قراءات نقدية في المجموعة القصصية “رؤى” (نقلاً عن الثورة)

الثورة – فاتن دعبول:

لم تكن مجموعته القصصية” رؤى” والتي تتألف من 120 قصة قصيرة جداً، لتمر دون الوقوف عندها دراسة وبحثاً لأنها تشكل لحظات عاشها القاص والناقد أحمد علي محمد، هي لحظات من الفرح أحياناً، وحالات من الانكسار والخيبة والاكتئاب في حالات أخرى، أو يمكن التعبير عنها بأنها حالات إنسانية عبر فيها الكاتب عن نفسه في لحظات الانتصار والانكسار.

حكايات

وفي فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب أقيمت ندوة نقدية بإدارة القاص أيمن الحسن، قدم د. غسان غنيم أستاذ الأدب الحديث والمعاصر “جامعة دمشق” قراءة نقدية حول المجموعة القصصية” رؤى” للأديب أحمد علي محمد وبين في البداية أسس القصة القصيرة جداً، وهي وجود حدث، واللغة المرهفة التي تصاغ بشكل وامض، وتستغني عن الكثير من الشرح والتفصيل والوصف والتحليل، وتمر مروراً خاطفاً حتى تبدو مجرد أطياف تكاد لا ترى، والأهم التركيز على الكثافة.
وأوضح غنيم أن الكاتب أحمد علي محمد لم يدخل مدار هذا الفن الصعب إلا بقدر قليل في مجموعته “رؤى” فما كتبه هو نصوص، استعرض فيها بعض حكايا مرت في حياته المهنية والاجتماعية، فاتخذها مطية لتقديم نصوص ادعى أنها” قصص”، قدم من خلالها نفسه في جوانب متعددة، وقد مرت به طرائف ونوادر أحب أن ينقلها إلى متلقيه ومحبيه.

أما موضوعاته فهي الحياة بكل معطياتها، وقد خص ما يتعلق بعمله بنصيب وافر، وخص حياته العامة بنصيب آخر، وبقضايا شغلت باله، أو مرت معه في تجاربه وحياته التي تعترك بمشكلات متعددة، وفي نصوصه تنوع من حيث الموضوعات، واختلاف بيّن من حيث المستوى والفن.
وأضاف: هناك نصوص في مجموعة “رؤى” لم تدخل مساحة فن القصة لعدم توفر الأركان والخصائص، وهي كثيرة، وقد تراوحت بين الخبر والاقتباس من حكايات شعبية أو مرددات شائعة، وبعض النصوص أيضاً خرجت باتجاه الخاطرة، وامتلكت لغة شعرية جيدة “نص أبو الندى”.
وينتهي غنيم في قراءته إلى القول: “بأن المجموعة القصصية “رؤى” هي تجربة خاضها الكاتب بجرأة للولوج إلى تجارب أكثر قرباً من مساحة الفن، وهو الأكثر معرفة بأصول الفنون وأسسها التي لم تغب عنه، إلا أن الإبداع حال مختلفة عن حال الدراسة.
مرايا الواقع
وفي رؤيته النقدية يقول الناقد أحمد علي هلال إن المجموعة القصصية “رؤى” هي انفتاح لحقل من الدلالات المتعالقة بمرجعيات وإحالات تكاد تمثل تلك المرايا للواقع بقصد رصد متغيراته وتحولاته.
وتتفاوت هذه النصوص بلغتها السهلة الممتنعة بين الكثافة والاقتصاد إلى ما تفيض به المخيلة، وإلى ما يتوضع بوصفه حالة شعرية بعينها، هذا ويلجأ الكاتب في بعض قصصه إلى السخرية ليترك ابتسامة على ثغر لغته أولاً ومن ثم على ثغر قارئه ثانياً.
ويضيف: إن قصص المجموعة تنوس ما بين الواقع والمتخيل، وتذهب في بعضها إلى مناخات تربوية، وهناك تنوع في اختيار العناوين ليشكل الكاتب أطيافاً مما رآه واصطفاه، ومن يعود إلى قراءة المجموعة سيقف عند قصص مفارقات في حياتنا الاجتماعية والثقافية، وتحمل مضمرات ثقافية، هذا إلى جانب نزوع القاص د. أحمد علي محمد إلى الاستعارات التصويرية لفتح أفق توقع القارىء وفق استراتيجيات نصية، عمادها الإيحاء والتكثيف، لإنتاج دورة حياة ما في النصوص.
القصة حالة تلبسني
وفي تعريفه بمجموعته القصصية بين د. أحمد علي محمد أن مجموعة القصص “رؤى” كتبت في أوقات مختلفة، وتعتمد في أكثرها على تقنية القصة القصيرة جداً والومضة، مع خلاف عند النقاد في توصيف هذين الجنسين، وتقنيات السرد فيها متباينة، قد تكون فكرة، أو لحظة عابرة، وقد تكون خبراً أو طرفة، لكن الطابع الساخر هو المسيطر، السخرية المرة من خلال تجسيد ظواهر واقعية تحدث في حياتنا وتجعلنا نقف متأملين هذه اللحظات الصعبة.

ويقول: لا أفرق في مسألة الجنوسة القصصية، بل أرى أن اللحظة القصصية هي لفت انتباه إزاء ظاهرة ما، وهذا لا يتحدد بعدد من الكلمات، بل الحكاية نفسها تفرض حجمها وشكلها، لذلك قد يجتمع الشكلين في القصة الومضة والقصة القصيرة جداً.
والمجموعة القصصية هي أشبه بالمائدة تجتمع عليها أطعمة كثيرة، وأنا لا أنتقي الموضوعات، بل هي القصة تلبسني ولا تتركني حتى أفرغ من كتابتها، فلست كاتب قصة، بل كاتب نصوص، ولا أستخدم تقنيات، لأن القصة هي التي تشكل نفسها بذاتي، وهي التي تجبرني أن أكتبها على الورق دون زيادة أو نقصان، ثم لا أعود إليها.
وقدم بعض الحضور مداخلات تحدثت عن تقنيات القصة القصيرة جداً، وما قدمه الكاتب في مجموعته التي تباينت الآراء حولها، وأكد د. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب أن اختلاف الرأي يغني البحث ويشكل قيمة مضافة للمنتج الثقافي، وبين د. إبراهيم زعرور أن المجموعة القصصية تضم عناوين هامة تلامس الوجع الإنساني، وتقترب من هموم الناس لأنها حكايات من الواقع، وقد أجاد الكاتب صياغتها، كما أكد الحضور على العمق الذي تميزت به المجموعة القصصية.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات