التطبيع الثقافي.. هل ينجح في تدمير الهوية
ضمن سلسلة الندوات الأسبوعية التي ينظمها اتحاد الكتاب العرب للإضاءة على الموقف السوري “شعباً وقيادة” من التطبيع مع العدو الصهيوني بعنوان ((القدس إليك سائرون))، شهدت قاعة الاجتماعات في مبنى الاتحاد بالمزة فعاليات الندوة الأولى التي تدور في فلك محور “التطبيع الثقافي.. هل ينجح في تدمير الهوية”.
في مستهلّ الفعالية، رحب د. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب بالسادة الحضور والمشاركين، مسلطاً الضوء على أهمية كشف مؤامرات التطبيع الثقافي والاختراق الفكري، فهذا الأمر يعتبر بالغ الأهمية في زمن بات فيه من واجب المثقف تعزيز ثقافة المواطنة وتحصين مجتمعه من هذه الآفة التي تتسلل إلينا في محاولة لتدمير إرثنا الثقافي والحضاري.
أدار الندوة د. جابر سلمان عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب الذي أشر إلى أن المرحلة الأخيرة من تاريخ المنطقة، ولا سيما بعد إطلاق “صفقة القرن” الأمريكية شهدت هرولة غير مسبوقة لأنظمة عربية باتجاه الكيان الصهيوني للتطبيع معه. وقد أخذ هذا التطبيع أخطر أشكاله عندما توجه إلى الثقافة والفن والتربية التي اصطلح على تسميتها بـ “منظومة الوعي”. والخطورة تكمن في أن استهداف هذه المنظومة يعني ضرب أحد أبرز عوامل قوة الأمة، والإجهاز على ما تبقى من منظومة قيمها الأخلاقية والثقافية، وصولاً إلى منعها من إحراز أي تقدم أو تطور أو مواكبة لمعطيات العصر ومخترعاته الحديثة.
وقدّم أ. د. حسين جمعة ورقة عمل وضح فيها أن ما جرى من عمليات تطبيع سياسية بين حكومات عربية وبين الكيان الصهيوني إنما ينبثق من مفهوم الواقعية السياسية والعسكرية، بوصف الواقعية: (القبول بالأمر الواقع، ولو كان سيئاً، لأن هناك ما هو أسوأ منه) خشبة الخلاص من أزماتها التي تفاقمت على كل مستوى اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً وتقنياً… وقد وضعت الدوائر المطبعة مع العدو الصهيوني بدعم غربي/أمريكي خططاً وبرامج كثيرة ومتنوعة تعتمد الترغيب والإغراء، والخداع والتضليل، وتمويل المؤامرات والندوات والمحاضرات والزيارات واللقاءات التي يستدعى إليها بأسلوب حداثي دبلوماسي بعض المثقفين ممن تبنى ثقافة الانفتاح والحوار مع الآخر، حتى انقلب بعض المثقفين المطبعين إلى مقاولين في ثقافة التبعية والانسلاخ من جلودهم والتنكر لهويتهم ومن ثم محاربتها، وقد تنوعت أشكال التطبيع الثقافي لديهم، حتى انتهى الأمر إلى وفود عربية تزور الصهاينة والعكس صحيح…
إلا أن التطبيع السياسي الرسمي لم يحقق النجاح المتوخى منه، على الرغم من تسابق بعض الحكومات العربية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، فما زال الشعب العربي يرفض العلاقة التي أنشأتها حكومات عربية مع عدو قتل أولاده ورمّل نساءه. وثقافة التطبيع التي تمارس في عالم منافق مدلّس ومرتبط بالمصالح الاقتصادية والمال الصهيوني محكوم عليها بالإخفاق عاجلاً أم آجلاً، لأن الصهيوني نفسه سيدمرها لصالح حلمه بدولته العظمى، أما البيادق المتهالكة في خدمة أرباب المال والهيمنة فمصيرهم قاتم.
بدوره أعرب د. صابر فلحوط عن اعتزازه بالمشاركة في هذه الندوة التي ينظمها اتحاد الكتاب العرب، فالقدس تعني لنا الكثير وكل ذرة تراب من أرض الوطن العربي لا سيما في فلسطين هي مقدسة بالنسبة للمناضلين العرب وهم على استعداد للتضحية بدمائهم في سبيلها وعلى كتابنا القيام بدورهم في تحصين المجتمع من الاختراقات الإعلامية التي تقصفه ليل نهار وكشف وسائل التزوير والاستيلاء على القناعات في محاولة لفرض سيطرة الدولار النفطي والصهيونية العالمية المدعومة أمريكياً.
وشدد د. خلف المفتاح على أن التطبيع هو كذبة ولا يمكن أن ينطبق هذا المصطلح على الحالة التي بيننا وبين “الكيان الاسرائيلي”، فهي حالة عدائية. التطبيع يكون بين دول كانت على علاقة طيبة وكانت العلاقات بينها طبيعية ثم اختلف الأمر، والتطبيع كلمة مدسوسة ويجب أن نتعامل معها بحذر، فالتطبيع هو المرادف للتشريع، والمطلوب هو شرعنة وجود الكيان الصهيوني كحالة مقبولة على مستوى المنطقة وانتزاع اعتراف من أبناء الأمة، ليس كحكومات فقط، بل كشعوب، أن تتحول لدينا صورة اسرائيل من صورة عدو إلى صورة دولة طبيعية، وهذه المسألة لو تحققت فإن هذا يعني أننا نفرط بالأرض ونخون ونخذل تضحيات الشهداء في سبيل فلسطين. ويبقى السؤال الأهم: كيف نواجه التطبيع؟ نواجهه من خلال الحراك الشعبي ومن خلال التربية وتكريس ثقافة قادمة للأجيال مفادها أن “اسرائيل” هي العدو وهي القاتل، وقد شدد السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد على ضرورة توثيق جرائم هذا الكيان الغاصب وإبرازها بشتى السبل للأجيال الناشئة لتثبيت الصورة البشعة لهذا الكيان الذي يريد بأي شكل من الأشكال تجميل هيأته القذرة في محاولة منه للسيطرة على الأرض انطلاقاً من السيطرة على الأدمغة التي يسعى لغسلها وزجها في مواكب التطبيع الخائنة.
لكن الوعي العربي يجب أن يكون بالمرصاد لهذه المؤامرات الدنيئة من خلال تحصين المجتمعات والأجيال القادمة من هذا الخطر المتربص بها.