كمال الطويل في “زيارة جديدة لتاريخ عربي” بندوة لـ”الكتاب العرب (نقلاً عن الثورة)
الثورة – متابعة عبد الحميد غانم:
يبدو أن موضوع “إعادة قراءة التاريخ” من الموضوعات الشائكة والمعقدة، لأنه يصعب الإلمام به بسهولة ويتطلب الكثير من البحث والدراسة والمعرفة العميقة لكيفية قراءة أحداث التاريخ ومدى إقحام التأويلات التفسيرية لتلك الأحداث، وألا يتم إقحام الأيديولوجيا المذهبية في متن أو هوامش إعادة كتابة التاريخ.
و مصطلح «إعادة قراءة التاريخ» ولجته تيارات كثيرة، بمختلف مرجعياتها الفكرية، سواء كانت مرجعيات ذات منطلقات دينية، أم مرجعيات ذات منطلقات ورؤى علمانية، أم كانت ذات منطلقات ورؤى تنويرية تقدمية، أم كانت ذات منطلقات ورؤى وتطلعات فلسفية. كل هذه التيارات تُقدم تفسيراً وقراءةً لمصطلح «إعادة قراءة التاريخ» من خلال بيان معنى التاريخ وما يُقصد به، ثم تقدم المبررات والمسوغات لإعادة قراءة هذا التاريخ، الذي فسرته من خلال إسقاط رؤيتها ومبادئها، التي تؤمن بها وترى الحياة وصروفها من خلالها.
الدكتور كمال خلف الطويل في مؤلفه زيارة جديدة لتاريخ عربي: عبد الناصر كما حكم؛ البعث كما حكم (ثلاثة أجزاء) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.
والدكتور الطويل (من مواليد 1952) هو بالأساس طبيب أشعة، لكن أجواء السياسة شدّته ووقائع التاريخ جذبته. وخلال كتابته لهذه الثلاثية أعاد قراءة مشاهد تاريخ المنطقة العربية بعينها، ورسم كيفية بنائها، متفهماً أن أرضية السياسة حيث جرت الوقائع والحوادث هي: الجغرافيا، وأن خلفية السياسة حيث فاعلية الظروف على أجوائها هي: التاريخ. وعليه، فلقد بحث الدكتور الطويل في كل ركن، حتى وإن كان شائكاً وملتبساً. هكذا تمكّن من أن يخترق التاريخ بأدواته من التصوير إلى الحياة السياسية، والملفات الداخلية والخارجية.
أراد أن يبدي رأياً، ويعرض معلومة، ويحلّل حدثاً، فقد كان رأيه حاضراً: مكتوباً ومسموعاً في قضية من القضايا الملحّة على هواجس الرأي العام في الوطن العربي. فهو حيث ابتعد وحيث كان، لا يزيح بصره عن وطنه العربي متعقّباً طريقه، منخرطاً في شجونه.
ثلاثية الدكتور كمال خلف الطويل في مؤلفه: زيارة جديدة لتاريخ عربي.. تجربة مهمة وعميقة توقف عندها وشارك في قراءتها اليوم باحثون وكتّاب وأساتذة جامعيون ونخبة من السياسيين والإعلاميين في مقر اتحاد الكتاب العرب بالمزة.
تجاوز السلبيات وتعزيز الإيجابيات
الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب، نوه أنه لماذا علينا أن نعيد تاريخنا العربي من جديد؟.. لأنه معظم ما لدينا من مخزون «محفوظات» في تاريخنا لم نبحث أو ندقق أو حتى نعمل على تحقيق تاريخي منهجي مدروس ومنظم علمياً. إعادة قراءة التاريخ ليست عيباً بل محاولة لقراءة أو فهم جديد لما حدث ولماذا يحدث.
وأشار الدكتور الحوراني أن في كل تجربة سياسية أو حزبية فهناك إلى جانب الإيجابيات هناك سلبيات تدعونا لإعادة القراءة التاريخية من أجل تجاوز السلبيات وتعزيز الإيجابيات.
مرحلة الفعل والتأثير
المؤلف الدكتور كمال خلف الطويل، قدم عرضاً لمؤلفه والأدوات التي اشتغل بها لبناء هذا المؤلف الثلاثي بالاعتماد على المعلومة والرأي وسياق الأحداث، وأشار إلى أن تجربة التيارين السياسيين (الناصري) و(البعثي) وتبنيهما النهج العروبي القومي ومواجهة الكيان الصهيوني والعامل الوحدوي في السعي إلى توحيد الأمة العربية موضحاً مواقع التقاء بين التيارين.
ونوه الدكتور الطويل بمواقف البعث القومية وخاصة بعد عام 1970 التي نقلت سورية إلى مرحلة الفعل والتأثير بعد أن كانت في مرحلة التأثر والانفعال، وصارت دولة فاعلة وقادرة وكاسرة للتوازن.
لا من مراجعة التجربة
الباحث الدكتور عقيل سعيد محفوض الذي قدم مشاركته مكتوبة، وقرأها الدكتور الحوراني عنه لاعتذاره عن الحضور لأمر طارئ، أثار مجموعة من التساؤلات المهمة حول موضوع الندوة وكيفية قراءة التاريخ العربي، وقال: إن سيولة الأحداث والصراعات والحروب والمواجهات في سورية والإقليم، تثير التساؤل حول: أي غائية ممكنة أو محتملة للتاريخ ولكل ما حدث في سورية منذ تأسيسها الدولتي الحديث، وما حدث لسورية كـ”فكرة” و”مكانة” و”دور” في الإقليم والعالم؟ .. وهل كان السوريون والعراقيون والمصريون، وأهل الإقليم عامة، مؤمنين بما كانوا يقولون؟ وهل صدرت أفعالهم وسياساتهم ومواقفهم عن المدارك ونظم القيم والإيديولوجيات التي كانوا يعلنونها أو ينضوون تحت لوائها، وهل كانت الإيديولوجيات القومية والماركسية والدينية والليبرالية وغيرها تعبر عن فواعل وقوى اجتماعية وسياسية وثقافية الخ؟
وتابع: لماذا أخفقت الإيديولوجيات والسياسات في تحقيق ما وعدت به، ولو بالحد الأدنى، بل لماذا لم تتمكن من مجرد المحافظة على جمهورها ومحازبيها الذين انخرطوا فيها، ومنهم من بذل كل شيء ممكن من أجلها؟ ولماذا أصبحت هي نفسها عبئاً على المجتمعات والبلدان والإقليم ككل، وبالطبع عبئاً على نفسها، فلم تتمكن من تجاوز ما هي فيه، ولا من مراجعة تجربتها؟ ولا تجرؤ على مجرد فتح نصوصها التأسيسية وخطاباتها ومقولاتها الإيديولوجية السابقة؟ وهل ثمة نصوص فكرية حزبية، ناصرية أو بعثية الخ، قابلة للقراءة اليوم؟ هل لدى الأحزاب ما تقوله للناس، فضلاً عن القول: هل لديها ما تقدمه للناس؟
وأشار الدكتور محفوض إلى أن هذه الأسئلة ليست موجهة للكتاب ولا للكاتب، إنما هي في أفق قراءة التاريخ القريب والواقع اليوم، سواء أكان خط القراءة والتعبير هو المجال العربي ككل، أم كان على مستوى البلدان والأوطان: سورية، العراق، لبنان، الأردن، مصر.. الخ، وللتفكير في الظاهرة السورية والعربية اليوم.
ونوه الدكتور محفوض بأن الكتاب يقدم ملاحظات وانتقادات وإشارات وتنبيهات حول “التجربة الناصرية” وحتى “التجربة البعثية”، لكن ليس من أجل “نقضهما”، وإنما من أجل وضعهما في سياق تاريخي، وختم بتساؤل ماذا يمكن لإيديولوجيات البعث والناصرية أن تفعل اليوم، هل هي موجودة بالفعل، هل تستطيع أن تحرك أو تجذب من الشباب بقدر ما يستطيعه لاعب كرة قدم في فريق من الدرجة الثانية، أو ما يستطيعه مُغَنٍّ في هذا المشرق الجميل؟.
النقد تصويب للنقائص
الدكتور عماد فوزي الشعيبي نوه بأن النقد مهم لأنه يعني تصويبا للنقائص ويعطي فسحة ومساحة واسعة أمام أي مبتكر والبناء هو البناء على مسبق وليس تصيدا للأخطاء، وأشار إلى أن الأهم هو كيفية عرض الدكتور الطويل للتفاصيل بأسلوب سلس على السطور، متناولاً صدقها بزيادة البحث في أحوالها وأحداثها، والدنوّ أكثر من قومها وبطانتها، والاعتناء بدواعيهم ومداركهم. وهذا ما يسترعي الاستفهام عن: متى تمكّن هذا المؤرخ الموهوب الاستثنائي من أن ينجز ذلك كله وأين وكيف؟ والذي أعانه على أداء مهمته.
وأشار الدكتور الشعيبي كيف وظف الكاتب ما لديه من معلومات وهضاب من الملفات التي تضمّ لقاءاته وحواراته مع بعض صنّاع القرار وراسمي السياسات في عالمنا العربي، وكذلك الغربي، إضافة إلى تلال من المذكّرات والذكريات والتسجيلات والأفلام الوثائقية والوثائق عن ذلك العصر من تاريخنا العربي بعيون عربية.
وبيّن أنه عندما قرّر المؤلف أن يلتقط قلمه ويجلس ليدوّن ثلاثيته، كان مهتماً بأن يكون خلف كل كلمة برهان، وكل رواية وثيقة، وكل خبر مصدر.
وحدة القضية القومية
الدكتور منير الحمش تحدث بلغة الشاهد على تجربة البعث عندما كان عضواً في تنظيمه، في التاريخ السياسي لسورية والمنطقة العربية وإسهاماته للتعجيل بقيام الوحدة بين سورية ومصر وكيف ضحى بحل تنظيمه في سورية ، مشيراً إلى تبني التيارين الناصري والبعث وحدة القضية القومية والدفاع عن القضية الفلسطينية ومواجهة المشروعات الخارجية التي استهدفت الوطن العربي.
وبيّن الدكتور الحمش إلى أن تجارب التيارين حملت بعض السلبيات أيضاً كتجارب كل الأحزاب والتيارات الحزبية والسياسية في المنطقة.
حوار حيوي
وتلت المشاركات حوار حيوي ومسؤول بين كوكبة من الباحثين والسياسيين والكتاب حول ما جرى طرحه، وأكدت المداخلات على ضرورة إعادة قراءة تاريخ المنطقة من وجهة نظر ورؤى علمية مستندة إلى المعلومات والأحداث التاريخية الحقيقية التي تعكس حقائق ما جرى في المرحلة السابقة في محاولة لقراءة المستقبل واستشراف آفاقه وأخذ العبر والدروس المستخلصة من وراء القراءة التاريخية.