“تحت ظل الأخيلة” ديوان يأتمن الشّاعر ياسر فايز المحمد فيه نفسه على توثيق انفعالاته الشّعرية (نقلاً عن تشرين)
تشرين – لمى بدران:
مرّات قليلة جدّاً يذهب ابن محافظة حماة الشاعر ياسر فايز المحمد لقصائده من تلقاء ذاته، فالقصيدة عنده كالغيمة لا يمكن التّحكم بموعد هطول مطرها، ويشبّه طقس دفقته الشّعورية بطقس الولادة المفاجئة، وما يسبقها عبارة عن مخاض متقطّع…
عندما يجيب الشّاعر بشعره تكون إجابة أشفى ما يمكن أن تكون، وهذا ما أجابنا به الشاعر ياسر حول كيفيّة ارتدائه ثوب القصيدة وكتابتها، وعن المدّة الزمنيّة التي استغرقها لإنجاز ديوانه الجديد الذي صدر هذا العام بعنوان “تحت ظل الأخيلة” فقال:
يَزورني الشّعرُ بين الحين والحينِ
ولست أملكُ إلّا لهفة الطّينِ
فإن تقدَّم نحوي كي يجرّدني
من ثوب عقلي ويسري في شراييني
قدّمت روحي له واخترت قافيتي
شوق الحمام إلى يخضور زيتوني
وقلتُ للقلبِ خبّئ خيبةً سكنت
بين الضّلوعِ وأَسكِت نايَ محزونِ
و(دَوزنِ) العمرَ قمحاً خانهُ مطرٌ
واعبُرْ رغيفاً إلى حيِّ المساكينِ
واخلع حنينك كي تحيا بلا وجعٍ
وانزفْ فؤادك فوق حشاشةِ التّينِ
فما شموخكَ إلّا خِدعةٌ غَرقتْ
في بحرِ دمعكَ بين الحينِ والحينِ
بين مواضيع الحزن والرحيل والغياب والأحلام والحنين والذكريات والبعد وغيرها من الموضوعات المطروقة في الديوان، والتي قد تجعلنا نتّجه نحو الاعتقاد بأن الكاتب ينزع نحو الألم وإظهار الواقع المرير، يَعدّ الشّاعر ياسر أن حساسيّة الشاعر قد تُظهره للآخر متشائماً، فهو ليس سوداوياً وللأمل مساحات واسعة في وجدانه، وإنّه مسكونٌ بالشجن، سريع الحزن، سريع الغضب، سريع الرّضا، وينتابه وجع البلاد ومشاهد الدمار التي خلفتها معاول الجرب المدمرة الظالمة على وطننا، ويَقلقُ من ذلك السّوس الذي ينخر قيمنا ويحاول تدمير هويتنا، ويتابع لتشرين: أُنشّد العدل والحب، وأمقت المتاجرين بدم الشهيد، والمدّعين زوراً وبهتاناً النّفاق والولاء المزيّف للوطن ورموزه، والسارقين لقمة الفقير، ومما كتب في هذا الديوان:
أمسِ التقينا تحتَ ظلّ الأخيلة
أنا واليراعُ وطيفُ أنثى مذهلة
عَبرَتْ جدارَ الفكرِ وانثالتْ رؤىً
خرساءَ تزرعُ في ظنوني أسئلة
وتدكُّ من فرطِ التّحيّزِ مهجتي
لأكونَ كالطّمّاح عانى الزّلزلة
وأغوصَ في قعرِ انكساري صاغراً
وأصيرَ في لغز الإجابة معضلة
لم يخلُ ديوانه من القضايا الوطنيّة التي قد تعني كل مواطن عربي ينتمي فعلاً لعروبته، لذلك كتب عن غزة الذي يعتبرها كبرياءنا المذبوح على خشبة الخذلان العربي وانهزام الإرادة العربية،أَقتبس لكم منها:
تحايا الصّبرِ يا (غزّةْ)
أيا طوداً من العزّةْ
تحايا الودِّ من ( بردى)
من (القابون) و(المزّةْ)
من (الخابور) أحزنهُ
شقيُّ يبتغي حَزّهْ
من الجرح ال(سَّرى) فينا
وأهدى للمدى نزّهْ
ويصرخُ ملءَ حنجرةٍ:
(كُثيِّرُ) ما حمى (عزّةْ)
من النّادر جداً أن يغيّر الشّاعر ياسر في عباراته أو كلماته التي ينزفها على الورق، فهو يأتمن نفسه على توثيق انفعالاته الشعوريّة، ويعتبر التغيير خيانة لمشاعره وروحه، لذلك نستطيع أن نقول إن “تحت ظل الأخيلة” هو ديوان انصبّت فيه الأحبار عذراء لم يمسسها أي تغيير، ويتمنى تسليط الضوء النقدي بصورة أوسع على هذه التجربة الشعرية، رّغمَ أنه يرى أن المشهد الثقافي عموماً في مختلف أجناسه، وفي ظل غياب النقد الموضوعي الواعي يعيش للأسف انحداراً حادّاً في مخططه البياني.
وصلتُ إلى أن أذكرَ لكم أن هذا الديوان المٌؤلَّفْ من أكثر من مئة صفحة من القطع المتوسط، والمهداة إلى والدته وزوجته وابنتيْهِ ونجليْهِ، هو الديوان الثالث للشاعر بعد “وحيداً…أسيرُ” و”جرّة عطش”، وإن ياسر فايز المحمد هو عضو اتحاد الكتاب العرب وماجستير في الهندسة المدنية/اختصاص هندسة وإدارة الموارد المائية، ولديه حالياً مادة شعريّة قد تغطي عدّة دواوين أخرى.