الندوة الوطنية للترجمة تبدأ أعمالها (نقلاً عن الثورة)
لأن الترجمة فعل مثاقفة وحضارة وقدرة على تشابك الثقافات ونقل المعارف والعلوم تطورت وغدت من أهم جسور التواصل.
ومن المعروف أن العرب كانوا أول من اهتم بالترجمة منذ العصور القديمة.
واليوم تتابع الهيئة العامة السورية للكتاب الأمر وتنشط في مجالات الترجمة والتنظير لها وتعقد ندوتها السنوية حولها.
فقد انطلقت اليوم برعاية السيدة وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح، وتحت عنوان (أثر الترجمة في الحركة الأدبية والفنية في العصر الحديث)، انطلقت فعاليات الندوة الوطنية للترجمة التي تقيمها وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب، بالتعاون مع جامعة دمشق – المعهد العالي للترجمة، ومجمع اللغة العربية، واتحاد الكتّاب العرب، واتحاد الناشرين السوريين في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق؛ وذلك بحضور المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور نايف الياسين، ونائب رئيس اتحاد الكتّاب العرب الأستاذ توفيق أحمد، ومديري هيئة الكتاب، وعدد من أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب، وحشد من المترجمين، والمهتمين بالشأن الثقافي، والإعلاميين.
بدأت الندوة فعاليتها برسالة المترجمين السوريين في اليوم العالمي للترجمة التي قدمتها المترجمة كاتبة كاتبة ووجّهت في مطلعها أجمل التهاني إلى المترجمين في سورية والوطن العربي والعالم بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للترجمة، وأكّدت على الدور الذي يلعبه المترجمون في تفعيل التواصل بين الحضارات، ونقل آداب العالم وفكره وفنه إلى الآخر، وبناء جسور السلام والتعاون، وفتح نوافذ فكرية ومداخل حضارية. وعرجت على الجهود التي يبذلها المترجمون السوريون في سبيل تحقيق طموحاتهم وأحلامهم، والنهوض بواقع الترجمة في سورية. لتختتم حديثها بتوجيه الشكر إلى المؤسسات كافة التي تُعنى بالترجمة، وتعمل على تطوير واقعها عبر تضافر الجهود التي تسعى إلى تأهيل جيل جديد من المترجمين في مجالات الترجمة المختلفة، وإثراء حركة الترجمة، وإصدار الكتب المؤلفة والمترجمة إسهاماً في تطوير الحركة الفكرية والثقافية في سورية.
من جانبه رأى الدكتور نايف الياسين المدير العام لهيئة الكتاب أن الترجمة أثّرت في الحركات الفنية والأدبية في العصر الحديث؛ فأنواع أدبية مثل المسرح، والرواية، والقصة القصيرة، والشعر الحر لم تكن لتُعرف لولا الترجمة، كما أن مفاهيم مثل الحداثة وما بعدها، والبنيوية وما بعدها، والتفكيكية، والاشتراكية، وسواها كلها مستوردة ومترجمة. وأردف: “وهذا لا يُعدّ عيباً؛ فالحضارة الصينية الحديثة، والحضارة اليابانية الحديثة هما حضارتا ترجمة، ولا ينتقص هذا من قيمة وأهمية هاتين الحضارتين، بل على العكس يظهر قدرتهما على التعلّم والتكيّف والاستمرار في تحقيق التقدم”. وتابع مشيراً إلى الدور الحضاري الذي لعبته الترجمة في إغناء الأدب العربي قائلاً: “وتقوم الترجمة بدور حيوي في ذلك… ويتضح هذا بجلاء في الأثر العميق الذي أحدثه الأدب الحداثي في مطلع القرن العشرين على الأدباء العرب، وأدى إلى ظهور حركات أدبية تجريبية وطليعية”. وختم الياسين كلامه بالقول: “إننا في الهيئة العامة السورية للكتاب نولي الترجمة اهتماماً كبيراً، ضمن الإمكانات المتاحة. ونحرص من خلال الخطة الوطنية للترجمة على اختيار الكتب المتميزة، التي تتناول أحدث الاتجاهات الفكرية والأدبية المعاصرة لننقلها إلى القارئ العربي”.
افتتحت الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور فؤاد الخوري أوراق عملها بورقة قدمها د. غسان السيد تناولت موضوع الترجمة والنقد العربي الحديث، واتخذت من المنهج النفسي أنموذجاً؛ إذ بيّن د. السيد في هذه الورقة أن المناهج النقدية الحديثة دخلت إلى الأدب العربي من باب الترجمة، وكان النقد النفسي أحد هذه المناهج التي جاءت من مجال التحليل النفسي، ودخلت بقوة مجال الأدب منذ مطلع القرن العشرين، ولا سيما بعد أن نشر فرويد كتابه الذي يحمل عنوان (تفسير الأحلام). كما ميّز فيها بين استخدام علم النفس في تفسير النص الأدبي ونقده وبين الملاحظات النفسية التي كانت معروفة في النقد العربي القديم، كما تطرق إلى المحاور التي استند إليها فرويد في دراساته النفسية، ودورها في نقد النصوص الأدبية.
بدوره تصدى د. عقيل محفوض في ورقته لسياسات الترجمة، وكيف تكون في أوقات الأزمات الكبرى، موضحاً أن الحديث عن الترجمة لا ينبغي أن يقتصر عما نترجم نحن فحسب، بل عما يترجم عنا من قبل الآخر، وكيف يترجم الغرب أحوالنا، وماذا يترجم، وماذا يقول عنا.
أما د. زبيدة القاضي فقد توجهت في ورقتها للحديث عن دور الترجمة في انتشار المذاهب النقدية ونقلها إلى التقافة العربية، مشيرةً إلى تأثير هذه المذاهب التي وصلتنا عبر الترجمة على عدد من النقاد العرب الذين اعتمدوها في تشكيل تياراتهم النقدية، وفي تطبيقاتهم على الأعمال الأدبية، لتخرج بجملة من النتائج والتوصيات تتلخص بضرورة تكثيف أعمال الترجمة في مجال النقد، ومضاعفة جهود
الباحثين من أجل حلّ إشكالية ترجمة المصطلح النقدي، وتوحيده بين الدول العربية.
ومن الجدير ذكره ختاماً أنه قد رافق الندوة معرض كتاب للكتب المترجمة الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب ويستمر طوال أيام انعقادها.