“عالم مفعم بالجنون” على مسارح دمشق (نقلاً عن البعث)
استقبل جمهور المسرح في دمشق على خشبة مسرح الحمراء مؤخراً ولمدة يومين العرض الزائر من مدينة اللاذقية “عالم مفعم بالجنون” نص وإخراج د.محمد اسماعيل بصل وهو باكورة عروض فرقة المسرح في اتحاد الكتّاب العرب-فرع اللاذقية وقد سبق وأن أعلن رئيس الاتحاد د.محمد الحوراني أهمية تعاطي جمعية المسرح في الاتحاد مع المسرح ليس بوصفه جنساً أدبياً وحسب بل بوصفه ينتمي إلى أجناس الفنون أيضاً، لذلك كان من الضروري برأيه التعاون مع مديرية المسارح والموسيقا في تقديم عروض مسرحية ستشمل تدريجياً المحافظات السورية، في حين أوضح مخرج المسرحية في حواره مع “البعث” أن اتحاد الكتّاب العرب يضم جمعية تعنى بالمسرح بوصفه أدباً، أي أنها تتعامل مع النصوص المسرحية من خلال إقرار النصوص التي تُقَدَّم إليها، ولم يسبق لها أن اهتمّت بالعروض المسرحية، مع أن المسرح لا ينتمي إلى جنس الأدب فقط إنما لمجموعة الفنون أيضاً، مبيناً أن النص المسرحي يُكتَب ليُقدّم على خشبة المسرح أمام الجمهور وليس ليُقرأ، وأن النصوص التي لا تحمل مقومات العرض المسرحي في نسيجها اللغوي لا علاقة لها بالمسرح، وهذا الكلام جاء على لسان موليير وبريخت وكل الكتّاب المسرحيين.. من هنا كانت مبادرة الاتحاد بهدف تفعيل المسرح إيماناً منه بالدور الذي يلعبه المسرح في المجتمع، وكانت الانطلاقة من خلال فرع اللاذقية الذي يرأسه بصل وهو الكاتب والمخرج المسرحي الذي يعمل في المسرح منذ العام 1975.
عالم مفعم بالجنون
وبيَّن د.محمد اسماعيل بصل أن عرض “عالم مفعم بالجنون” يتناول صراعاً بين عقليتين من خلال صديقين يختلفان في رؤيتهما للعالم.. الأول يُقصي الآخر ويرى الأشياء ويتعامل مع الأمور الصغيرة والكبيرة من وجهة نظر ضيقة، والثاني يرى الأمور بسعة أفق كبيرة وعلميّة لتكون المقولة الأساسية للعرض أن الإنسان في هذا العصر يعيش أزمة كبيرة في ظل الصدامات الكبيرة وفي ظل الأمراض المنتشرة والحروب التي حطّت من قدر الإنسان وأبعدته عن إنسانيته، وتحول العالم في ظلها إلى غابة كبيرة لا مكان للضعيف فيها ولا رحمة والتأكيد على أهمية أن يكون الإنسان مسلَّحاً بالعمل والمعرفة ليكون له مكان في هذا العالم، مؤكداً أنه ككاتب لـ “عالم مفعم بالجنون” لم يتعامل مع نصه كنص مُقدّس، حيث خضع النصّ للتعديل والتغيير والإضافة والحذف على خشبة المسرح، وهو قبل اعتماده أمضى شهوراً وهو يقرأ نصوصاً من المسرح العالمي، وحين شعر أن الإمكانيات غير متوفرة لتنفيذها كتب نص “عالم مفعم بالجنون” شاكراً اتحاد الكتاب العرب ومديرية المسارح في وزارة الثقافة لدعمهما، معبّراً عن سعادته بتقديم عرضه على خشبة مسرح الحمراء بتسهيل من قبل أ.عماد جلول، منوهاً إلى أن المسرح عمل جماعي وإن لم تتكاتف الجماعة كلها لن يرى العمل المسرحي النور.
وجبات فكرية بقوالب فنية
وكمخرج لـ “عالم مفعم بالجنون”، أشار بصل إلى أنه لجأ إلى المسرح البريختي، وخاصة تقنية المسرح داخل المسرح ولعبة خيال الظل وتداخل الحقائق مع الأحلام، وهو مسرح ينتمي للمسرح التجريبي، وبمقدار المتعة التي يحققها المسرح يدخل الجمهور في اللعبة المتفق عليها ضمنياً إلى الدرجة التي تجعل الممثل المسرحي يسمع فيها نبض الجمهور، فإذا كان متابعاً له بشغف يتألق، وإذا كان الجمهور خارج اللعبة فهذا يعني وجود مشكلة هائلة.. من هنا على الممثل المسرحي برأيه أن يكون شديد الحساسية ومثقفاً وبعيداً عن فكرة أن الوقوف على خشبة المسرح أمر سهل، وهذا جعل بعضهم يذهب باتجاه المسرح التجاري، في حين يكمن دورُ المسرح الجاد والملتزم والمثقف في تقديم وجبات فكرية بقوالب فنية جميلة للجمهور الذي يجب احترام عقلِه، موضحاً د.بصل أنه مخرج ديكتاتور فيما يتعلق بالتزام الفرقة المسرحية، وكلمة الالتزام برأيه أهم مفردة في عالم المسرح لأنها تعني الانضباط، أما فيما يتعلق بالاقتراحات فهو دائماً يرحّب بأي اقتراح يقدمه الممثل طالما يصب في خدمة العمل المسرحي.
وعن الفرق بين جمهور دمشق وجمهور اللاذقية، بيّن بصل أن لكل جمهور طابعه، فالنكتة التي يضحك عليها الجمهور في اللاذقية قد لا يضحك عليها جمهور دمشق، وبالعكس، منوهاً إلى أن اللاذقية أصبح فيها جمهور ذواق للمسرح وهو مخلص ووفي له.
وختم كلامه بقوله: “لا يوجد عمل كامل، وأي انتقاد بالنسبة لي مرحَّب به ويؤخذ بعين الاعتبار”.
يُذكر أن “عالم مفعم بالجنون” من تمثيل: شاكر شاكر، منار آغا، جعفر درويش.
أمينة عباس