
وجرى خلال الندوة تبادل الرأي بين الكتاب والأدباء حول ملاحظات القراءات المقدمة والأفكار المكانية التي تضمنها الكاتب في وجدانيات كتابه.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات