لأربعة أيام.. ورشة عمل تفاعلية للمختصين وغير المختصين باللغة العربية في كلية الآداب..
حرصاً على مكانة اللغة العربية في مجتمعنا، ونظراً لحاجة شباب اليوم إلى تعزيزها وحمايتها في عصر اللغات الدخيلة، نظّم اتحاد الكتاب العرب بالتعاون مع الاتحاد الوطني لطلبة سورية ورشة عمل تفاعلية للمختصين وغير المختصين باللغة العربية على مدار أربعة أيام متتالية أي منذ الخامس والعشرين من الشهر الحالي وحتى اليوم، وذلك في رحاب كلية الآداب بدمشق وعلى مدرّجها السادس هناك، ليتوافد إليها كل يوم عدد كبير من طلاب الفروع كافة.
كان اليوم الأول والثاني مع د. جهاد بكفلوني الذي قدّم محورين في اللغة، الأول جاء تحت عنوان (مصطلحات دخيلة على اللغة العربية تمسّ بأصالتها) ركّز فيه على ظهور اللغة الإعلامية التي فشت خلالها مصطلحات دخيلة زعزعت قوّتها اللغوية ومستواها، ضارباً أمثلة كثيرة نشاهدها ونسمعها في اللقاءات الإذاعية والتلفزيونية والمباريات.. الخ، مشيراً هنا إلى مشكلاتنا مع اللغة العربية، والتي أبرزها أنها تلقينية فهو يعدّ أن أسوء أنواع التدريس هو التلقين، إضافة إلى أن الكثيرين لا يعرفون مواطن الجمال في لغتنا، علاوة على وجود مدّعون على اللغة بأنها جامدة وليست لغة العصر، وما يُثبت عكس ذلك أن لا ترادف في مفرداتها، مستعرضاً عدد كبير من الكلمات التي قد يظن الغالبية أن لها مرادفات إلّا أن كل مرادف له معنى خاص ومختلف، لينتقل في اليوم التالي إلى محور آخر عنوانه( شيوع الألفاظ الأجنبية في اللغة وتأثيرها في العمق الثقافي)، شرح فيه عن تأثير الترجمة الحرفية من اللغات الأخرى على اللغة العربية واستخدام الكلمات الأجنبية فيها، مستشهداً بأمثلة كثيرة نجدها في بعض الأعمال وفي استخدامنا العام لها.
بدوره قدّم د. عبد الله الشاهر في اليوم الثالث محوراً حمل عنوان (بعض الأخطاء الشائعة في اللغة العربية وانعكاساتها على المنتج الثقافي) وتناولَه كظاهرة تتوسع بشكل لافت للإنتباه، ليوجز عن أنواع الأخطاء في اللغة العربية سواء لغوية أو نحوية أو صرفية أو إملائية أو شكلية، مشيراً إلى أسبابها ومؤثراتها، وقد يأتي أهمها حسب رأيه الأسرة والمناهج التربوية ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أوصلتنا إلى ابتداع كلمات تتداخل فيها العربية بالإنكليزية حتى تفقد المفردة هويتها اللغوية، وكذلك تحدّث عن ميّزات اللغة العربية وعجائبها، ثم تحدّث اليوم في محوره (اللغة العربية واللهجة العامية.. مسافة قابلة للردم) عن الفرق بين الفصحى والفصيحة، وعن الجذور اللغوية التي قد تمتد إليها مفردات من اللهجة العامية، مستعرضاً أبرز اللهجات العربية وأنواعها مثل الكشكشة والشنشنشة والعنعنة… الخ، ضارباً الأمثلة على كل نوع والتي منها ما زالت سائدة حتى يومنا هذا.
وعن أهمية هذه الورشة أوضح عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد الوطني لطلبة سورية د. عمر الجباعي، أنها جاءت في ظروف واقعة على اللغة العربية و جعلتها ليست بخير، مثل وجود المصطلحات الدخيلة والألفاظ الغريبة التي أصبحت متداولة خاصة بين جيل الشباب، والغياب الجزئي أو شبه التام للغة العربية الفصحى، بسبب تدخل العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي بأساليبها للأخذ بجيلنا اليوم إلى مكان آخر، ويضيف قائلاً: هذا ما دعانا لإقامة هذا النوع من الورشات التي تساهم في ردم جزء من الفجوة الموجودة بالوسط الجامعي بشكل عام، لتصحيح المفاهيم المغلوطة وإعادة البوصلة إلى ما كانت عليه، وقد أشار إلى وجود كوكبة من المختصين والدكاترة لشرح المفاهيم والعناوين الهامة، وإلى الحضور الغني والمتابعة الحثيثة من الطلاب، مؤكّداً أنهم سيعملون على توسيع المحاضرات والندوات الخاصة باللغة والهوية والانتماء والعروبة في الفترة القادمة، لإعادة اللغة بمصطلحاتها ومفرداتها بمفاهيمها الكبيرة إلى ذهن الطالب الذي شغلته مصاعب الحياة والدراسة والأوضاع الاقتصادية عن بعض الأمور التي يجب أن لا تغيب عنه، بالتالي ليتم تكريس المفهوم الثقافي والفكري أكثر بين صفوف الطلبة، وهذا جزء من مهامهم في إقامة حراك جامعي ثقافي فكري بين الشباب.
وفي استطلاعنا لبعض آراء الطلبة حول هذه الورشة، وجدنا أن الطالبة راما أبو صبحة من كلية الآداب_ قسم التاريخ التي حضرت الورشة بأيامها كافة قد استفادت منها بالدرجة الأولى من أجل حفظها للقرآن الكريم بلغة سليمة خالية من الأخطاء، وقد لاحَظَت في هذه الأيام القليلة أنها أصبحت أكثر انتباهاً على لغتها، وقالت لنا: أتمنى أن تصبح اللغة العربية هي لغة العصر السائد، وفي رأي آخر تقول لنا الطالبة آية عريج من قسم اللغة الإنكليزية التي حضرت اليوم الأخير فقط: نحن بحاجة هذه الورشة كثيراً، وقد ذكّرتنا بما كنا قد نسيناه في لغتنا، وتجدّدت معلوماتنا من خلالها، وأوضح لنا المُحاضر فروقات في اللغة لم أكن أعلم عنها شيئاً، فأنا لم أكن أعرف أن اللغة الفصحى تختلف عن الفصيحة أبداً، أما الطالب عبد الرحمن جحا من قسم اللغة الفرنسية فقد اكتشف أن مفردات اللغة العربية واسعة ومعانيها كبيرة، وبوسعنا استخدامها بآفاق واسعة وفعلاً هي لغة مشوّقة، وقال: أنا لست مختصّاً باللغة العربية إلّا أني حضرتها لأننا لا يمكن أن نستغني عنها.
الجدير ذكره أن اتحاد الكتاب العرب في سورية قدّم خلال الورشة فرصاً أمام أي طالب أو طالبة يستطيع أن يكتب مقالاً أو بحثاً في اللغة العربية الفصحى من أجل نشرها في دوريّات الاتحاد دعماً له وحرصاً على لغته، إضافة إلى الحسومات الكبيرة التي يقدّمها على إصداراته في معرضه الدائم القائم في كلية الآداب.