عبد الله عبد الدائم.. في ذكرى رحيله (نقلاً عن الثورة)

أمس صباحاً كانت رسالة من الأستاذ الدكتور جورج جبور المفكر العربي الكبير والمتابع الدؤوب _ كانت الوتس اب تذكرني برحيل الأستاذ الدكتور عبد الله عبد الدائم المفكر والسياسي والإنسان قبل أي صفة أخرى..
نعم بمثل هذه الأيام من عام ٢٠٠٨م رحل المفكر عبد الله عبد الدائم الذي قدم للمكتبة العربية أكثر من ٥٠ كتاباً في التربية والثقافة والفكر القومي.
وهو المفكر الذي استطاع أن يحقق معادلة الأصالة والمعاصرة في كل دراساته المهمة والتي صدرت في بيروت ودمشق ولاسيما مركز دراسات الوحدة العربية.
يشرفني أني كنت واحداً من طلابه في الدراسات العليا وأني حاورته أكثر من مرة وفي كل مرة اكتشف روعة تواضعه وحنوه على الجميع.
فكره منارات باقية تضيء دروبنا وما أحوجنا اليوم إلى ذلك.
وفي ذكرى رحيله نقدم بعضاً من محطات حياته.

محطات..

ولد الدكتور الدائم عام 1924م في مدينة حلب. حاصل على الإجازة الجامعية قسم الفلسفة من جامعة فؤاد الأول عام 1946م وبتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى. دكتوراه الدولة في الآداب «تربية» من جامعة السوربون بباريس وبتقدير مشرف جداً عام 1956م. عمل مدرساً بثانويتي حمص ودمشق بين 1946 – 1948. وأستاذاً بكلية التربية بجامعة دمشق منذ عام 1948م إلى عام 1966. مديراً عاماً لمعارف حكومة قطر 1957 – 1958م. مديراً للشؤون الثقافية بوزارة الثقافة بسورية 1959 – 1960م. وزيراً للإعلام في سورية 1962م. وزيراً للإعلام في سورية 1964م. وزيراً للتربية في سورية 1966 وغير ذلك كثير من المهام والمناصب العلمية في جامعة الدول العربية والمنظمات الثقافية والدولية. أهم مؤلفاته: تجاوزت مؤلفات الدائم الخمسين كتاباً هاماً ومئات الأبحاث في التربية والثقافة والفكر القومي ويمكن أن تصنف في ثلاثة أقسام هي: المؤلفات التربوية، القومية، مؤلفات مدرسية. أما المؤلفات التربوية فيمكن أن نشير إلى بعضها: 1- التخطيط التربوي أصوله وأساليبه في البلاد العربية. 2- التربية التجريبية والبحث التربوي. 3- التربية عبر التاريخ. 4- التربية العامة مترجم. 5- الثورة التكنولوجية في التربية العربية. 6- الجمود والتجديد في التربية المدرسية. 7- التربية وتنمية الإنسان في الوطن العربي. 8- نحو فلسفلة تربوية عربية. 9- مراجعة استراتيجية تطوير التربية العربية. 10- الآفاق المستقبلية للتربية في البلاد العربية. في المجال الفكري والقومي: دروب القومية – التربية القومية – القومية والإنسانية – الاشتراكية والديمقراطية – الجيل العربي الجديد – في سبيل ثقافة عربية ذاتية – الضحك (مترجم عن برغسون بالاشتراك مع د. سامي الدروبي) – العرب والعالم وحوار الحضارات.. وغيرها من الكتب الهامة لا يتسع المجال الآن لذكرها كلها.

للدكتور عبد الله عبد الدائم. كتاب مهم جداً حمل عنوان: العرب والعالم بين صدام الثقافات وحوار الثقافات. صدام أم حوار..؟ يرى د. الدائم أن نهاية الحرب الباردة لم تكن كما يدعي الكاتب الأميركي فوكوياما ونظائره «نهاية التاريخ»، وهو تعبير استخدمه هيغل من قبل، بل يتضح يوماً بعد يوم أنها كانت بدايته لقد كانت بداية «تيه»، جديد كادت تضل فيه الإنسانية طريقها وتفقد ضوابطها بل كادت تتنكب الطريق المؤدية إلى عالم تتنامى فيه الإنسانية ويسعى من أجل بناء كيان عالمي هدفه الإنسان واحترامه وتحقيق المزيد من سعادته. والشر لم يذهب من العالم بعد ذهاب الشيطان كما ادعت وتدعي الولايات المتحدة بل استشرى واشتد عوده وعمت بلواه. هذه الحال غير المستقرة هي التي أدت إلى واقع عالمي ازداد تنافساً وصراعاً، عالم ظالم لنفسه وسواه مما ولد شعوراً باليأس لدى أبناء البشر، شعور يكاد يكون شاملاً يأس من يحاول البحث عن مخرج منه فلا يجده وقد لا نبالغ إذا قلنا إن ما يشكو منه أبناء العالم اليوم هو غياب الحضور على تعبير الفيلسوف الألماني هيدغر أي غياب أي مؤشر إلى المخرج الذي يقود العالم إلى الانطلاق نحو بناء عالم إنساني جدير بهذا الوصف. ومن أجل الخروج من هذا المنحدر يرى الدكتور الدائم أن منحدرين يظهران في الأفق المنحدر الأول: العداء للقومية والثاني منحدر العداء للإسلام. ويتوقف الباحث عند مشكلة النظام العالمي باحثاً عن جذورها ويشير إلى أنها مشكلة ذات منشأ ثقافي ويقرران أن المشكلة العالمية الحالية كما قلنا ونقول ذات منشأ ثقافي أولاً وقبل كل شيء ومن الخطأ اعتبار الصراعات العالمية القائمة والتي سوف تقوم صراعات إيديولوجية أو اقتصادية بالدرجة الأولى. والانقسامات العالمية المقبلة كما تدل تباشيرها سوف تكون أولاً وقبل كل شيء صراعات ثقافية المصدر إن لم تعمل الإنسانية منذ اليوم على اجتنابها. ويرى الدائم أن ما جاء في مقالة «هانتنغن» صدام الحضارات سوف يصدق إذا تابع العالم مسيرته الحالية ولم يستخلص من صراع الحضارات الذي بدت بوادره الدروس اللازمة لتحويل هذا الصراع إلى حوار بين الحضارات.

والكارثة، كارثة الصراع بين الحضارات، لابد واقعة إذ ظل العالم على عناده وظل يمشي مشيته القديمة التقليدية. ويخلص إلى القول: إن مثل هذا العود المرضي إلى منطق سيطرة الغرب على المعمورة وسيادتهإأياها هو في نظرنا مقتل الحضارة العالمية وأخطر ما تتعرض له في مسيرتها نحو المستقبل. ثقافة عالمية وحيدة.. إن الدعوة إلى ثقافة واحدة ووحيدة هي ثقافة الغرب بل ثقافة أكثر دول الغرب قوة نعني الولايات المتحدة هي مسألة المسائل في أزمة النظام العالمي ومستقبله. ولطالما استنكر المفكرون في العالم الدعوة إلى هيمنة الثقافة الأمريكية وطراز الحياة الأمريكية على العالم مبينين ما في ذلك من اغتيال للعقول والنفوس ومعاداة بالتالي لمبادئ الحرية، ومتحدثين بوجه خاص عن مخاطر تسطيح الثقافة العالمية وصياغتها على نمط وشاكلة واحدة بدلاً من إغنائها بأنماط الثقافة المختلفة. تفاعل الثقافات هو المخرج.. يرى الدائم أنه يجب عدم القول بتفوق ثقافة على ثقافة. فالثقافات كطباع الأفراد لا تصدق عليها أحكام القيام ولكل منها سماته وملامحه التي تجعل الفرد يفقد ذاته إن هو فقدها، ولكل منها عطاؤه المتفرد للإنسانية. وغني عن البيان أن مثل هذا التفاعل بين الثقافات ينبغي أن يؤدي في النهاية إلى تقارب عملي قوامه وضع مجموعة من الثوابت العالمية الثقافية التي ينبغي أن تعمل الثقافات جميعها على احترامها وتعميق جذورها. وتوليد مثل هذه الثوابت وقبولها أمر ممكن إذا هو تم عن طريق الحوار الحقيقي وحل محل «فرض ثوابت» ثقافة معينة أو بلد معين على العالم كله والادعاء بأنها وحدها الثوابت العالمية. ومن المهم أن نشير إلى أن الدكتور الدائم يقدم في بحثه هذا شروط الحوار بين الثقافات ويحدد ملامح الطريق الذي يجب أن نسلكه ولا بد في المحصلة من روح الخلق والإبداع وقدرة على تسخير الكون للإنسان.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات