ترجمة أدب الأطفال.. نافذة للاطلاع على الثقافات وتنمية الإبداع (نقلاً عن الثورة)

الثورة – فاتن دعبول:
يشكل الأدب المترجم للطفل بوابة جديدة تفتح له آفاق التعرف على ثقافات الشعوب وعاداتها، وهي تغني ذائقته الجمالية والفكرية بما تحمله له من معان ودلالات، وتسد ثغرة واضحة في التأليف للطفل في آن معاً، وخصوصاً أننا نلمس شحاً في هذا النوع من التأليف.
ويبين الأديب الشاعر قحطان بيرقدار الذي أدار ندوة” أدب الأطفال والترجمة” في ملتقاه الثقافي الشهري في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، أن الحاجة كبيرة للترجمة، لأن الذين يكتبون للأطفال في العالم العربي هم قلة، وللأسف تتميز معظم هذه النتاجات بالتشابه والتكرار، لذا الترجمة ضرورية لنحصل على نصوص جديدة وجيدة يمكن أن نضعها بين يدي أطفالنا.
وأضاف: لا شك هناك معايير وضوابط للترجمة أهمها ألا يخالف واقع مجتمع الطفل وبيئته، وأن يعنى هذا الأدب باللغة العربية السليمة، مع المحافظة على روح النص، ويراعي أيضا أن تكون هذه النصوص جاذبة للطفل وتثير اهتمامه، سواء كانت مؤلفة أو مترجمة، ويبدو ان اللغتين الفرنسية والإنكليزية الأكثر ترجمة من اللغات الأخرى، رغم توجه البعض إلى الترجمة مؤخراً عن اللغات الروسية والإسبانية وغيرها.
– نحتاج أدباً يحمل قيماً سامية..
وفي الجلسة الحوارية التي ضمت مجموعة من الكاتبات المترجمات للأطفال” بينت تانيا حريب أن الجذور الأولى لأدب الأطفال تعود إلى أساطير وحكايات شعبية قديمة تناقلتها الألسن جيلاً بعد جيل، بالإضافة إلى بعض الكتابات والنقوش والصور التي خطها المصريون القدماء على ورق البردي وجدران المعابد، ويقال إن وولت ديزني السينمائي الشهير استوحى شخصياته من زيارة قام بها إلى مقابر المصريين القدماء، ورأى بعض قصص الأطفال المصورة.
وأضافت هناك العديد من قصص الأطفال التي وصلت إلينا من مثل” خزائن الحكمة الخمس، كليلة ودمنة وخرافات إيسوب اليوناني، الساحرة الشريرة، فرخ البط القبيح، الأميرة وحبة الفاصولياء” وكان المسرح رائداً في عروضه للأطفال.
ولكن تشير المراجع أن أدب الأطفال جاء متأخراً في الوطن العربي، وربما نذكر ما كتبه سليمان العيسى ودلال حاتم، وجميعنا يدرك أهمية أدب الأطفال، لأنه يسهم في تكوين شخصية الطفل من النواحي الفكرية والنفسية والاجتماعية واللغوية.
وتجمع الدراسات أن أدب الأطفال يصنف من أصعب ميادين الكتابة، ويتطلب توفر مزايا معينة في المؤلف أو المترجم، ومن أهمها أن يكون الكاتب صاحب موهبة إبداعية وخيال واسع وثقافة متعمقة بالبيئة التي ينشأ فيها الطفل والقيم السائدة فيها، ولديه القدرة على مواكبة تطور المفاهيم والنظريات العلمية والتربوية.
أما الصعوبات التي تواجه مترجم أدب الأطفال فأولها إيجاد مصدر لانتقاء النصوص المناسبة، لاسيما بعد ارتفاع أسعار الكتب في المكتبات، وتأمل حريب أن تولي الجهات المعنية العامة والخاصة اهتماماً أكبر بهذا الشأن من خلال توفير النصوص الأصلية التي يصعب على المترجمين عليها.
وتخلص حريب إلى ضرورة التزام المترجم بقيمنا الأخلاقية التي ترسخ حب الخير والإيثار والصدق في التعامل، لنقدم للطفل العربي أدباً يحمل قيماً سامية من دون إهمال الجوانب التربوية والترفيهية.
– إجراء وقائي..
وتحدثت الأديبة آلاء أبو زرار عن أهمية الترجمة بتصرف باعتباره خياراً يلجأ إليه المترجم ليتفادى الكثير من المطبات التي تعيق بلورة قصته المترجمة بصورة مناسبة، والتصرف يعني التعديل أو الحذف والإضافة والتطويع وفقاً لثقافة الطفل القارىء مع احترام النص الفكري الذي قدمه الكاتب الأصلي لنقله بأمانة.
وتضيف: لاشك أن ترجمة أدب الطفل ما بين أمانة النقل وحرية المترجم هي معادلة حساسة يجدر بالمترجم موازنتها بدقة لدى ترجمته لقصة موجهة للطفل العربي، فالمترجم يملك عيناً سحرية تتخيل الطفل المتلقي وتتصور توقعاته، فتتوجه بوصلته نحو هذا الطفل القارىء مع مراعاة الترجمة لغوياً وفكرياً، فإن استطاع المترجم امتلاك هذه الرؤية فإنه بلا شك سيتمكن من إنجاز المهمة.
أما الجانب الإيجابي في الترجمة بتصرف فهو إجراء وقائي يتخذه المترجم ليحمي الطفل من التعرض لمحتوى غير لائق يشوه طفولته البريئة، وربما يجد البعض فيه سلبية بأن التصرف إجراء يحرم الطفل من الاطلاع على الثقافات الأخرى، ولكن ما بين التوطين والتغريب نجد أن الإبداع يتفوق، من حيث قيامه بصياغة جديدة وتغيير أسماء الشخصيات وإضافة أحداث بسيطة من روح النص، لذلك كفة الترجمة بتصرف ترجح في الجانب الإبداعي.
وتخلص أبو زرار إلى ضرورة الاهتمام بأدب الطفل لنبني جيلاً يمتلك مكتبة تزخر بأجمل وأقوى الأعمال الأدبية من مؤلفات ومترجمات.
– نبحث عن الفائدة والمتعة..
وبينت الأديبة ثراء الرومي أن من الأهمية بمكان اختيار القصة التي يراد ترجمتها بعناية، دون الوقوع في فخ الصور الجذابة، فالهدف أن نجد القصة التي تقدم الفائدة والمتعة وتحوي مادة غنية بالقيم والمفاهيم يقرأها الطفل دون الحاجة إلى رقابة.
والأهم الانتباه إلى عدم نشر ثقافة التنمر والقسوة والعنف ورفض الآخر، والابتعاد عن قصص الحزن والكآبة، ويجب أن نعترف أن اختيار النص من أكثر المهام الشاقة التي يتصدى لها المترجمون.
ونوهت بدورها إلى ما ينشر في بعض المكاتب الخاصة من كتب مترجمة بعيدة عن الرقابة، وكذا ما نجده على الرصيف التي تهدف إلى الربح، وتتعامل مع كتاب الطفل كسلعة فقط، وأيضا ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي وما يحمله من كوارث لغوية، ما يقتضي التصدي لهذه الظاهرة من أجل حماية الأطفال من سموم قد تدس في الدسم.
وأشارت إلى أنها ترفض العديد من القصص رغم قيمها الجمالية، لأنها تحمل صوراً فجائعية وحزينة لا يمكن للطفل تقبلها، أو أنها تحمل عنفاً وقسوة في مضمون القصة، من مثل قصة حكاية أم.
وطلبت بدورها إيجاد قاموس ترجمي جامع لمفردات الطفولة التي هي من السهل الممتنع كي لا يقع العديد من المترجمين في فخ الاستسهال، وضرورة إقامة ورشات ترجمة لتأهيل مترجمين مختصين بالترجمة للأطفال، وتعزيز دور الترجمة وتعميم أهمية الكتاب المترجم كسفير للتعرف على ثقافة الآخر بما يغني ثقافتنا ويدفعنا إلى تبادل المعارف والخبرات.
– مراعاة قدرات الطفل اللغوية..
وتوقفت المترجمة كاتبة كاتبة عند دور الدبلجة لأدب الأطفال، وبينت أن الترجمة والدبلجة كلاهما يستهدف الطفل، وعلى المترجم مراعاة قدرات الطفل اللغوية وقدرته على الفهم والاستيعاب والتحليل، واتباع البساطة، لعدم كفاءة الطفل الثقافية والمعرفية والعلمية.
وتضيف: لاشك هناك تحديات تواجه المترجم أثناء الدبلجة وأهمها اختيار النص أو الفيلم الكرتوني، وغياب قواميس الكلمات الشائعة في لغة الأطفال، والأهم ضرورة تطوير مهارات كاتب أدب الطفل لتواكب تطبيقات اللوح الرقمي بما تملكه من إبهار صوتي وموسيقا ورسوم متحركة.
وبينت أن الاستراتيجية المتبعة في الدبلجة هي استراتيجية التغريب على حساب التوطين وتهدف إلى المحافظة على العناصر الثقافية في النص الأصلي، بما يتناسب مع أهداف أدب الطفل المتمثل في التعرف على ثقافات الشعوب.
وأشارت إلى أهمية الدبلجة في تعلم اللغة العربية، فهي مصدر جيد وممتع للأطفال لما تقدمه من مهارات على شكل قصص تستمد حركتها من الواقع الإنساني وتعمل على توعيتهم وتثقيفهم وتوسيع مداركهم العقلية، تسهم في تنمية مهارة التحدث كأحد الفنون الأربعة للغة العربية بعد الاستماع والقراءة والكتابة.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات