أسمهان الحلواني: الكتابة شغف أخذ لبَّها (نقلاً عن الثورة)
الثورة – رفاه الدروبي:
وجدت الروائية والشاعرة أسمهان الحلواني في الكتابة عبارة عن شغف أخذ بلبِّها وجعلها تغفو بين سطور الحكاية وتحلم بين ثنايا كلمات الشعر فذابت عذوبة وشغفاً.
– الكتابة غواية..
التقت “الثورة” مع الحلواني لتأخذنا في رحلة مع الكلمات، فقالت مستندة إلى كلام أحد الكتّاب: “إنَّ الكتابة غواية فهناك ما يغويك بأن تكتب رغماً عنك، وتغوي مريدك بقراءة ما تكتب كونها مداهمة أفكار تأتي لتفرض نفسها في فكرك كأمواج المد، وتجعلك تستقل خشبة القلم لتنجو وتصل جزيرتك الخضراء”، حدث معها منذ نعومة الأظفار، بدأ في المدرسة من خلال ماتخطه من واجبات موضوعات التعبير فهناك اكتشفت ملكة الكتابة عندما حصلت على إطراء عال من معلماتها على مدى سنوات الدراسة حتى حصولها على الشهادة الجامعية في كلية الصيدلة لتتابع شغفها في اللعب بالحروف وكأنَّها لعبة شطرنج تحركها لتلامس أحاسيسها لم يكن منفصلاً نفسه عن الفن فكانت توءمة الكلمات تعتني بالرسوم المرافقة لها خطتها بقلم الرصاص والفحم حتى تطورت للون وجدت فيه قيمة ثمينة تعبيرية سامية.
– الومضة بدأت بالخاطرة..
الدكتورة الحلواني تابعت حديثها.. إنَّ الازدواجية ذاتها كانت بين اللون والحرف ميزة ترافق مخيلتها، وبالتأكيد هذَّبتها الأيام وخبرات الحياة التراكمية فكان التطور يقطع أشواطه بخطوات منفرجة مع نهمها للقراءة والاكتساب فقرأت كلّ ما يقع عليه بصرها كالمجلات، منها: الأطفال في البدايات، ثم العربي، والقصص المتنوعة. ومع ازدياد الزخم أصبحت تطالع الصحف المتنوعة حتى الأجنبية منها حيث اكتشفت توجهها الإبداعي من لا يميل إلى التقريرية، وبدأت رحلتها مع الشعر المتنوع من موزون وتفعيلة و حر و نثر كما بدأ اهتمامها بالرواية.
– تعبيرات عذراء..
وأكّدت الحلواني أنَّها قرأت الشعر للعديد من الشعراء. وباعتبارها تميل لكتابة الشعر لم تقرأ شاعراً بكلِّ أعماله خشية التقولب بقالبه، بينما كانت بداياتها مع الشعر كتابة الخاطرة كونها تأخذ اللبّ بفكرة تدوّنها على الورق كنتاج بكري بلا تعديل أو تنقيح مع تطور الاطلاع والقراءة أصبحت الأفكار أكثر نضجاً، وبقيت الكتابة البكر، لكن بصور أكثر ابتكاراً؛ وتعبيرات عذراء لم يطأ أرضها أحد لتجعل لأسمهان بصمتها الخاصة، كان الشغف يزداد حين يشجعها من يقرأ لها فكانت أسرتها أول المشجعين باعتبار أفرادها يكتبون ويرسمون و ينحتون ويطرقون على النحاس.
إنَّه بحدِّ ذاته يخلق بيئة دافعة للإبداع والكتابة، أمَّا النشر فكان قراراً اتخذته بتشجيع من أبنائها و لابدَّ من القول إنَّها كانت خطوة أكثر من مسؤولة.
– الكتابة رسالة..
كما أوضحت أنَّها حين تكتب تبقى الكلمات ملك الكاتب، لكن حين تنشر تصبح كلماته ملك الجميع، ولديهم كل الحق بالنقد والتعليق والتأويل والمناقشة وإبداء الرأي، وأنَّ هناك من يصبح من مريدي الكاتب ويعتنق فكره وأسلوبه وبحد ذاته ما كان يحمّلها مسؤولية الكلمة والأبعد منها “الرسالة” فكتبت في الشعر مختلف الأنماط الموزون، التفعيلة، والنثر؛ لكنَّها كانت الأكثر ميلاً للشعر الحر من يحمل في ثناياه موسيقاه الداخلية، فتجعلها تراقص المعنى وبثوب شفيف يوارب تحته الجمال فكان المجاز والوجيز وكانت السمة الخاصة بها فتكتب بلا صنعة حين تحتدم الرؤى، وتدخل في غشية الحرف و الصورة ومن دون قيد، ولما كان اعتناق مبدأ الرسالة في فكرها الأدبي ملحاحاً، كانت تشعر أن الوجيز في الفكرة لا يكفيها وأنَّ هناك العديد من الأفكار أصبحت تستدعي منها التوسع والسرد وسبر الغور والبحث والتقصي والتفنيد والإضاءة على الجوهر المطلوب، فكان النسيج الروائي مآلاً و ملاذاً أدخلها في غار الرواية ولعلها لم تخرج منه حتى اليوم.
– الرواية نسيج..
وبيَّنت أنَّ للرواية سعةً ومجالاً كبيراً لطرح الجنون الأدبي لكن بطريقة مغايرة عن القطفة الشعرية الآنية واعتبرتها حالة نسج، كما عبَّرت عنها سابقاً تستخدم فيها ألوان الخيوط كشخصيات تتقمَّصها وتطرح من خلالها اختماراتها، وما ترسب في أرض معرفتنا من خبرات متراكمة حتى تبني البناء الشاهق من روحها و تنسج إشكاليات الحياة تلك النظرة الجمالية اعتنقتها فمكنتها من القيام بالعديد من الدراسات الأدبية والشعرية، وبالتأكيد ليس من منطلق نقدي أكاديمي بل من منطلق ذائقة حساسة لكلٍّ منها شذى ونكهة مما تقرأه الروح، ربَّما حصيلتها في النشر لا توازي المخطوط لديها لكن لابدَّ أن تأخذ الإصدارات القادمة حيزها من الوجود، إذ صدر لها مجموعة شعرية حملت البدايات والأشعار البكر وكانت بعنوان “ذاكرة الأرواح” لتكون ذاكرة جمعية تحمل إرهاصات روحها الممتدة وجزءاً لا يتجزأ من الروح الكونية الجمعية الخارجة عن الزمن، وكان العنوان جمعاً والذاكرة فرداً، أمَّا الديوان الثاني فكان مجموعة شعرية أيضاً بعنوان “وصايا الماء” حمل وصايا ماءات الدم والدمع والنسغ والمطر والنهر والبحر والعرق وكل شيء يكون سائلاً فينا متحجِّراً في مآقينا، فكانت نصوص المجموعة بتنوعها تحمل خصائص الماء من عذوبة وصخب وهدير وخرير، وتحمل رسالة العذب للقلوب العطشى واختراق الأرض حتى عمق الجذر لتزهر فينا حرية أوطان وفكر.
بينما انتقلت بالحديث عن تجربتها الأولى في مجال الرواية عنوانها “الرفيف إلى بوابة السماء”، وحملت المتناقضات وازدواجات الرؤى والمواقف وأسئلة وجودية كبرى تعوزنا الجرأة للإجابة عنها وفهمها، كما تناولت فترة الأزمة وتأثيراتها في مجتمعاتنا وانعكاسها على مواقفنا وصمودنا.
وأخيراً صدرت روايتها “لورانس” الحاملة في طياتها الكثير من الرؤى والطروحات المجتمعية، فكانت ممتدة على مساحة زمنية طويلة متمثِّلة بالأجيال ورقعة مكانية واسعة عبرت الحدود.