“على طاولة الثورة”.. الزلزال هزّ أرواحنا.. كيف أبرز مثقفونا قيمنا النبيلة التي خيّمت فوق ارتداداته؟ (نقلاً عن الثورة)

*رئيس اتحاد الكتاب العرب د. الحوراني: تعزيز ثقافة وروح العمل الإنساني الجماعي
* طبرة: دورنا أشعلته جذوة تعاطفنا وتكاتفنا
*د. أبو سمرة: علينا إعادة النظر في نوع الأدب الذي نكتب
*د. دياب: أوكسجين الروح
الثورة:
حوار – سعاد زاهر وديب علي حسن وهفاف ميهوب وهناء دويري وعلاء الدين محمد وفاتن دعبول:
بعد أن تصدعت زوايانا، واحتكمت لركن نفيء في ظله، فزمجرت الأرض وابتلعت العديد من أهلنا، ها نحن ننهض، كمن استفاق أخيراً، وولى وجهه شطر أهله موقناً أن لا أحد يحميه سواهم.. ضمن هذه الأجواء الموغلة في إنسانيتها، هل يمكن للثقافة أن تمتلك دورها الغارق في اتقاده، في أمثال هذه النكبات ودروس التاريخ هي العبر.. اليوم هو يوم السوريين جميعاً، ليس رجل الإنقاذ فقط، إنما الإعلامي والمثقف والأديب..
ضمن أجواء لم نعشها يوماً.. وعلى إيقاع الزلزال الذي لا تزال هزاته وارتدادته وآثاره تؤثر فينا، استضافت صحيفة “الثورة” على طاولتها عدداً من المثقفين والكتّاب، وعلى رأسهم الدكتور محمد الحوراني، رئيس اتحاد الكتاب العرب، والأستاذ رياض طبرة عضو المكتب التنفيذي للاتحاد، والدكتور جمال أبو سمرة رئيس فرع القنيطرة لاتحاد الكتاب، والدكتورة ريما دياب عضو اتحاد الكتاب العرب.. كي نناقش معاً، كيف تعاطى الاتحاد مع الزلزال الكارثة، وما هو المغاير الذي اشتغل عليه كي يكون له دور مختلف..، كيف يمكن للمثقف أن ينتزع دوراً متفرداً والفجيعة تطرق كل باب..؟.
د. الحوراني: تواصلنا مع اتحادات الكتاب في خمس دول عربية
*بداية ومنذ اللحظات الأولى، كيف تعامل اتحاد الكتاب العرب في سورية مع كارثة الزلزال؟ ينطلق الدكتور محمد الحوراني رئيس الاتحاد في حديثه من مقاربة واقعية للمثقف على وقع ما نعيشه آنياً قائلاً: يتوقع البعض بأن المثقّف الذي يكتب أو ينظّر (أو هو الشخص النرجسي) للأسف واستمرّ هذا المفهوم طويلاً وبأنه قريب من المجتمع من خلال الورق فقط، لكني أرى أن دور المثقّف اليوم لا يمكنه انتظار تلقي الأوامر من جهات عليا حتى يقوم بدوره وبخاصة في مثل هذا الظرف حيث الزلزال هزّ مدننا السورية من حلب إلى إدلب إلى اللاذقية إلى حماة وسبّب كارثة إنسانية.نحن في اتحاد الكتاب لم ننتظر وباشرنا بعملنا حيث تواصلنا مع كل الاتحادات، على الأقل في خمس عشرة دولة عربية لحظة وقوع الزلزال حيث كنت في القاهرة فتواصلت معهم في العاصمة المصرية، وجاءت الاستجابة سريعة حيث تمّ إرسال حافلات لمساعدة الناس في المناطق المنكوبة مباشرةً، وقام الاتحاد بتوجيه خطاب إلى الأمين العام للاتحاد العام للكتاب العرب حول نكبة سورية في الزلزال، وبدورها الاتحادات خاطبت حكوماتها ومؤسساتها لنجدة السوريين وكسر الحصار عن سورية وبالفعل كانت الاستجابة من الأردن، والعراق ومصر وسلطنة عمان وتونس ولبنان والجزائر والإمارات واليوم من الهلال الأحمر السعودي.
وقال الدكتور الحوراني بأنه قام أيضاً بتقديم بيانٍ إلى الأمين العام للاتّحاد العام للأدباء والكتّاب العرب.. بيانٌ أملَ منهم فيه، باسمهِ واسمِ الاتّحاد: وجاء فيه: “تقديم رسالة حقٍّ إنسانيّة، وهي رسالة للجهات المعنيّة في دولكم الشقيقة، لكسر الحصار وتقديم المساعدات، من خلال الطواقم والفريق المختصّ، مساهمة في إنقاذ ما يمكن، أو انتشال الجثث من تحت الأنقاض.”
ويضيف: لا شكّ أن الدور الذي لعبه بيان اتّحاد الكتاب، كان كبيراً ومساعداً في التخفيف ما أمكن من انعكاسات هذه الكارثة على المنكوبين، لاسيما أنه تُرجم إلى ثلاث لغات، انكليزية، فرنسية، روسية”، ليكون ما تلاه وبدأ الاتّحاد بعمله: “قوافل المساعدات، التبرعات، القيام بجعل كلّ الاتحادات تصدر بياناً مشتركاً، ومن ثمّ قيام هذه الاتحادات، برفع هذا البيان إلى الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب”.
والأهم من كلّ ذلك استطعنا التعامل مع الكارثة منذ اللحظات الأولى، لأنّ الصدمة تربك أحياناً، وتمّ التركيز على العمل ولم نعتمد على الحكومة فقط حيث إنّ دور المنظمات الشعبية فعال لأنها الأقدر على إيصال الرسالة والصورة.
ولفت إلى أهمية الانتباه إلى الإعلام الغربي والحضارة الغربية المزيفة التي تعمل ضد مجتمعاتنا وتحاول الطعن بالبعد الإنساني الذي يحققه أفراد الشعب في سورية في ظل هذه الكارثة المدمرة، وخصوصاً بعد أن سجل المجتمع السوري بأطيافه كافة تضامناً قل نظيره، والعمل على دحض هذه الشائعات المغرضة وعدم الاستجابة لها، لأنها تعمل على شرذمة المجتمع وتشتيت شمله.
وأضاف د. الحوراني: لقد تشكلت فرق متطوعة من فروع الاتحاد في المحافظات لمتابعة إيصال المساعدات للمتضررين من الزلازل، بالإضافة إلى جمع التبرعات سواء من أعضاء الاتحاد أو من المجتمع الأهلي.
لم نكتف بأقلامنا بل بدأنا بحملة تبرعات وإغاثة ومساعدة المنكوبين
*وعلى الصعيد الداخلي يؤكد د. الحوراني بدأنا بحملة جمع تبرعات وإرسال أشخاص للإغاثة، ومواساة الناس ومساعدتها في نقل الضحايا ودفنها إضافة لتأمين أماكن إقامة للناجين عبر مقرات الاتحاد في المحافظات كافة وبعض منازل الأصدقاء.
إضافة إلى العمل على تقديم مساعدات، جمع تبرعات.. المساعدة بانتشال بعض الجثث، أو البحث عن مفقودين، وكذلك السعي لتأمين بدائل لمن فقد كلّ شيء في الزلزال.
طبرة: فروع الاتحاد بالمحافظات احتضنت الكثير من المنكوبين
*بدوره الكاتب رياض طبرة أكد أنه منذ اللحظات الأولى للزلزال والكارثة الإنسانية التي تسبب بها كنا كاتحاد منفعلين ومتفاعلين ومتأثرين لفقد الأحبة من السوريين، ولم ننتظر أحداً ليعطينا توجيهات، ولم يعترض أحد على القرارات التي تم اتخاذها بالمجمل بل على العكس أخذنا دورنا كاملاً في كلّ ما قدمناه للناس المتضررين، وعملنا على تخفيف مأساة ومعاناة الناس وتقديم كل ما يمكن في سبيل الإغاثة.لقد استطاع اتحاد الكتاب فيما سبق أن يصل إلى قرى بعيدة وأقام فيها المكتبات، وفي لحظة وقوع الزلزال احتضن فرع اتحاد الكتاب في السويداء جميع الطلاب الجامعيين الذين لم يستطيعوا الوصول إلى منازلهم في حلب واللاذقية، كما احتضن بعض أعضاء المكتب بعض الطلاب في بيوتهم، كلّ ذلك يعزّز قيمة ونظرة الناس للاتحاد وللمثقفين بشكل عام.
د. أبو سمرة: علينا إعادة النظر في نوع الأدب الذي نكتب
*د. جمال أبو سمرة ابتدأ حديثه قائلاً: رئيس الاتحاد حتى وهو في القاهرة اطمأن علينا وكان موجهاً لنا، لكيفية التعامل في الميدان، وهذا يؤكد أهمية المثقف القائد، ويمكن أن يكون قائداً حتى في حارة صغيرة.
دور المثقف أن يسهم حتى بالقرار الإعلامي والسياسي، ويفترض أن يكون الحصان الذي يقود العربة، الذي هو المجتمع، لمسنا هذا السلوك من خلال سلوكيات زملائنا، كان منهم من يرفع الأنقاض ومن يجمع الإعانات.
إضافة إلى المشاركة في البيانات والعمل على تشكيل رأي عام لرفع العقوبات عن بلدنا، وكان لابد أن ينظر المثقف بأم عينه ماذا أنا أنتجت، إنها فرصة لتقييم إنتاجي كمثقف، كيف استطعت التأثير في الناس داخلياً، وهل تمكنت من إيصال صوتي خارجياً..؟.هناك قراءة عميقة لبلورة أين ستتوجه هذه الأنشطة، وكيف سيكون لها أثر مستقبلي..؟ كيف أستطيع أن أحمي نفسي والشريحة التي أتوجه إليها من مثل هذه الكوارث؟.
على سبيل المثال في بانوراما أدبية لم ننتج أي منتج يحاكي كارثة طبيعية، كالزلزال أو الطوفان، لو كان لدينا هذا الأدب، وشريحة قرأته ربما كان ملهماً لمن قرأه ليحافظ على حياته.
يجب إعادة النظر في نوعية الأدب الذي نقدمه، وفي الشريحة التي نتوجه إليها، وحتى الأديب يفترض أن يكون مستشرقاً، لا يحكي عن الماضي أو الحاضر، بل عنصر استشراق.. لذلك علينا إعادة صياغة لكثير من المعطيات بناء على ما حدث.
د. دياب: لا تزال قيم الحب والإنسانية تورق
*الدكتورة الكاتبة ريما دياب قالت: إن سورية شهدت مؤخراً معركة أساسية، معركة حاولت ضرب إنسانية الإنسان، ولكن هذه الكارثة أثبتت أن الشعب السوري لا يزال يحتفظ بالمبادئ والقيم، والحب والإنسانية، التي جمعتنا اليوم بآلام واحدة، مجرد المشاهدة عن بعد جميعاً نتألم..
المثقفون الحقيقيون من يستشعر بوجودهم في الأزمات
*في الواقع المأساوي ورائحة الموت ومشاهد الرعب والخوف الذي تملك قلوب الأطفال والنساء والرجال، نتساءل: أين هم المثقفون وأصحاب الكفاءات العلمية؟
إن لحضورهم معنى ولغيابهم معان عدة، ولا شك أن المثقفين هم طليعة وصفوة المجتمع، وهم صوت الأمة ولسانها، وهم أصحاب رسالة مقدسة ومهمة حضارية ويؤدون دوراً ريادياً في صيرورة التغيرات والتحويلات البنيوية المجتمعية، إذ يشكل المثقفون المرجعية الحقيقية في الإشعاع والتنوير والوقوف إلى جانب الشعب في السراء والضراء، فقد يقع على عاتقهم مسؤولية تفوق بأضعاف مسؤولية العامة من الناس، والمثقفون الحقيقيون من يستشعر بوجودهم في الأزمات.
ونحن نعيش هذه الظروف نحن بأمس الحاجة إلى وجود شبكة من المبدعين والكتاب العرب، بحاجة إلى تنوع العقول، والتعاون مع المثقفين لإنتاج شيء مهم على أرض الواقع، وهذا ما يسعى إليه الاتحاد وأن يكونوا على تواصل دائم مؤسسياً ورقمياً.. بالمجمل دور المثقف يكمن في رعاية المنتج الأدبي والنقدي والثقافي لخلق إبداعات مستقبلية، وتحويل المؤتمرات الثقافية والعلمية إلى محاضن للإبداع.
أوكسجين الروح
حين تهتز خشبة الحياة، ورغم كل الأنقاض، والظلمة والوحدة التي شعرت بها سورية في أولى لحظات الزلزال، إلا أننا نحتاج إلى أوكسجين فكري، إلى فزعة ثقافية، وإلى فكرة تجعلنا في تلك اللحظات الآيلين فيها إلى السقوط نقف على قدمينا، لكل أهميته…وشحذ الهمم لا يقل عن رفع الأنقاض.
لكن ما دور المثقف في كارثة الزلزال، وهل يفعل ما هو قادر على فعله أم أننا ما زلنا في بداية الطريق؟
المثقّف الحقيقي برأي الدكتور الحوراني ليس من يطمح إلى أن يكون سياسياً وإنما هو الذي يسعى ليكون متماهياً مع الشعب، وعندما يكون هناك تماهٍ مطلق بين المثقف والشعب يمكن أن تحقق الثقافة شيئاً.
فيما يخص دور المثقف نعمل أيضاً على أن يُخصّص الأسبوع الأدبي عدده الجديد لرصد ما عشناه خلال هذه الكارثة، فدور المثقفين التوثيق والتأريخ وحشد الطاقات لتقديم المساعدة لكلّ أبناء الشعب السوري.
البعض لا يرى دوراً للمثقف في المعطى الواقعي أو العملي كما في أمثال الزلزال الذي نعيشه اليوم، كما يؤكد رياض طبرة، متابعاً: كثر لا يريدون له دوراً، ويعتبرونه زينة أو كمالياً.
ولكني أؤمن أن دورنا في هذه الكارثة الإنسانية هو دور سابق وحالي ولاحق، ومفهوم الدور للمثقف يعززه ما جرى من تعاطف وارتقاء في أدائنا كسوريين نتيجة للمفهوم العميق الذي ينشره المثقفون لمعاني الإنسانية والعدالة والمحبة والمساواة، حيث لم يسأل أحد عن رغيف الخبز أين سيذهب عندما تبرعوا به..؟
*د. أبو سمرة يؤكد أن المثقف ملَّ من تهميش المجتمع وإهماله، لكن الآن فرصة له أن يندمج مع الناس، ومعايشة كارثة الزلزال عن قرب من خلال التواجد في مختلف الأماكن المتضررة والذهاب إلى المساعدات، وأن يكون قائداً في كل ملمح من الكارثة.. الحضور في مختلف الأماكن المتضررة والذهاب إلى أمكنة المساعدات وحتى مراكز الإيواء.. وأن يساعد بكل قوته حتى بإزالة آثار الدمار العملي والفكري والروحي، لأن المثقف الحقيقي هو الملتزم بقضايا وطنه وأوجاع شعبه.
علاج الروح وتوجيه عواطف الناس بعقلانية أبرز ما تؤكد عليه د. دياب كي نواجه سيل العواطف بروح عملية حركية من خلال الوعي، بالمجتمع فلا يتاجر بأفكاره، والمجتمع الذي لا يمتلك الثقافة والمثقفين هو مجتمع ناقص، إذ أن الثقافة تأخذ بالمجتمع إلى الانسجام والتكيف مع التطورات الاجتماعية والحضارية السريعة، فتأتي أهمية دور المثقف في الإرشاد والتوعية لكافة التحولات التي يمر بها المجتمع للتفرقة بين المعلومات الصحيحة والخاطئة والتفاعل مع قضايا المجتمع وابتكار حلول للتعامل معها.
إضافة إلى الالتزام بقضايا الناس والتعرف على احتياجاتها والطاقة المدخرة فيها، ويعمل بالفكر ويجعل من احتياجات الجماهير منطلقاً لفكره.
أيضاً لا يمكننا أن نغفل دور المثقف في نقل إيجابيات الحضارات والاستفادة منها، فهو يلامس المشكلات ويقترح الحلول، وبما أن الأدب هو الوسيلة الحرة للتعبير عن الألم والجرح، فلا يوجد فجوة بين المثقف والجمهور، فعليه إعادة إعمار الحياة الثقافية بمنتجات فكرية تواكب الحالة الراهنة وعليه إعادة ترميم البنى الاجتماعية وإيجاد وسائل تحقيق التنمية الشاملة، كما ينبغي تغيير خطاب المثقف في المجتمع الرقمي والمجتمع الشبكي فيعاين حاجات الواقع فيتعلق المثقف بالوطن والقومية، ودراسة الواقع وفهم معاناة الجماهير ونقد المجتمع السيئ والاستبداد والظهور بشجاعة وحرية التفكير والإبداع والتمسك بالمعايير والقيم.
الصوت الأنثوي حاضر بقوة
*وبينت د. ريما أن الأزمة الآن هي كارثة كبيرة وقعت على قلوب الجميع، وتصدعت قلوبنا جميعاً من جراء ما خلفه الزلزال من كوارث حقيقية، ولا شك أن هذه الكارثة ستكشف معدن الإنسان سواء المثقف أو غير المثقف، وهنا يجب أن نتنبه إلى ضرورة التركيز على كتابة الأدب الإنساني.ولفتت إلى أن صوت الأنثى سيكون حاضراً وقالت: سنكتب عن هذا الواقع بقلم صادق وعواطف وعقل، لأن مشاعر الأنثى عندما تتفق مع العقل، لابد أن يكون الصوت عالياً، والمشاهد التي رأيناها وصور الأطفال أثرت كثيراً في قلب المرأة أكثر بكثير من قلب الرجل، لأن الأم تدرك جيداً معنى هذه الدمعة وهذا الألم.
وأضافت: قرأت الكثير من الروايات التي وثقت الواقع السوري، فكان صوت الأنثى عالياً، حتى أن الأحداث التي مرت بها سورية وثقتها الأنثى بشكل جيد، وسنشهد المزيد من الأصوات الأنثوية المتميزة في القادم من الأيام إن شاء الله.
كيف سنعمل مستقبلاً؟
*إن لم نبن فكرياً وثقافياً انطلاقاً من كل هذه المعطيات المرتكزة على نكبات وكوراث لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، لا لقسوتها بل وبسبب استمراريتها، فإننا لم نفهم العبر.. صحيح أن اليوم يعلو صوت الإنقاذ وإزالة الأنقاض وتأمين احتياجات المنكوبين..، وهي أولويات لكل المؤسسات، لكن في مرحلة تالية حين نزيل ركام الأنقاض، ونتجه صوب البناء، ما هي خطتنا المستقبلية، كيف ستلهمنا كارثة الزلزال كي نشتغل بقوة لم نفعلها يوماً…؟
تمنى د. جمال أبو سمرة أن تكون الندوة خطوة أولى لمبادرات ثقافية، وأن تكون هذه الكارثة ملهمة لصناعة أدب مختلف، وأن يترجم هذا الأدب إلى الآخر المضاد لنا، لأن توجيه الأدب يعكس حجم الظلم والكارثة والحصار الاقتصادي على المجتمع السوري بأطيافه كافة.
وطلب أن يكون هناك مبادرات من وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب لصناعة ذلك الكتاب وذاك الكاتب الذي نتوجه من خلاله إلى الآخر الخارجي بشكل موضوعي وبأدب يكون على قدر الحدث والواقع الذي يعيشه المجتمع، وخصوصاً أن السنوات الأخيرة كانت قاسية جداً سواء لجهة الحرب أو وباء الكورونا أو الحصار الاقتصادي، والآن كارثة الزلزال المدمر.
*على مثقفي العالم إيقاظ شعوبهم وحكوماتهم
يقول د. محمد الحوراني لعل هنا أول ما تبادر إلى ذهني ألا نكتفي بتجميد الحصار، بل نسعى لرفعه عن سورية”.. لأننا لولا الحصار الخانق لربما كنّا استطعنا إنقاذ الجميع لكن للأسف لدينا أكثر من خمسين إلى ستين ألف آلية ومعدات معطلة بسبب الحصار.
ومستقبلاً لن نكتفي برفع الحصار بطريقة التجميد لستة أشهر وإنما ستكون مطالباتنا لرفع الحصار بشكل كامل، وهذا ما وضعناه ضمن خطاب آخر (إلى شرفاء العالم ”ساهموا في رفع الحصار عن سورية” وقمنا بترجمته إلى لغات ثلاث (الانكليزية – الفرنسية – الروسية) وسيتم تعميمه والعمل على نشره من خلال السفارات والاتحادات والمؤسسات الثقافية في معظم الدول وسيتعاون الاتحاد مع النقابات والمؤسسات الأخرى في هذا الإطار، قام العديد من المثقفين العرب بدعوة أقرانهم للوقوف إلى جانب سورية وفك الحصار عنها.
والمهم هنا.. لن نكون وحدنا في اتحاد الكتاب، بل أيضاً سنتعاون مع الاتحادات الأخرى علنا نتمكن من الإسهام بفعالية كبيرة في الوقت العصيب.
وهنا أود أن أثمن دور الاتحاد العام لطلبة سورية، فمنذ لحظة وقوع الزلزال تواجدوا بالصفوف الأولى للإغاثة.
المحن تفرز إبداعاً جديداً من وحي الألم
ويتابع د. الحوراني بالعمل الجماعي تنجح كل غاياتنا فهذا التعشيق بين المنظمات والمؤسسات والاتحادات والنقابات يعزّز ثقافة وروح العمل الإنساني الجماعي والعمل والقيام بالواجب ليس سعياً لتغيير نظرة الناس بالمثقف.
ما رأيناه خلال هذه الكارثة من تآلف ومحبة وتعاون واستنفار للإنسانية يقول طبرة يدل على حقيقة إنساننا وهنا يكمن دور المثقف في العمل على تعزيز الثقة لدحر انزياح القيم وتكريس كل ما عشناه مؤخراً من قيم نبيلة ما زلنا نحتفظ بها رغم كل النكبات والأزمات التي مرت علينا، وهذا أمر يمكن البناء عليه مستقبلاً.
لابد من قراءة عميقة لإعادة بلورة الفكر الذي سيقود الأنشطة والإبداعات الثقافية يقول د. أبو سمرة ومن الهام رصد أثرها المستقبلي وحماية أنفسنا والشرائح المجتمعية في مثل هذه الكوارث.فلو كان لدينا أدب يعنى بهذا الشأن ربما ألهم من احتمى به خاصة من الذين سقطوا تحت الأنقاض جراء الزلزال لإغاثة أنفسهم، يجب أن نعزّز هذا الأدب وأن يكون لدينا عنصر استشراف لهذه المسائل، ويجب بلورة أو إعادة صياغة للكثير من الأمور بناء على ما حدث.
ترى د. ريما دياب أن للمثقف دوراً مستقبلياً مهماً جداً ينطلق من نقد الواقع ودراسته وفهم معاناة الناس، إضافة إلى مساهمته في الإصلاح والتغيير وبذلك يجعل شعار التفاهم والإخاء بين الجميع هو السبيل الوحيد لإنقاذ المجتمع من العدمية والفشل، فالوطن قضية ساخنة تمسنا جميعاً وصمت النخبة المثقفة في حال تعرض الوطن للأزمات بدعوة عدم الرغبة في الولوج في السياسة ليس من الوطنية في شيء.
طرق النجاة!
أخيراً.. جميعنا مثقفون وغيرهم.. نبحث عن سبل النجاة، اليوم لم يعد يحتمي وحده بعيداً عن الكارثة، طالتنا جميعاً بشكل من الأشكال.. يقول د. الحوراني: البحث عن طرق وسبل تساعد الناس في الأوقات العصيبة في محاولة لمعالجة مشكلاتهم بكلّ ما هو متاح هم وهاجس حقيقي ننطلق فيه من لدغة ألم لا ينسى، هو وجع شخصي قبل أن ينسحب ليكون هاجس اتحاد الكتاب والمثقف السوري، بل وسنعمل جاهدين كي ننقله ليشغل المثقف العربي، أينما تمكنا من الوصول إليه دون أن ننسى علاقاتنا بكافة تشعباتها، فبلدنا تحتاج لحشد الطاقات والمواقف والآراء لتكوين رأي جمعي يمكن له أن يضغط ويؤثر لتفكيك هذا الحصار الأسود.
تصوير- فرحان فاضل

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات