استنبولي: الأدب الروسي أشبه بغابات سيبيريا والمترجمون لم يستخرجوا من لآلئها سوى القليل (نقلاً عن تشرين)
ثناء عليان
تحت عنوان “الأدب والسلطة في الأدب الروسي” ألقى الدكتور إبراهيم إستنبولي محاضرة في فرع اتحاد الكتاب العرب بطرطوس أشار فيها إلى أن تاريخ الأدب الروسي كان على الدوام وفي العموم نضالًا ضد الظلم والاستبداد، وهو أشبه بغابات سيبيريا وما فيها من ثروات، والمترجمون لم يستخرجوا ولم يترجموا إلى العربية من لآلئها سوى القليل.
أدب المسحوقين
ويرى مترجم “كبرياء جريح” أنّ الأدب الروسي عموماً، والكلاسيكي خصوصاً، كان ومازال من أكثر الآداب العالمية حضوراً وقراءة وتأثيراً لدى شعوب الأرض كافة، والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى أنَّ الأدب الروسي– بخلاف الأدب الفرنسي أو الإنكليزي وغيرهما– كان الأكثر التصاقاً بالإنسان المسحوق والمهان والمظلوم، كما عند “دوستويفسكي”، كما أنه كان على الدوام حاملاً ورافعاً للمثُل العليا والقيم السامية والنبيلة التي دعت إليها وشددت عليها الأديان على اختلافها، ودعا إليها الحكماء والفلاسفة على مرِّ العصور.. ويعتقد مترجم “الرجوع إلى القلب” أنه لا يوجد أدب آخر يمكنه أن يجاري الأدب الروسي في ارتباطه بالخير والعدالة والجمال الروحي، يكفي أن نذكر هنا المعلمّ الكبير تولستوي، وتشيخوف المذهل في طيبته ورقّته ووداعته وعذوبة سرده ونقاوة أبطاله.
العصر الذهبي
وبيّن صاحب “سِوار العقيق” أن الأدب الروسي في القرن العشرين أو ما يعرف بالقرن الفضي للأدب الروسي، لأنهم يعتبرون زمن الأدباء الأوائل والمؤسسين من أمثال بوشكين وفيازيمسكي وغوغول وليرمنتوف وتولستوي ودوستويفسكي هو العصر الذهبي لذلك الأدب، حيث ظهرت مجموعة من أعظم كتاب الرواية والشعر في العالم، وكانوا شجعاناً في كل شيء بدءاً من التجريب الشعري وانتهاء بالموقف السياسي والوطني والإنساني، كفاليري بريوسوف والكساندر بلوك، وآنا أخماتوفا ومايكوفسكي، أوسيب مندلشتام وغوميليف، ومارينا تسفيتاييفا وسيرغي يسينين.
أدباء محظورين
وفي النثر كان “إيفان بونين” سيد النثر وآخر الكتاب الكلاسيكيين و”الكساندر كوبرين، مكسيم غوركي وبسترناك، بولغاكوف ونابوكوف” وغيرهم، معظم هؤلاء كانوا محظورين أو ممنوعين في زمن الاتحاد السوفييتي لأسباب إيديولوجية أو لأن الجهات الوصائية كانت ترى في أعمالهم انحرافاً عن مهام الأدب الاشتراكي والواقعية الاشتراكية، لذلك لم يتم تسليط الضوء على إبداعهم ولم تترجم أعمالهم إلى العربية ما عدا بعض الاستثناءات، وبعد انهيا الاتحاد السوفييتي أصبحت أعمالهم مثار اهتمام المترجمين ودور النشر في العالم ككل وفي البلدان العربية.
اهتمام عالمي وعربي
ثم تتالت الترجمات –بحسب مترجم “ديوان الشعر الروسي” وظهر اهتمام عربي وعالمي بأشعار “آنا أخماتوفا” أيقونة الشعر الروسي في القرن العشرين، و”مارينا تسفيتاييفا” قديسة الشعر الروسي في القرن العشرين، و”سيرغي يسينين” الذي أطلقت عليه لقب “كمنجة روسيا الحزينة”، ولا بد من الإشارة إلى أن “مايكوفسكي” الذي كان قاطرة الثورة البلشفية وبوقها في الشعر وفي الدعاية الحزبية والسياسية ، أما “أوسيب مندلشتام” فلم يسمع أحد به في العالم العربي من قبل، مع العلم أنه أيقونة شعرية ويعتبره النقاد في الغرب أحد أقوى الأصوات الشعرية، وهناك العديد من الشعراء الآخرين الذين لا يعرف عنهم القارئ العربي شيئًا إلّا ربما في السنوات الأخيرة ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
أما في مجال النثر فلم يعرف الأدب الروسي – داخل الاتحاد السوفييتي – كتاباً كباراً في النصف الأول من القرن العشرين باستثناء عدد قليل نسبياً مثل “بولغاكوف وبسترناك وشولوخوف”، أو على الأقل لم يترجم منهم أحد إلى العربية. وكانت ترجمة الأدب الروسي تقتصر على الأعمال الكلاسيكية. أما الباقين فكانوا غالبًا يعيشون ويعملون في المهجر.
مرحلة بان الجليد
ويذكر مترجم “احفظوا الأصدقاء” أن الأدب السوفييتي انتعش في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات أثناء ما يعرف بمرحلة و”بان الجليد”، عندما خففت السلطة السوفياتية من قيودها على النشاط الأدبي، فراح جيل جديد من الكتاب والشعراء ينظمون مهرجانات شعرية حاشدة، حيث كانت الملاعب والصالات تعج بالناس الذين جاؤوا لكي يسمعوا ما عرف بجيل الشباب أو جيل الستينيين من الشعراء أمثال: يفيني يفتوشينكو وبيلا أخمادولينا وروبرت روجديستفينسكي وفلاديمير فيسوتسكي وبولات أكودجافا غيرهم، لكن سرعان ما حدث انقلاب في السلطة وجاء ليونيد بريجنيف فألغيت التسهيلات وعادت القيود من جديد على الإبداع وعلى النشر.
ما بعد الانهيار
ويؤكد المترجم إبراهيم استنبولي أن الأدب الروسي عاش مرحلة تشتت وضياع في تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، وعاش مرحلة انحطاط كامل، إذ غاب الأدب الجاد والوطني وحلّ محله الأدب المبتذل والإباحي الخ، لافتاً إلى أن العديد من الكتّاب ظلوا متمسكين بتقاليد الأدب الروسي الجمالية والأخلاقية قد تم إزاحتهم تماماً من قبل الجهات الرسمية والطغمة المالية المسيطرة على كل شيء، على الإعلام ووسائل الدعاية والنشر وعلى المؤسسات المعنية بالنشاط الثقافي والأدبي، ووصل الأمر ببعض الكتاب الروس المعروفين في زمن الاتحاد السوفياتي للتوقف عن الكتابة لأنهم لم يجدوا ناشراً لأعمالهم، ولم يتحسن الوضع إلا في مطلع القرن الحالي، حيث بدأت تتبلور فعاليات ومبادرات شخصية لمسؤولين ولأثرياء على أرضية وطنية سليمة.