السرد تنظيراً وتطبيقاً.. عنوان شامل ومضمون مجتزأ (نقلاً عن البعث)

آصف إبراهيم

ميّز العديد من النقاد مراحل تطور الشكل الروائي العربي في ثلاث مراحل تاريخية، هي: المرحلة الرومانسية التي امتدت إلى الثلاثينيات من القرن الماضي، وتضمنت روايات تاريخية ثم سيرة ذاتية، وقد توافقت بدايتها مع النهضة العربية، ومن روادها طه حسين وجرجي زيدان وحسنين هيكل، والمرحلة الواقعية الاجتماعية منذ منتصف الثلاثينيات إلى منتصف الستينيات ويمثل نجيب محفوظ وحنا مينا أنموذجها.

مرحلة الرواية الجديدة بدأت من منتصف الستينيات، انطلاقاً من إعادة التقييم لدور الأدب وعلاقته بالأيديولوجيا والسياسة المباشرة، لجهة التعامل مع النصوص بذاتها وقيمتها وميزتها عن باقي الخطابات الأدبية والسياسية.

ولأن الرواية تعتبر أحد أهم السرديات الأدبية فقد حظيت بالنصيب الأكبر من البحث والتحليل والدراسة والنقد في مختلف مراحلها دون السرديات الأخرى التي ظلت ملحقة بها.

في ندوة “السرد تنظيراً وتطبيقاً” التي أقامها فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب أمس الثلاثاء، وشارك فيها كلّ من الناقد الدكتور عادل فريجات، أستاذ الأدب القديم في جامعة دمشق سابقاً، والدكتورة غيثاء قادرة أستاذة الأدب القديم في جامعة تشرين، والتي ركزت على الرواية تحديداً رغم شمول السرد لأنواع أخرى مثل التاريخي والقصص والأساطير، وقدمت بحثاً عرّفت فيه السرد لغوياً واصطلاحاً، وتناولت مكانته في الثقافات المختلفة، فقد حدّدت تعريفات عديدة للمصطلح حسب المدارس المختلفة، فهو الأساس الذي يعتمد عليه كامل الحوار والوقت في القصة أو الحدث التاريخي، وهو فن التعبير عن الوقائع لبيان الصورة المتخيلة ونقلها إلى صورة لغوية عن طريق ربط الجزئيات مع الأحداث، أي آلية إنتاج نص ومحتوى من قبل الراوي إلى القارئ وهذا يتمّ وفق آليات محدّدة.

والبنية السردية للمكون السردي تتشكل من ثلاثة مكونات: هي الراوي والمروي والمروي له، وحدّدت قادرة مظاهر لدراسة الأحداث السردية منها الرؤية من الخلف ويكون السارد عارفاً بكل الأحداث، والرؤية المصاحبة عندما تكون معرفة السارد مساوية لمعرفة الشخصيات والسرد المتداخل، وهناك أشكال للسرد منها السرد المتسلسل، ويقوم على نظام خطي في تطور الزمن والأحداث مرتبة ترتيباً زمنياً دون تداخل ويستعمل غالباً في نصوص اليوميات، والسرد المتقطع ويقوم على عدم الالتزام بتتبع المنطق الزمني لوقوع الأحداث، والسرد المتناوب ويعتمد على عرض القصص بشكل متناوب ونجده غالباً في سيناريوهات الدراما التلفزيونية والسينمائية.

وحول خصائص السرد، أشارت إلى استخدام السرد للأحداث في مختلف الأزمنة والمراحل، ويستخدم المراحل في ظروف الأحداث بشكل كلي أو جزئي، فهو بنية حكائية تليها العقدة ثم الحبكة ثم الحلول التي تأتي بها العقدة ثم النهاية.

وقدم د. فريجات مداخلة تطبيقية تناول فيها سبعة آثار روائية من دول عربية متعدّدة وهي: “همس النجوم” و”الحب تحت المطر” لنجيب محفوظ، و”هوامش” لميخائيل نعيمة، و”حكاية بحار” لحنا مينه، ورواية “جوّنتنامو” ليوسف زيدان، ورواية “مي زيادة” للجزائري واسيني الأعرج، و”بنت الخياطة” للبنانية جمانة حداد.

بدأ مع “همس النجوم” الصادرة عن دار الساقي في بيروت بتقديم للصحفي المصري محمد سعيد الذي اكتشف وجود مخطوط الرواية في خزائن محفوظ بعد مضي سنوات على رحيله، والكتاب يتضمن ثماني عشرة قصة قصيرة كتبت بخط يد محفوظ، وهنا يتساءل فريجات إن كان يحق للناقد أن يبدي رأياً في مخطوط نشر لكاتب بعد رحيله دون تنقيحه النهائي، ويرى أن ذلك ممكن مع بعض الاحترافية.

وفي رواية ميخائيل نعيمة، توقف عند قصة “جغل” التي يشير فيها إلى قوة الإرادة في عبارات غنية بالعبر والموسيقا رائعة الأنغام. وفي رواية “حكاية بحار” التي نال عنها مينة نقداً سلبياً من قبل الناقد مراد كاسوحة، يؤيد فريجات ما ناله مينة من تشكيك بتسميته أديب البحر نظراً لبعض الهفوات التي تعثر بها في روايته، ويشير أيضاً إلى تحفيز التشويق من قبل الروائي في أكثر من عمل، لكنه يشير إلى الخطاب الوطني للرواية الذي يتناول النضال ضد الاحتلال العثماني والتركي.

وفي رواية واسيني الأعرج يشير إلى الجهد الكبير الذي بذل لإخراج الرواية التي هي ثلاثمائة ليلة وليلة قضتها زيادة في مستشفى المجانين بتهمة لفقها ابن عمها الدكتور جوزيف الذي أحبته حباً جماً لكنه طمع بامتلاكها باعتبارها الوريث الوحيد لأبويها فتآمر عليها واتهمها بالجنون وتسبّب لها بعذابات مريرة، ولولا تدخل بعض العائلات والشخصيات المعروفة لماتت في المستشفى، والرواية تعتمد على مخطوط “أيام العصفورية” الذي كتبته مي، وتتضمن كلّ الحالات الشعورية المفعمة بالألم والخيانة والظلم محققاً بذلك شرط الرواية الأهم وهو الإمتاع.

الأثر الخامس هو رواية “جونتنامو” ليوسف زيدان صاحب التصريحات والآراء الإشكالية، وفيها يتناول رحلة العذاب والقهر داخل معتقل جونتنامو الأمريكي، حور عنوانها ليشير إلى السجن الأبدي ويكشف فيها الجانب الأسود من الحروب الأمريكية.

الأثر الأخير رواية “بنت الخياطة” التي توثق فيها الكاتبة اللبنانية جمانة حداد نصف قرن من المآسي العربية، في هذه الرواية، التي بُني نَصها الخيالي بإحكام، تنقل الأقدار بطلاتها الأربع قسراً في خطٍّ جغرافي، تحيك حوله الكاتبة أحداث روايتها لتتماهى ببراعة مع أحداث تاريخية معروفة في المنطقة، بدءاً من المجازر التي ارتكبها الأتراك في حق الأرمن وتهجيرهم من عنتاب، مروراً بحلب حيث استقر الناجون، ثم مجزرة دير ياسين (1948) وهجرة الفلسطينيين إلى لبنان، حيث امتداد أحداث الحرب الأهلية (1975 – 1990)، وبعدها الحرب على سورية (2011)، والغزو الداعشي الذي اختتمت به أحداث روايتها.

وهكذا مرّ الدكتور فريجات على عدد من الروايات التي قرأها ليقدم محتواها برؤية انطباعية تعيد سرد فحوى مضمونها دون الخوض في تحليل تطبيقي احترافي لبنية السرد فيها.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات