ينسجون مشاعرهم على مواقيت الورد (نقلاً عن الثورة)

الثورة – فاتن دعبول:
أدباء خبروا الحياة بألوانها كافة، وما بين لحظات الفرح النادرة وقتامة الحزن كانت قلوبهم تنسج من حبات قلوبهم قصائد وخواطر استطاعت أن تبوح بمكنونات القلب والروح، فأبدعوا وأجادوا في أمسيتهم التي استضافها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب بإدارة رئيس الفرع الدكتور إبراهيم زعرور الذي أكد على دور المبدع في توثيق لحظات هاربة من الزمن لتكون شاهدة على واقع نعيشه جميعا، ولكن الأدباء يترجمونه شعراً ونثراً مع ما تجود به أرواحهم من مشاعر صادقة تنبت في الحياة أملاً جديداً.
– رؤية فلسفية..
وتحت عنوان “في رحلة الكشف الطويلة وجحيم العذاب والبحث عن رؤية” قدم الأديب منذر يحيى عيسى قصيدة امتازت برؤية فلسفية للحياة، سكب فيها من روحه وتجربته وأحداثاً صنعت فرقاً في مسيرته الحياتية والأدبية، يقول:
أهم بها عند الاقتراب من ملكوتها، لكنها مع عبور الغيم تنأى، ويستعر فيّ شغف الغروب
يذيبني الحزن على بساط مخاتل من ضباب، لأصير موجاً من فضاء بعيد، أعتصر لهفتي، لهوا فيما يغشيني من الرغبة، في سجوف الليل وعثرات الطريق، فما أخفيه لا يتسع لعناقه النهار.
– حنين وذكريات..
ويهدي الأديب حسن ابراهيم الناصر خاطرته لوالده الشهيد، وهو الذي كابد معنى الشهادة عندما أغار الإرهابيون على قريته معان وقتلوا غالبية أهلها، يقول في خاطرته التي عنونها ب “هواي شرقي”:
“ينزف الكلام كملح على جرح، ولم يبق لنا إلا الذكريات وبعض أنين أغانٍ يعزفها القلب، تجتاز حواجز الأسلاك الشائكة إليك، وها أنا وغربتي والبحر نديمان نشرب من خوابي الحزن يوجعنا غياب الأحبة، وكلما جاء الشتاء أجدني في محراب الحنين أفتش عن وجهك النقي كماء الينابيع العذبة في كل الجهات التي تشرق عليها الشمس”.
ويغزو الحنين قلب الشاعر محيي الدين محمد ليترجمه بكلمات تعانق الروح والوجدان فيقول في قصيدته” أفياء مبطنة”:
شدِّي خيوط الوداد البكر من عتبي، طيف التداني أمير الشوق في السكب
غنى البيان وسارت خلفه لغتي، لا يسكن الموج إلا رعشة القرب
ماذا تقول لهم تلك الشفاه غداً؟ إن عاد ظلي وهامت في السرى دربي
هذي الحياة تناجي صمت من ألفوا، يمضي إلى بيتها هيمان في الرغب.
– أسئلة مشروعة..
وأسئلة كثير يطرحها الأديب في مشاركته التي عنونها ب” سفر الأسئلة” يقول:
الحيرة تمطر أسئلة، تتحرى وجه حقيقتنا، في وطن أعيته إجابات
يا ذاك القابع في صدري، أوقدت شموع الحب لأرض لم تبخل يوماً..
لم يرهقها حنين التوق لفجر، يرسم آفاق اللقيا، ما بين نشيج أو مغنى..
وصفات تأسرنا خباياها المسكونة بالإبهام، تحيا فينا حينا وتموت صفات.
– الحداثة والأصالة..
وتخلل الأمسية توقيع المجموعة الشعرية” مواقيت الورد العالية” للشاعر يحيى محي الدين، كما قدم الأديب فرحان الخطيب دراسة نقدية بيَّن فيها أن الشاعر استطاع أن يجعل عنوان مجموعته منسجماً مع مواضيعه التي جاء بها، واختار عنواناً لمجموعته” مواقيت الورد العالية” ليؤكد دقة المواعيد في لقاء الحبيبة تارة، ولقاء الحبيبة الثانية دمشق التي كانت لها الصدارة في مجموعته الجديدة.

ويرى الخطيب أن موضوعات المجموعة انقسمت إلى قسمين، الأول كان في غزل الشاعر بمدينة دمشق فكانت هي الحبيبة والأم والوطن، والقسم الثاني غزله بالأنثى التي يذهب إليها محيي الدين شفيفاً لطيفاً بقصيدة التفعيلة أو بالقصائد العمودية القليلة.
أما أسلوبه فكان رشيقاً وخفيفاً ولغته جميلة وسلسة، ولم يحد فيها عن موسيقا الخليل، ولكنه أخذ البحور الخفيفة ولم يركب البحر الصعب، ومجموعته هذه كما يحيى محي الدين مجموعة شائقة وجميلة.
ولفت بدوره إلى الحداثة التي جاءت منسجمة مع الأصالة، فقد ركب موجة الحداثة دون أن يتخلى عن اصالته، وهذا أمر لا يتأتى إلا لشعراء جديرين بأن يكتبوا القصيدة الحديثة دون أن يتركوا إرثهم الذي تربوا عليه.
– نزوع رومانسي..
ويتوقف الناقد أحمد علي هلال عند أهم ما جاء في المجموعة الشعرية” مواقيت الورد العالية”، وبيَّن أن الشاعر يحيى محي الدين يبث مدونته عن الحب بنزوع رومانسي خاص، وعبر عنوان دال بما يكفي من حيث رمزيته وكثافته، إذ الورد بذاته ليس إلا نسقاً وجدانياً وفكرياَ واجتماعياً، فضلاً عن صلته بالمواقيت.
فمن حداثة التجريب إلى حداثة المعنى، يبني الشاعر خياله بفطنة وهدوء والتحام مع غواية الشعر أولاً قبل أن تتعالق بها ثيمة أخرى وهي الغناء الذي يعني اللغة، ومن يتابع قصائد المجموعة البالغة 33، يجد أن الشاعر يقودنا في نزهة إلى غابة من الورود وكل وردة لها دلالاتها ومعانيها وتثير تأويلاً هنا وذكرى هناك، وتبوح مدونة الحب هذه برؤية الشاعر ومكابداته ليكون الشعر صوت جوهر القول ومكنونه، بمثابة توقيع على جدارية اللغة بأفعال العشق وأفعال الحياة أيضاً.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات