الحكاية الشعبية إرث ثقافي متجدد (نقلاً عن البعث)
آصف إبراهيم
يذهبُ أغلب الباحثين إلى كون الحكاية الشعبية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، سواء العربي منه أو العالمي، إذ لكلّ شعب حكاياته الخاصة التي ينفرد بها، كما يشترك من خلالها مع حكايات باقي شعوب العالم، لما تحمله من مبادئ وقيم إنسانية مشتركة، لعلّ هذه الخاصية هي التي جعلتها مادة خصبة للدراسات المقارنة، ومنحت للمنهج المقارن أهمية متميزة في مقاربة الحكاية الشعبية خاصة والنصوص الأدبية بشكل عام، وفي سورية بحث عدد من المهتمين في هذا الشأن منهم الدكتور أحمد زياد محبك الذي درس الحكاية الشعبية في منطقة حلب، والدكتور نزار أسود تناول الحكاية الشامية، والأديبة سلمى السلمان التي درست التراث الحكائي في المنطقة الساحلية.
حول هذا الموضوع توقفت الأديبة أميمة إبراهيم، رئيسة فرع اتحاد الكتّاب العرب بحمص، في محاضرتها، وبدأتها بلمحة تعريفية، حيث تعدّ الحكاية جزءاً مهماً من ذاكرة الشعوب، وحاملاً للقيم الثقافية والاجتماعية في العصر الذي قيلت فيه، وعملاً أدبياً يتمّ نقله من جيل إلى جيل شفهياً، تعبّر عن جوانب من تراثه المادي والروحي. وهي طائر مهاجر تنتقل من بلد إلى بلد وفي كل بلد تحلّ فيه تكتسب أحداثاً جديدة ويأخذ أبطالها أسماء وصفات جديدة.
استطاع الإنسان من خلال الحكاية أن ينقل كلّ تصوراته ومعتقداته وعاداته وتجاربه في الحياة، وأن يقدمها بأسلوب قصصي مشوّق، لقد كانت الحكاية الوسيلة التي عبّر بها عن مغامرات الصيد والغزوات والحروب، وكانت خير ما يستعين به على قضاء الوقت، ومازالت الحكاية حتى الآن لها مكانتها وسحرها وأهميتها، تتعدّد أشكال روايتها وأساليب تلقيها، ومهما اختلفت الأزمنة وتعدّدت فإنها تبقى رفيقة البشر منذ أساطير بلاد ما بين النهرين والرومان والإغريق، إلى كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة، إلى حكايات هوفمان والإخوة غرين وأندرسون. ولا تحتاج الحكاية إلى التركيز على اللغة الفصيحة من دون اللهجة المحكية، فهذه الأخيرة هي جزء من التراث الشعبي الموروث الذي يجب أن يتأصل في شخصية الطفل واليافع، فمن القص الشعبي تعرفوا على خصائص بيئته ومجتمعه ومكوناتهما، ومنه نستلهم الكثير من العادات والتقاليد. وتتنوع الحكايات والقصص في إطارها الحكائي التوجيهي، وغالباً ما تتفق جميعها على تجذير القيم والمفاهيم الأخلاقية وهذا يقتضي حسن اختيار الحكاية، فهي نتاج تجارب الإنسان في الحياة، تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق رواية يلقيها على جماعة من المتلقين، وهكذا يتناقلها الناس، فيلعب الخيال الشعبي دوراً مهماً في صياغتها وفي تأطير بعض أحداثها التاريخية وشخصياتها بالمبالغة والغرائبية.
وختمت إبراهيم بدعوتها إلى إعادة النظر في تراثنا الغني بحيث نرصد المادة التي يمكن أن نقدّمها للأطفال، فنبسّط اللغة ونقترب بها من لغة الطفل ومعجمه وقدرته على الاستيعاب، ورأت أن تراثنا العربي تعرّض لظلم فادح، فقد أغفل المستشرقون والمؤرّخون مدى مساهمة العرب في التراث الإنساني الأدبي ليوهموا أن الأمة العربية لم تستطع أن تقدم للإنسانية مساهمة فعالة في هذا النوع من الأدبيات، وأن العقل العربي ظلّ قاصراً عن الإبداع، ورغم أن غيرنا قد غرف من معين تراثنا حتى أفقده صفته الحقيقة، إلا أننا لا نزال نقف على شاطئ هذا التراث العظيم، ننهل مما تحمله إلينا الأمواج. ومن هنا ندعو للعمل على حفظ تراثنا الحكائي الشعبي بوصفة قيمة أدبية ثقافية، والحفاظ على الحكايات هو عمل ثقافي مهم نحفظ به إرثاً للإنسانية جمعاء.