فنُّ الترجمة عند جون درايدن (نقلاً عن الثورة)

لطالما برع البعض في فن الترجمة من لغة لأخرى، لما يمثله هذا الفن الأدبي من جسر للتواصل بين ثقافات الشعوب، ولدوره في مساعدة طلاب الجامعات في أبحاثهم.
من على منبر فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب قدم المترجم “حسين سنبلي” محاضرة بعنوان “فن الترجمة عند جون درايدن” بحضور نخبة من أعضاء الاتحاد ورواده، ليعرفنا على أحد رجالات الترجمة.
يقول سنبلي: جون درايدن كاتب إنجليزي لامع من كتاب عصر عودة الملكية، برع في المسرح، والشعر والنقد الأدبي، ونصب شاعراً للبلاط الملكي، وتولى عدة مناصب حكومية أخرى في عهد الملك جيمس الثاني، فلما فقد الأخير عرشه، رفض أداء قسم الولاء للحاكم الجديد، وتفرًّغ للترجمة ليكسب قوت يومه، وأشهر أعماله في مجال الترجمة ترجماته شعر فيرجيل، وتعد ترجمته الشعرية “مأدبة ألكسندر” من أفضل أشعار عصره، يصف درايدن فن الترجمة بأنه مرض عانى منه منذ حين، لكنه مرض ممتع – كما يقول – وجدَ فيه شيئاً أمتع من نتاجه العادي، يرى درايدن أن الترجمة الأدبية وسيلة للارتقاء باللغة الإنكليزية وإثرائها وصقلها، وقد كان له دور كبير في دراسات الترجمة.
أضاف سنبلي:
يقول درايدن: الترجمة ثلاثة ضروب: الترجمة الحرفية، وإعادة الصياغة أو الترجمة الحرة، ويبقي فيها المترجم إحساس المؤلف نصب عينيه، أما الطريقة الثالثة فطريقة التقليد أو المحاكاة، وينتحل فيها المترجم الحرية، فيغير في الكلمات وفي المعنى على هواه، ويتخلى عنهما إن رأى ذلك مناسباً.
وليس يكفي للمترجم من لغة إلى أخرى أن تكون كلماته منتقاة مصطفاة، تجري على أنماط الشعر، ولها جرس موسيقي، على ما في بلوغ هذا كلّه من صعوبة ومشقة، ذلك أن مثل هذا المترجم قد غاب عنه سرّ من أخفى الأسرار، وذلك السر هو مماشاة الكاتب أو الشاعر ومحاكاته في خصائصه ومميزاته، وخاصة تلك التي تميزه عن سائر أنداده وزملائه.
وأنا إذ أنظر إلى فرجيل أجده يُعنى بالإيجاز، وبكل سري في اللفظ، ويكاد يزن كلّ كلمة، بل كل مقطع، كما يزن الجوهري جواهره، وهو يلجأ كثيراً إلى الاستعارة والمجاز، حتى ليجد القارئ نفسه في حاجة إلى معجم خاص يستعين به في تفسير ما يقرأه..
ويضيف: وأنك لتحسًّ في شعر فرجيل بل في كلّ شطر من أبيات قصائده، جرساً موسيقياً يقرب إلى أذنيك الإحساس الذي يمثله ويؤديه ذلك الشطر من البيت.
وفرجيل يلجأ دائماً إلى التنويع في روي قصائده، وذلك مخافة الإملال، ويخالفه في هذا الشاعران أوفيد وكلوديان، وإن كان كلاهما يختلف عن زميله في الأسلوب، ولكنهما يتفقان في أن لهما لوناً موسيقياً واحداً، تلقاه في كل قصائده..
والشاعر أوفيد على ما أوتي من حلاوة في القول، وبراعة في النظم، قليل التنويع والتلوين، وهو في هذا كأنه حصان لا يعرف إلا الرّمحة الوئيدة، وهو إذا جرى كأنما يجري فوق بساط، فشعره ناعم بالغ النعومة، وقوله لين بالغ الليونة.
وللكاتب الحرية في انتقاء أفكاره وألفاظه، وليس هذا متاحٌ للمترجم، بل هو مقيد بوضع ما يقارب تلك الألفاظ، ففرجيل موجز بكتاباته، متمكن من لغته الخاصة، فيجد المترجم في هذا حرجاً وضيفاً، فلا مفرَّ له من المواربة والإطناب، لذلك نعتوه بمعذّب النحاة، ووباء المترجمين، فأدبه يبدو لهم أدب يقرأ ولايترجم.
وأخيراً كانت المحاضرة شيقة وأثارت عاصفة من الجدل حول أهمية الترجمة أو عدم جدواها.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات