لمن نكتب الأدب؟ (نقلاً عن الوحدة)
الوحدة :3-4-2024
ضمن نشاطات اتحاد الكتاب العرب باللاذقية ألقى الدكتور عدنان أحمد محاضرة قيمة بعنوان: (لمن نكتب الأدب)؟، وذلك في صالة الأنشطة بمقر الاتحاد.. الدكتور عدنان أحمد عضو اتحاد الكتاب العرب، رئيس قسم اللغة العربية في جامعة تشرين، صدر له عشرة كتب مطبوعة منها: أزمة الشاعر المخضرم، دراسات في الشعر الإسلامي والأموي، عن العربية والعرب… ونستعرض فيمايلي أهم ما جاء في هذه المحاضرة من محاور.
بدايةً استهل الدكتور “أحمد” محاضرته بتساؤلات عديدة: لمن نكتب الأدب؟.ما الثقافة في الذهن العربي وبالمفهوم الغرب؟.
حيث قال بهذا الخصوص: لمن نكتب الأدب؟ يجوز أن يكون هذا التساؤل استفهاماً محضاً، ويجوز أن يكون استفهاماً استنكارياً وكلاهما جدير بالاهتمام، ولذلك رأيت أن أوجز القول في الاحتمالين.
ولكن قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من معرفة الفاعل، أعني معرفة صاحب الضمير (نحن) ولكن لأن الأمر متعلق بالكتابة، فإنه من غير الصعب أن نفهم أن هذه الـ (نحن) تخص العاملين بالشأن الثقافي، وفي مقامنا هذا تخص العاملين في مجال الأدب، ولأنني واحد من هؤلاء، فليس من الصعب أن أدرك أن في السؤال من الشك والريبة أكثر مما فيه من الاستفهام. في السؤال اتهام، وفي مواجهة الاتهام لا بد من معرفة الأسس التي يقوم عليها، لأن نقض تلك الأسس هو دليل البراءة الوحيد… والثقافة في الذهن العربي تعني توظيف المعرفة في الوصول إلى حالة أفضل والحالة الأفضل هي التي يتم فيها التخلص من كل ما من شأنه أن يكون عيباً يصدق هذا على الفرد بوصفه مثقفاً وعلى المجتمع بوصفه مؤسسة تهتم بتثقيف أبنائها وتعليمهم وتهذيب أخلاقهم. أما الثقافة بالمفهوم الغربي فهي مجموع العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها ويمتثل لها أفراد المجتمع ونلاحظ أن هذا المفهوم أشمل ولكنه يهمل المعرفة العلمية والمهارة في الاستفادة من تلك المعرفة… وأكد المحاضر أن للمثقف دور قيادي وأول ما ينبغي عليه فعله هو نشر الثقافة الأصلية التي تتميز بالسعي إلى إنتاج حياة أفضل وإلى الاستقلالية والتجدد باستمرار وبذلك يمكن الإجابة عن سؤال (لمن نكتب الأدب؟) أكثر يسراً فنحن نكتب- أو يجب أن نكتب- لأبناء مجتمعنا العربي ما يجعلهم أكثر وعياً بالعالم من حولهم، وما يجعل بعضهم أكثر انسجاماً مع بعض بوصفهم أبناء أمة واحدة، وما يجعلهم أكثر إحساساً بانتمائهم وأكثر تمسكاً بقيمهم… وحول المشهد الثقافي العربي أضاف: هذا المشهد يبيّن أن الثقافة العربية ثقافة مأزومة على حد تعبير الدكتور وهب رومية فبعد التحرر من ظلمة الاحتلال العثماني كان الظمأ إلى النور قد بلغ بأبناء الأمة مبلغاً عظيماً جعلهم يقفون بدهشة شديدة أمام منجزات الغرب الذي احتل بلدانهم ولقد حاربوا جيوش الغرب المحتلة وأخرجوها من بلدانهم ولكن الغرب ظل في وجدانهم النموذج الذي يحتذى فقد أدهشهم العقل الغربي حتى ظنوا أن تطورهم رهن بتقليده فراحوا يتبعونه مهما تكن الشعاب التي يسلكها ناسين أو متناسين أن تلك الشعاب شعابه وأنهم في فعلتهم يبتعدون عن أهلهم وأوطانهم وناسين أو متناسين أن الغرب يملك أهدافاً في وطننا وسيسعى إلى بلوغها بكل الوسائل ومن ذلك الثقافة.
وبعد تقديم كل هذه الشروحات والتوضيحات خلص المحاضر إلى مايلي بقوله: صارت الإجابة واضحة عن السؤال الأول بوصفه استفهاماً محضاً، فيجب أن نكتب أدباً يفهمه أبناء مجتمعنا، لأننا نكتب لأبناء مجتمعنا، أن نكتب أدباً يلامس همومهم وآلامهم وآمالهم ويغني تجاربهم ويشجعهم على إعادة النظر في ثقافاتهم بعد أن نكشف لهم المزيف منها…وبعد هذه الأزمة يجب أن نكتب أدباً يعبر عن معنى الوطن والمواطنة وعن معنى الحرية والديمقراطية والنضال ويجب أن نكتب أدباً يجعل قرائنا العرب أقدر على تمييز العدو من غير العدو، باختصار أن نكتب لهم أدباً يجعلهم أقدر على فهم واقعهم ومعنى مستقبلهم، ويجب أن نكتب لهم أدباً يعلي من شأن القيم لأن القيم روح الثقافة والثقافة روح الحضارة وليس ثمة حضارة دون ثقافة ولا ثقافة دون حضارة، فالأدب يستخرج المغزى من التجارب الإنسانية فما قدمه الأدب هو الذي ساعد فرويد على معرفة العقل البشري… وختم المحاضر حديثه قائلاً: الصناعات المتطورة تشعر الإنسان بالعجز، لم يعد الإنسان سيد الإنتاج، بل صار عبداً له، ولذلك بدأ يشعر بضآلته في العالم، صار يشعر أنه يعتمد في حياته على الآخرين.
لقد أصبحنا في عالم لا يفهمه غير العلماء ولذلك فإننا نشعر بالاستلاب. قد نشعر بعظمة الإنسان عندما نقرأ عن إنجاز علمي عظيم، ولكننا بعد لحظات قليلة نشعر بالخوف من أن يتحول هذا الإنجاز إلى مارد يبطش بالعالم كله.
فمن الذي يضمن عدم وقوع خطأ قد يؤدي إلى كارثة نووية؟ أو من الذي يضمن أن يبقى السلاح النووي في أيدي حكماء؟ كيف يمكن أن نتخلص من القلق في وجود سؤال قائم كهذا؟.. في عالم لا توجد قيمة فيه إلا للأشياء يشعر الإنسان أنه مجرد شيء. وعلى الأدباء أن يدافعوا عن قيمة الإنسان وعن إنسانيته وأن يكتبوا له ما يساعد على جعل الحياة أكثر إنسانية وعلى جعلها جديرة بهذا المخلوق العظيم.
ندى كمال سلوم