قراءة في شعر المرأة العاشقة (نقلاً عن الثورة)
الثورة – سلوى إسماعيل الديب:
طالما كانت المرأة ملهمة الشعراء، قيثارة الروح التي يعزفون عليها أجمل الكلام وأعذبه وأنقاه، كان للدكتور أحمد دهمان رحلة بحث في الشعر الأندلسي عن شعر المرأة ومحط اهتمامها، من على منبر فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب، من خلال محاضرة بعنوان “قراءة في شعر المرأة الوامقة في الأندلس” بحضور حشد من أعضاء الاتحاد ورواده.
أشار خلالها الدكتور أحمد دهمان إلى منزلة الغزل في الشعر العربي الذي يحتل أكثر من نصف ما أبدعه الشعراء العرب منذ الجاهلية، مبيناً أنواعه وموضوعاته بدءاً من الجاهلية وحتى العهد الأندلسي، الذي شهد حالة تغزل المرأة بالرجل، متوقفاً عند إرهاصاته الأولى في العصر الأموي والعباسي، محللاً شعر المرأة الأندلسية التي تأثرت ببيئتها التي فتحت لهم أبواب الحرية والجرأة والمجاهرة في البوح.
يقول: وقد تعددت أنواع الشعر بين تقليدي يفتقر إلى حرارة الحب أو مواقد الشوق، وحسي فاحش وهو اللون الغالب في تراثنا، والعذري العفيف والتغزل بالمذكر والتغزل بالغلاميات أي النساء اللواتي كن يتشبهن بالغلمان خاصة في العصر العباسي، وهذا الحكم يشمل مشرق العالم الإسلامي ومغربه يعني البيئة الأندلسية، لكن الجديد في هذا البوح الجميل تغزل المرأة بالرجل، وهو موضوع المحاضرة.
سلط دهمان الضوء على أشعار أهم الشاعرات الموهوبات اللواتي اقتدين بشعر المشرق وأضفن إليه إضافات ذات خصوصية أندلسية، كما تذكر كتب التاريخ.
والمرأة الأندلسية كانت حريصة أن تشعر الرجل بحاجته إليها، وأنها ملهمته، وأنه مدين لها بكل ما أحرزه من نجاح، وكان مصدر هذه الأشعار كتاب “نفح الطيب” للمعري، وأهم الشاعرات أم السيد وأم العلاء بنت يوسف الحجازيه، وحفصة الحمدونية والغسانية، أهمهم ولاّدة بنت المستكفي حبيبة ابن زيدون ..
يقول دهمان: ولا غرابة في الأمر إذ كانت المرأة ملهمة فؤاد الشاعر مما دفعه لإشعال نار الإبداع وحرضت الرجل على قول الشعر دلالة أنها أبدعت في قوله أسوة بالرجل وربما تفوقت عليه، إلا أن الباري حباها بمشاعر رقيقة..
كان للمرأة إسهام في الحركة الشعرية وفي السياسة وشؤون الحياة العامة، والحديث عن المرأة الوامقة في الأندلس لابد أن يدفع الباحث إلى الخوض في أسلوبها التعبيري مما يتصل بألفاظها وجماليات تشكيل الصورة لديها وما يتصل بالجانب الموسيقي والأنغام التي عزفت عليها أناشيد الحب الخالد سواء كان فاحشاً أو عفيفاً.
وأضاف دهمان: المرأة بتأثير القيم السائدة والتربية الاجتماعية لا تحب إلا بصعوبة ولا تتخلى عنه بسهولة، نادراً ما تتغزل في الرجل، بل تحض على الوفاء.
وقام دهمان بتحديد المعاني التي تطرقت لها المحبّة الأندلسية كالعفة وإثارة لواعج الشوق والصراحة والإغراء والتمسك بالكبرياء والاقتباس من طبيعة الأندلس، وذكر الوشاة، الشكوى من الفراق، ليختتم بذكر أهم الخصائص الفنية المتعلقة بدقة التعبير ، والموسيقا العذبة والصور الموحية، وتوظيف البديع في التغييرات الشعرية المعبرة عن هذه العاطفة النبيلة.
ومن المتغزلات أم العلاء بنت يوسف الحجازية شاعرة من القرن الخامس الهجري التي رفضت خلع ثوب الحياء فكان غزلها لطيفا رقيقاً، تقول :
كل ما يصدرُ منكم حسن/ وبعلياءكُم تحلّى الزمنُ/ تعطف العينُ على منظركم / وبذكركُّم تلذّ الأذنُ / من يعيش دونكم في عمره / فهو في نيل الأماني يغبنُ
أخيراً: هذا غيض من فيض مما تناوله دهمان في محاضرته.