“أسلاك شائقة”.. كوميديا سوداء لم تغرّد خارج سرب حياتنا (نقلاً عن البعث)
أمينة عباس
لم يكن احتفاء المركز الثقافي العربي – أبو رمانة – بتوقيع المجموعة القصصية الساخرة “أسلاك شائقة” للدكتور محمد عامر المارديني وعقد ندوة عنها مؤخراً إلا رغبة في إحياء هذا النوع من الأدب الذي خفت وهجه في الأعوام الأخيرة، لذلك كان الاحتفاء مناسبة أطلق فيها اتّحاد الكتّاب العرب جائزة باسم جمعية القصة والرواية في الأدب الساخر الذي هو من أصعب أنواع الأدب.
مواقف ومفارقات
وبيَّن د. عبد الله الشاهر أن المارديني هو من القلة القليلة من الكتّاب الذين يكتبون هذا الشكل من الأدب، وأن مجموعته فيها من المفارقات في المواقف بين شخصيات القصص ما يؤهلها لأن تكون من أشكال الأدب الساخر بجدارة لامتلاكها مقومات بناء هذا الأدب، حيث استطاع أن يشخّص تناقضات ومفارقات حالات اجتماعية وسياسية واقتصادية، مشيراً إلى أن المجموعة غنية بالمواقف والمفارقات وقد صاغها القاص بأسلوب جميل وبلغة موازية للبنية الفنية وحاملة لمضامينها بحيث استطاع أن يصل إلى تمام فكرته بوسائل عدة، منها: المشهدية، التهكمية، استعمال لغة الجسد وتوظيفها بتقنية عالية تركت عند المتلقي انطباعاً يصل حدّ الابتسامة دون اللجوء إلى القهقهة عبر ثمان وعشرين قصة في 100 صفحة، وهي ميزة تُحسب للقاص برأيه، حيث يحصل القارئ على نتيجة بأقل زمن وبمفردات بعيدة عن الحشو، وهذا ما يناسب عصر السرعة والاختزال، وهذه إيجابية عالية تميّزت بها المجموعة.
زاوية ساخرة
ولم يخفِ الكاتب والإعلامي عماد نداف أن المارديني فاجأه بهذه المجموعة التي تضمّ مجموعة من اللوحات الساخرة التي يمكن تحويلها إلى عمل درامي، ورأى أن قصصه تحمل حالة جديدة من الأدب الساخر الذي برع فيه القاص، مقترحاً عليه تخصيص زاوية ساخرة في الصحافة يقوم على كتابتها لعودة هذا النوع من الكتابات إلى صحافتنا.
حالة جديدة
وأوضحت د. آداب عبد الهادي التي قرأت عدداً من قصص المجموعة على الحضور أن هذه المجموعة تتضمن قصصاً أنيقة في اللغة والسرد، وقد أدخل الكاتب إلى عالم الأدب حالة جديدة متفردة تتميّز بالجرأة بالأفكار التي لم تغرّد خارج سرب حياتنا ومجتمعنا.
الصعوبة والبساطة
ورأى الكاتب محمد الحفري أن من يتابع قصص المجموعة قد ينتبه إلى أن الكاتب استغل أمرين مهمّين في متون سردياته، أولهما تحويل اليومي والمألوف أو ربما العادي ليجعل منه غير مألوف وغير عادي، بل سلساً، له علاقة بالسحرية الأخاذة كما في القصة الأولى من المجموعة التي تحمل عنوان “بيجامة رياضية”، أما الأمر الثاني فهو الافتراض، وقصة “تهجين” خير مثال على ذلك حين وضع الطبيب دماغ حمار مكان دماغ الرجل الذي أصيب بالمرض الخبيث، مبيناً أن الأدب الساخر أدب لا يلمّ به إلا القلة من الكتّاب، وهو أقرب من حيث التشبيه إلى أدب الأطفال الذي تجتمع فيه صفتان مهمتان هما الصعوبة والبساطة في آن، وهذا بدا واضحاً في مجمل نتاج المارديني،حيث لم يكن الضحك يوماً هو الهدف بحدّ ذاته كما يعتقد بعضهم، بل السخرية من الألم والفساد والمرارة والدفع نحو تيار الحياة التي ينبغي لنا أن نعيشها.
تلميذ في الأدب
وعبّر د. محمد عامر المارديني في ختام الندوة عن سعادته للقراءات التي تحدثت عن مجموعته، مشيراً إلى أن دعم وتشجيع كبار الكتّاب لما يكتبه له فضل في أن يستمر في الكتابة، شاكراً الإعلامي نضال زغبور والكاتب نبيل طعمة اللذين شجعاه في بداياته على نشر مجموعته الأولى التي حملت عنوان “حموضة المعدة” وكذلك صاحبة دار النشر عفراء هدبا التي آمنت بنتاجه وكانت حريصة على نشره، وكل القراء الذين استساغوا ما كان يكتبه، مؤكداً أنه بحاجة لكل النقاد ليستفيد من كل ملاحظاتهم لأنه ما زال تلميذاً في الأدب أمام العمالقة الكبار في اتحاد الكتّاب العرب وجمعية القصة.
وبيّنت هدباء العلي مديرة دار دلمون التي طبعت الكتاب أن المارديني قوَّض الشكل الفني للقصة القصيرة، وأقام بنياناً جديداً من القص القائم على السخرية السوداء في اتجاه تعبيري شكّلت رافعته التناقضات والمفارقات التي مزجت بين الواقعي والمتخيل، الحقيقي والمجازي، حتى يصبح القارئ لها جزءاً منها وشريكاً أساسياً في صياغة تداعياتها.
د. محمد عامر المارديني حائز على إجازة في الصيدلة والكيمياء الصيدلية من جامعة دمشق ودرجة الدكتوراه في الصيدلة من جامعة هومبولت الألمانية، وشغل عدداً من المناصب في سورية والوطن العربي، وأصدر في الأدب الساخر عدة مجموعات، منها: “حموضة معدة، مقصات ناعمة، قصص شبه منحرفة”.