في ندوة “إشكالية المصطلح”.. باحثون: الابتعاد عن فوضى المصطلحات (نقلاً عن الثورة)
الثورة – متابعة عبد الحميد غانم:
شكل المصطلح إحدى إشكاليات الفكر المعرفي للوصول إلى الحقائق ومعرفة التطور الطبيعي والإنساني للحضارات التي شهدها ويشهدها العالم، كما شكل ساحة من ساحات الصراع والتنافس بين الاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة.
ظهر المصطلح كحاجة للدلالة على معان ورموز التحولات والتطورات الإنسانية قبل زمن طويل من ولادة علم المصطلح الحديث في السبعينات من القرن العشرين، فهذا العلم حديث النشأة وما يزال تحت التأسيس.
وضمن الجدل والبحث في فهم المصطلح والإشكالية التي يطرحها، أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب ندوة تحت عنوان ( إشكالية المصطلح )، شارك فيها باحثون قدموا خلالها إضاءات على ملابسات هذه الإشكالية وأهمية تبيان الفهم الصحيح في تناول هذا الموضوع.
د. زعرور: العودة للتاريخ لفهم حقيقة المصطلح
الباحث الدكتور إبراهيم زعرور الأستاذ الجامعي رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب الذي أدار الندوة، أشار إلى أن المصطلح بدأ منذ بداية التاريخ وأن اللغة غنية بالمصطلحات منها المصطلح السياسي أو الفكري أو التاريخي أو الفلسفي أو الجغرافي أو الاقتصادي أو الديني، منوهاً إلى أنه توجد إشكاليات في طرح وفهم بعض المصطلحات والتعامل معها والمطلوب حل هذه الإشكاليات، مؤكداً على ضرورة ربط هذه المصطلحات بنشـأتها وضرورة العودة للتاريخ لفهم حقيقة المصطلح وحل الإشكالية.
واعتبر الدكتور زعرور أن علم المصطلح هو أحد أهمّ العلوم الإنسانية الذي يعتمد في ضبط مفهومه على النظر في العلاقات التي تربطه مع مجموعة من العلوم التي تتقاطع معه في تطبيقاته العمليّة مثل الصناعة المعجمية والترجمة وتعليمية اللغة وعلم الاجتماع اللغوي ولا تتحدّد معالم هذا العلم إلاّ إذا ضبطنا مفهوم وحدته.
د. السليمان: توضيح المصطلحات لفهم تاريخ الحضارات
ولأن التاريخ أصل المصطلحات ، تناول الباحث الدكتور عبد الله السليمان أستاذ تاريخ الشرق القديم في جامعة دمشق نشأة المصطلح وظهوره في الحضارات القديمة، وكيف تأثرت مصطلحات الشرق القديم بالحضارات التي ظهرت في المنطقة العربية لاسيما الشرقية منها وارتبطت بالأوضاع الاجتماعية والطبيعية والدينية والمعيشية.
وبيّن الدكتور السليمان أهمية توضيح تلك المصطلحات للطلاب والباحثين تسهيلاً وتمكيناً لهم في محاولة لفهم تاريخ حضارات الشرق القديم ومعرفة تطوراتها منعاً للالتباس من المصطلحات الدخيلة التي يحاول الغرب فرضها من وجهة نظره، مشيراً في هذا الصدد إلى اختلاف المصطلحات بين قواميس وأبحاث الشرق والغرب مثل مصطلح – بلاد الرافدين أو بلاد النهرين ( الفرات ودجلة ) – والذي يستخدم في قواميس الشرق ويختلف كثيراً عن مصطلح – ما بين النهرين – كما تشير إليه الدراسات والقواميس الغربية.
ولفت الدكتور السليمان إلى أن العودة إلى التاريخ القديم تبين لنا أصل هذه المصطلحات ودلالاتها وعمقها ومدى شموليتها ومدى صحة استخدامها من عدمها، منوهاً بالخطأ الشائع بإرجاع استخدام بعض المصطلحات إلى التوراة دون النظر فيما قدمته حضارات الشرق القديم.
د. النهار: محاولة لربط العالم بالحضارة الغربية
بينما تناول الباحث الدكتور عمار النهار الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة دمشق بعض المصطلحات والإشكالات حولها ، مشيراً إلى أنه في التاريخ العربي الإسلامي والتاريخ الحديث هناك الكثير من المصطلحات التي تتطلب التوقف عند كل مصطلح منها وفهم معناه بين حقيقته وبينما هو شائع كمصطلح الحضارة أو الاستعمار على سبيل المثال.
وأكد الدكتور النهار أن مصطلح “الاستعمار” يلصق خطأ للتعبير عن المحتل والغازي، لأن معناها اللغوي على خلاف ما هو المقصود منه سياسياً ، فالاستعمار تعني من استوطن وعمر البلاد بينما في معناها الشائع المقصود الاحتلال والغازي والمعتدي.
كما أشار الدكتور النهار إلى مصطلح “الحضارة” التي جرى استخدامه وفهم بشكل قاصر في المعاجم الشرقية والعربية، حيث اعتبر المصطلح الابتعاد عن البداوة والذهاب إلى التحضر أي الإقامة في المدينة، وأشار إلى أن هذا المصطلح لم يأت القرآن على ذكره ولم يتعامل معه، بينما المعاجم الغربية ركزت عليه وهو دلالة على ربط العالم بالحضارة الغربية وهي النموذج الذي يجب أن يحتذى تحت إلا التنوير وما شهدته أوروبا من عصر التنوير وأن الحضارة لا تقام إلا بالمدن.
وبيّن الدكتور النهار أن الغاية من وراء ذلك هو تقسيم العالم إلى عالم متنور هو الغرب وعالم مظلم بقية العالم، وهو الأمر الذي تعكسه الطروحات الفكرية الغربية مثل صدام الحضارات أو نهاية التاريخ في تقسيم العالم ووصف العالم غير الغربي بالهمجية والتخلف والبربرية وغير ذلك، مما يمهد لاحتلاله تحت غطاء سياسات العدوان والاحتلال لتحضير مجتمعاته.
وأشار الدكتور عمار النهار إلى أن المفهوم العربي مازال قاصراً ولم يستند إلى فهمنا الحقيقي للإنجازات العربية والإسلامية التي تمت خلال عصر النهضة العربية الإسلامية التي تمت في ظل أجواء رحبة من العلم والرقي، منوهاً بالمفهوم الوحيد الذي طرحه ابن خلدون وفلسفته حول علم العمران والمصطلح الحقيق الذي يعبر من خلاله عن حقيقة قراءة الواقع ووضع الحلول لمشكلاته سياسياً واقتصادياً وغيرها من المفاهيم.
أ. حبش: الأخطاء الشائعة للمصطلحات المستخدمة في الإعلام العربي
من جهته، أشار الإعلامي محمد حبش الباحث في التراث مدير تحرير مجلة الأدب العلمي في جامعة دمشق إلى أن العلماء والباحثين العرب القدامى لم يفرقوا بين المصطلح والاصطلاح، إلا أنهم ركزوا على الشروط الواجب توافرها في المصطلح الجيد كي يكون منسجماً مع مصطلحات بيئته ويكون ذا دلالة واضحة على المفهوم الذي يعبر عنه.
وبين الباحث حبش أن مسألة المصطلحات ليست فنية أو تقنية بل هي مسألة بحثية في حد ذاتها وليس المهم في المفردة بل المفهوم الذي تعكسه، مؤكداً أن تجاوز إشكالات المصطلح تتطلب الإطلاع ومعرفة ما تم إنجازه على هذا الصعيد من توليد المصطلحات وترجمتها ومواكبة العلوم والتطورات العلمية والمصطلحات التي تتطور ضمن ذلك.
ودعا الباحث حبش إلى الابتعاد عن فوضى المصطلحات والتخلص الإشكاليات التي تواجه المصطلح في “العربية” لاسيما الازدواجية اللغوية وأشكال الترادف والاشتراك اللفظي، مشيراً إلى دور مجامع اللغة العربية في توحيد المصطلحات ودور المترجمين في توليد المصطلحات التي تواكب التطورات العلمية والثقافية .
ونوه الباحث حبش إلى الأخطاء الشائعة للمصطلحات المستخدمة في الإعلام العربي والتي تسوّقها وسائل الإعلام الصهيونية والغربية المعادية في استهداف المنطقة العربية سياسياً وجغرافياً وتاريخياً مثل الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم العربي.
وعقب المداخلات جرى حوار فكري تاريخي حول منشأ علم المصطلح والإشكاليات التي طرحت في ظل التطورات السياسية والاقتصادية والتاريخية ومحاولات سياسات الهيمنة والاحتلال التي تمثلها القوى الغربية في استهداف المنطقة العربية ومستقبلها.