“الجبل في الشعر العربي”… في فرع حلب

 

في الساعة الثانية عشرة من ظهيرة يوم الأربعاء 28/2/ 2024 وفي مقر فرع حلب لاتحاد الكتاب العرب ألقى الدكتور أحمد زياد محبك محاضرة بعنوان:” الجبل في الشعر العربي”، تحدث فيها عن عمق العلاقة بين الإنسان والطبيعة، ولا سيما الجبل، لما للجبل من حضور في الحس والوجدان، وقد انعكس هذا الحضور في الشعر العربي، وعرض الدكتور محبك لأربعة موضوعات بارزة تتعلق بالجبل، وهي القوة وحماية الجار والشرف والعزة، فكان الشاعر الجاهلي يفخر بقومه، ويشبه رجاحة العقل الحلم والرزانة بالجبل، ويعتز بأن قومه ينزلون في جبل منيع ويحمون جيرانهم، ومنه قول أبي فراس الحمداني:

ألَمْ تَرَنَا أعَزَّ النّاسِ جَاراً
لَنَا الجَبَلُ المُطِلُّ على نِزَارٍ

 

وَأمرَعَهُمْ وأمنَعَهُمْ جَنَابا
حَلَلْنَا النّجْدَ مِنهُ وَالـهِضَابَا

والموضوع الثاني هو الحب، فكان الشاعر يذكر الجبل الذي كانت تنزل بجواره الحبيبة، ويناجي الجبل، ويعبر عن شوقه إلى الحبيبة، وهذا كثير في شعر مجنون ليلى، وقد ناجى جبل التوباد، وحاكاه في ذلك أحمد شوقي في قصيدة جميلة في مسرحية مجنون ليلى لحنها وغناها محمد عبد الوهاب، وفيما يلي نص القصيدة:

جبل التوباد حيّاك الحيا
فيك ناغينا الهوى في مهده
وحدونا الشمس في مغربها
وعلى سفحك عشنا زمنا
هذه الربوة كانت ملعبا
كم بنينا من حصاها أربعا
وخططنا في نقا الرمل فلم
كلما جئتك راجعت الصبا
قد يهون العمر إلا ساعة

 

وسقى الله صباك ورعى
ورضعناه فكنت المرضعا
وبكرنا فسبقنا المطلعا
ورعينا غنم الأهل معا
لشبابينا وكانت مرتعا
وانثنينا فمحونا الأربعا
تحفظ الريح ولا الرمل وعى
فأبت أيامه أن ترجعا
وتهون الأرض إلا موضعا

والموضوع الثالث هو ارتباط الجبل بمفهوم الثورة ومقاومة المستعمر، إذ كان الثوار دائما يلجؤون إلى الجبال ويتحصنون فيها، لمقاومة جيش المستعمر المحتل، ومن ذلك قصيدة لأحمد عبد المعطي حجازي، عنوانها “أوراس”، وفيها يمجد جبل أوراس في الجزائر، حيث لجأ إليه الثوار لمقاومة المحتل الفرنسي، ومنها الأسطر التالية: مدن المغرب/ترتج على قمم الأوراس/ زلزال في مدن المغرب/ لم يهدأ منذ سنين مئه/ لم يترك في جفن أملا لنعاس/ يأتي المولود على صوت الزلزال/ ويموت رجال/ فيودعهم صوت الزلزال/ جيل عن جيل أجيال/ عاشت ماتت في الزلزال/ فالصخر هناك له روح تسري/ تحت الفجر/ تسري في قلب الأحياء/ وترن بجوف الأشياء/ وتنادي يا نسري/ يا نسري الغائب عد للغابة يا نسري/ حطم سجنك/ غالب زمنك/ وارجع فالعش في صدري/ خاو يشتاقك يا نسري/ ارجع يا شمس الحريه.

والموضوع الرابع المتعلق بالجبل هو التأمل والتفكير في الحياة والنزوع الصوفي، ويتمثل في قصيدة الجبل لابن خفاجة الشاعر الأندلسي، الذي ناجى الجبل، وجعل الجبل ينطق بالحكمة، فيتحدث عن الأيام والليالي التي مرت به، وكم شهد هذا الجبل من أقوام مروا به وارتحلوا، ويعبر الشاعر في هذا القصيدة عن قلق الوجود والتساؤل عن الغاية من الحياة، ومنها قوله على لسان الجبل:

وقال: ” ألا كم كنت ملجأ فاتك
وكم مرّ بي من مدلج ومؤوب
فما كان إلا أن طوتهم يد الردى
فحتى متى أبقى ويظعن صاحب

 

وموطن أوّاه تبتّل تائب
وقال بظلي من مطيٍّ وراكب
وطارت بهم ريح النوى والنوائب
أودّع منه راحلاً غير آيب ؟ “

 وفي الموضوع الرابع عرض الدكتور محبك أيضاً للنزوع الصوفي الجمالي ويمثله الشاعر عمر أبو ريشة في وصف جبل إفرست حيث يشبهه في علوه بيد فتاة تمتد إلى نجم ناداها حباً وشوقاً، وهي تحاول أن تخاصر هذا النجم، ولكن يدها تظل ممتدة ولا يلتقي العاشقان، تعبيراً عن نزوع صوفي جمالي، وفيما يلي نص القصيدة:  

إليك غير الظن لايرتقي
لأنت مجلى الأرض في شوقها
غازلها نجم غويّ السنا
فانتفضت تهتف ياخصره
فكنت منها اليد ممتدة

 

يا عاصب الغيم على المفرق
إلى البعيد المترف الشيِّق
وهزّها من خدرها الضيق
قرب ويا وجدي به طوق
ولم تزل ممتدة ياشقي

وعقب المحاضرة دار حوار شارك فيه عدد من الحاضرين منهم الدكتور محمد إبراهيم العبد الله وأحمد الحافظ وكامل مسقاني ورولا عبد الحميد.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات