حلّ ضيفاً على اتحاد الكتّاب العرب … عباس النوري لـ«الوطن»: تاريخ سورية ثري وغني ومتنوع الثقافات والحضارات (نقلاً عن الوطن)

استضاف اتحاد الكتّاب العرب النجم عباس النوري في حوار مفتوح ضمن برنامجه الشهري «أربعاء الكتاب السوري» المعني بالثقافة والفكر والإبداع الأدبي والفني.

وتقديراً لدوره الريادي في تعزيز ثقافة الانتماء خلال مسيرته الفنية، تسلم النوري درعاً تكريمية في نهاية الجلسة.

حوار أساسي

بداية، قال في تصريح خاص لـ«الوطن»: من الضروري أن أتواجد في هذا المكان وأشجع جميع الفنانين أن يخوضوا هذه التجربة مع اتحاد الكتّاب العرب ليرى الجمهور العريض من الشباب وغيرهم، وأنا سعيد جداً بكل الآراء التي طرحت سواء عن تجربتي أم عن الدراما بشكل عام، فلطالما كان ينقصنا حوار أساسي قائم بيننا، فطبيعة عملنا الدرامي تتطلب البحث عما يكتب، ولذلك أتيت اليوم إلى عاصمة الكتابة لأرى ما عندهم ويروا ما عندنا، وقد سعدت حتى بالتناقض والتنوع بالآراء الغنية جداً وبكل المتابعين، وبالنسبة لي كانت تجربة رائعة وإذا دعوني مرة ثانية سأكررها بالتأكيد.

عن إمكانية تحويل قصصه التي استذكرها إلى عمل يعرض سيرته الذاتية: «تحدثت عن نفسي لأنه مطلوب مني أن أعرّف الناس بي بعيداً عن كوني ممثلاً فقط، فتحدثت عن نفسي كإنسان وكيف تشكلت وعن التجارب التي خضتها بالوعي والمعارف والدراسات ومختلف المراحل بحياتي، وأنا عبارة عن صاحب تجربة لا أكثر ولا أقل».

ولفت إلى أن تاريخ سورية مجهول للكثير من الأجيال الجديدة، وسورية تعرضت إلى انقسام في تاريخها وليس هناك جاهلية فيه، فهو ثري وغني ومتنوع الثقافات والحضارات إلى مستوى بعيد جداً حتى إنه ضارب في عمق التاريخ.

بين القصة والصدق

في بداية الجلسة الحوارية، قال النوري: عملنا في الدراما قائم على عمود أساسي هي القصة التي يجب ألا نستهين بها أو بثقافتها، والتجربة الإنسانية واكتشاف الإنسان للقصة ومحتواها وأثرها هو مساحة أو محطة يجب أن تكون أساسية، وقد تم اكتشاف أثر القصة في معركة اكتشاف الوعي من قصص الجدات عن الحياة المتنوعة، والله عز وجل اعتمد القصة في القرآن، كما أن في العهدين الجديد والقديم عشرات بل مئات القصص، فالقصة لا حدود لثقافتها ولأثرها ورب العالمين ثقف أنبياءه بالقصص.

وأضاف: في الإعلام كل خبر بداخله قصة مؤثرة، وهي التي تحملكم لتفكروا فيه، وفي هذا الإعلام نتحمل قصصاً كاذبة كبيرة جداً وباعتبارها الأكثر جرأة نصدقها، ولكن الذي أراه أن الجرأة شيء والصدق شيء آخر، فالصدق يعني الشهادة، والمثقف يجب أن يكون شاهداً حقيقياً، والصدق لا يكون بالقسم على كتاب مقدس بل يحتاج بمدخله ومخرجه إلى الحرية والقناعة والتفكير، وعندما يعترض هذه الحرية قمع بالتعبير وشرطة على الأفكار والتفكير فهذا لن يغيّب الصدق فقط بل سيدخله في مسالك تحت أرض الواقع، ومع هذا فإن غياب الصدق سينتج ثقافة أخرى تزيف الواقع وتنتصر عليه وتذهب في إبداعاتها نحو تزييف التاريخ.

وتساءل: أي صدق يحتاجه المبدع في هذا الوقت وهو المثقف والكاتب والفنان؟ صدق تحت أرض الواقع أم صدق يدخل في معارك وتفاصيل أرض الواقع نفسه في الشوارع والبيوت والمؤسسات والإدارات؟.

الجرأة والنجاح

وفي حديثه عن الدراما، قال: إنها أكثر أشكال القصة جاذبية وتأثيراً وتثقيفاً، وفيها لا نسعى للإقناع بل نسعى للتأثير الذي يبدأ بالإقناع، ونحن نصل إلى الأثر والتأثير ونقرأ على المتلقي قصص المبدعين، ولكننا أحياناً نقرأ قصصاً هاربة من الإبداع بشكل من الأشكال ولا تفتح لنا شرطة الأفكار مجالاً لترك الأثر كما يجب فتخرج قراءتنا للأسف من دون صدق.

وأشار إلى أن بعض الأعمال الحالية تأخذ شهرتها من مواقع التواصل الاجتماعي التي أخذت دور الإعلام والتعامل مع هذا الموضوع وأوقعت المثقفين والفنانين في حيرة، إضافة إلى أن شريحة من الكتّاب باتوا تحت طائلة حقل الألغام الكبير هذا، بسبب وجود مساحة كبيرة من الادّعاء والتزييف دخلت في تفاصيل الأعمال الفنية، فعندما يتم الحديث عن أي عمل عبر هذه المنصات الاجتماعية فإنه يأخذ شهادة النجاح فقط لأنه جريء، ولأنه طرح العديد من الشخصيات التي لم يعتد الناس على أن يتحسسوها أو يفكروا فيها بشكل موضوعي.

وشدد على أن الجرأة لا تصنع النجاح، فالنجاح لا يصنعه إلا الصدق والتعامل الموضوعي مع الواقع بقراءة جريئة، لكن هذه الجرأة يجب أن تطرح من منظور في العقل.

وأوضح أن قصته مع الدراما كانت من قصص الجدات والأمثال الشعبية التي تربى عليها والأحياء الدمشقية والبيوت النائمة على بعضها في عاصمة التفت بيوتها على ناسها وعلى بعضها البعض منذ الأزل، وهي لا تنام إلا مع بعضها وتستيقظ مع بعضها، هي دمشق وأنا دمشقي متنوع غير متحزّب ولا أدين إلا للخالق.

الدراما المشتركة

وكشف عن رأيه في الدراما العربية المشتركة، فقال: أعتبر مسلسل الاجتياح أهم عمل شاركت فيه بحياتي، وجسدت فيه شخصية لأحد الذين عاصروا تلك المرحلة واستشهد في عام 1980 باجتياح جنين، وتحدثت وقتها باللهجة الفلسطينيةـ فلا مانع بأن نتحدث بلهجات أخرى مصرية أو لبنانية وأن نخلق كممثلين حالة مشتركة مع بعضنا بعضاً، أما أن نتحدث بلهجات مختلفة ونحن عائلة واحدة هذا غير مقبول، فالأعمال المشتركة تنقصها البيئة والمناخ الحقيقي فقط.

التاريخ والحقائق

وحول تصريحاته المثيرة للجدل، قال: «لم أغيّر رأيي ولم أندم، لكني أحترم غضب الناس وقناعاتهم، لأن بعض الأفكار التي أطرحها أحياناً تخالف معتقدات الناس، كما أحترم اختلافهم لإقامة حوار وجدل معهم وخارج هذا الموضوع لا يوجد احترام.

ونوه أن تاريخنا العربي الإسلامي شائك جداً وتعرض لنظرات خارجة عن العلم، ولو طبقنا واحداً بالمئة فقط من العلم بالنظرة لتاريخنا سنقف مصدومين أمام حقائق تضرب مقدساتنا التي ورثناها، والنظرة العلمية هي التي تدخلنا في الخلل برؤية التاريخ.

مثقف حقيقي

رئيس اتحاد الكتّاب العرب في سورية د. محمد الحوراني أكد أن عباس النوري مثقف حقيقي قبل أن يكون فناناً أو ممثلاً، واليوم عندما أجلس أمام قامة كبيرة مثله لا يسعني إلا أن أستفيد منه كأكاديمية عالية المستوى، وقد تحدث أننا بحاجة إلى دراما ناجحة لا بد أن يكون الصدق أساسها فإننا نكون أمام قامة حقيقية متصالحة مع نفسها ستترك أكبر أثر ممكن عند الجماهير حالياً ومستقبلاً.

وأضاف: «هناك نقطة مهمة لا ننتبه لها وهي عندما تحدث الأستاذ عباس عن قصة صلاح الدين دائماً هناك أشياء في التاريخ أو الدين أياً كان لا يعجبنا ولكن غالبيتنا العظمى جبانة لا تتجرأ على الكلام في هذا الموضوع، وعندما سئل الأستاذ عباس عن هذا الموضوع أجاب إجابة يجب أن تدرّس لأنه شدد على الاحترام، وهو بذلك مقتنع بهذه الفكرة وعنده أسبابه الموجبة لكي يقول هذا الكلام كفنان ومثقف وصانع أجيال حقيقي، وهذا الاحترام هو الذي يمنع الاحتراب.

وتمنى د. حوراني أن ننجح في اتحاد كتّاب العرب بردم الهوة مابين الإعلام والثقافة في ظل وجود مشكلة كبيرة بينهما، وفي أحيان كثيرة يتمثل دور بعض الممثلين بشيء من المسخرة على المثقف ويعرض صورة الشخص الذي يقرأ جرائد على أنه «كتيب تقارير» من دون النظر إلى الكثير من الحالات الإيجابية.

وختم: «أنا ضد السوداية في كل شيء، فهناك الكثير من الطلاب والشباب وأبناء الجيل مهتمين بالقراءة ورغم الحرب، لذا يجب أن يقدم للفن والثقافة كل الرعاية من قبل الدولة.

حوار مفتوح

كما بيّن رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب د. إبراهيم زعرور أن من أهداف اتحاد الكتّاب العرب أن يكون حاضراً في أنشطة الحياة كلها، والمجتمع ومسألة الدراما والسينما والثقافة والفكر والفنانين قضية أساسية وجوهرية في تنمية الوعي وتوظيف هذا الوعي لمصلحة الوطن وقضاياه، وتأتي استضافة الفنان العربي عباس النوري ضمن هذا التوجه الذي نرغب له أن يكون دائماً حواراً مفتوحاً مباشراً مع الناس وقضاياهم وتصوراتهم لمستقبل أفضل.

وتابع: «اتفقنا مع رئيس اتحاد الكتّاب العرب كي يكون هناك أربعاء الكاتب السوري كل شهر لاستضافة فنان أو كاتب أو مبدع سوري لنجري حواراً معه حول القضايا التي تتصل بعمله أو فكره أو ثقافته، مشيراً إلى أن عباس النوري شخص إشكالي في طرح الكثير من القضايا، ولديه فكر واضح ونيّر، وبالتالي يستوجب علينا أن نحقق هذا الحوار المفتوح معه ومع أمثاله من زملائه في الوسط الدرامي».

وأخيراً

يذكر أن النجم النوري من مواليد 1952 في حي القيميرية الدمشقي، وهو خريج قسم التاريخ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق.

يشكّل المسرح الجامعي انطلاقته الأساس، شارك خلالها بمجموعة عروض جمعته بالمسرحيين (فواز الساجر، فيصل الياسري، خليل طافش، سمير سلمون، ممدوح عدوان، وحسن عويتي).

قدم في عالم الدراما ما يقرب من 150 عملاً نذكر منها: «الأجنحة، أبو كامل، لك يا شام، الخشخاش، أيام شامية، النصية، حمام القيشاني، ليل المسافرين، زمان الصمت، ليالي الصالحية، بقعة ضوء، باب الحارة، الحصرم الشامي، أولاد القيمرية، أبو جعفر المنصور، ليس سراباً، قلبي معكم، تعب المشوار، طالع الفضة، الأميمي، العشق الحرام، سكر وسط، الغربال، شهر زمان، شارع شيكاغو، حارة القبة، مع وقف التنفيذ».

خاض عدة تجارب ناجحة في التقديم التلفزيوني، وكرّم في محافل ومهرجانات سورية وعربية وعالمية.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات