التنظيّر في الشعر العربي.. ابن الرومي بين السخرية والتطيّر (نقلاً عن الثورة)
الثورة – سلوى إسماعيل الديب:
ابن الرومي شاعر عباسي كبير شهدت حياته الكثير من المآسي، التي انعكست آثارها على قصائده، كان للدكتور أحمد دهمان على منبر فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب، وقفه على جانب من حياة هذا الشاعر الكبير بعنوان “ابن الرومي بين التطير والسخرية”، بحضور نخبة من أعضاء الاتحاد ورواده.
يقول دهمان: كان ابن رومية مفرط التطيّر شديد الغلو بها، بل كان يجنح لها مستنداً إلى مواقف وأقوال ذكرها الحصري القيرواني: كان يهجو من يعنفه بسبب تطيره، فيقول: أيــهـا المُـتْـحـفِـي بـحُـولٍ وعُـورٍ أيـن كـانت عنك الوجوهُ الحسانُ
لا تـهـاوَنْ بـطـيـرةٍ أيُّهـا النَّظْ ـارُ واعــلم بــأنَّهــا عــنــوان
فكان تؤذيه إيذاء شديداً رؤية جاره الأحدب، وكذلك اللحى حين تخرج عن مقدارها الطبيعي، ويهجو أصحابها هجاء مرّاً ساخراً لا نظير له في أدبنا العربي من ذلك قوله في هذه المقطوعة الهزلية يهجو لحية أحدهم:
إن تطلْ لحيةٌ عليك وتعرض فالمخالي معروفةٌ للحمير
علَّق الله في عِذاريك مِخْلاةً ولكنـــــها بغيـــر شعيــرِ
وتلك جرأة وحماقة منكرة عندما يشبه اللحية بمخلاة حمار، بعد أن طالت حتى غدت فرجة للناس، يشيرون إليها بأكفهم وأصابعهم متعجبين، لكن ابن الرومي الذي كان يتطير من كل شيء قبيح في نظره، فالعين تعجز عن تحمل رؤية البشاعات فتولون هاربة لتحمي الجفون من خطر القبح..
وتساءل دهمان لماذا ابن الرومي متشائماً وسوداوياً، قلقاً، غريب المزاج، تسيطر عليه المخاوف المرضية الجسمية والنفسية؟ كان أنموذجاً للشعراء المتطيرين؟
يجيب دهمان: كان ابن الرومي بن العباس بن جريح مولى لعبد الله بن عيسى بن جعفر المنصور، من كبار الشعراء العباسيين، ومن الذين كان بهم علة سوداوية، كما يذكر المرزباني: كان يَلمحُ بالنظرة الحادة النقائض والعيوب الجثمانية على وجه الخصوص عند خصومه ، فيصوغها في هجاء مرير لاذع، بيد أنه يصوّر بهذه النظرة اللماحة نفسها صور البهجة، والحياة السعيدة كذلك، وقادر على صياغة الأحاسيس والعواطف الصادقة، ويشهد على ذلك رثاء ابنه محمد، كما يقول العقاد: كان شعره تاريخاً صادقاً لحياته وصفاته وسلوكه، كان سوء الحظ يرافقه في حياته كلها، بالإضافة لكونه غير محبب للناس، وحاد المزاج مضطرب..
لم يدع ابن الرومي غرضاً شعرياً إلا وقال فيه فكان بحق نابغة عصره وكان متميزاً بالرثاء الحار الصادق، الإنساني النزعة، لأنه مدفوع بتجربة شعرية ذاتية، وعرف عنه الهجاء الكاريكاتيري الساخر، والطعن بمهجويه، الذين أبرَّزهم في أشكال مشوهة مضحكة مبكية، مستخدماً أسلوب التصوير الذي يضخم العيوب ويبالغ في وصفها.
أما عن عقيدته فعرف عنه كشعراء عصره البغداديين متشيعين، كان يتعاطى الفلسفة وعلوم عصره، وميالاً إلى آراء وعقائد لا تخلو من التناقض لما عليه من اضطراب العقل، ولاشك أن إنساناً فناناً عالماً، كهذا ينبغي أن تكون له منزلة رفيعة، انطلاقاً من شعره وشاعريته، فقد عدة صاحب الموشح ” أشعر أهل زمانه بعد البحتري، وأكثرهم شعراً، وأحسنهم أوصافاً، وأبلغهم هجاءً، وأوسعهم في سائر أجناس الشعر وضروبه وقوافيه”