«شرفة من ضوء» فسحة للمنسرب من الذات … إياد مرشد يرسم ومضاته بكثير من الأمل (نقلاً عن الوطن)

دارس وباحث أصدر عدداً من الدراسات أهمها دراسة في شعر نزار قباني قبل سنوات، وفيها مارس الغوص في مكنونات نزار وصوره ليخرج بدراسة ذات فائدة وقيمة، واليوم يصدر كتاباً عن دار ديلون بدمشق يحمل الكثير من الوجدان والذات والروح الجمعية (شرفة من ضوء) وفي عنوانها يبدأ الشاعر والكاتب رحلته بكثير من الحذر، فهو يستمدها من الضوء المنسرب، ولا يقدمها للضوء، وفي ذلك كثير من الحذر في اختيار العنوان، فهو يستمد من الضوء ولا يهبه «حيناً أسبّح بالثواني فأجمعها بين يدي وحيداً وحيناً آخر أبعثرها أمامي قافزاً فوق شظاياها. ترهقني رتابة الاعتياد، وتقيد دماغي بالأغلال، وترسم على جبهتي خريطة الوقت التائه مني وتعيدني رشفة من الذكرى إلى خاتمة الطريق حيث تاه العاشقون».

في وداع عام ووقت
ها أنا ذا في آخر العالم
أسكب آخر قطرة من نبيذ
ع شفاه الوقت
أقف أودع زماناً
وأتيه في آخر
أستقبل سهولاً
وأودّع جبالاً

لحظة من الزمن عند مفارقة عام واستقبال عام، في آخر العالم، حيث لا يشعر به أحد، وربما لا يشعر به العالم ولا العام، ولا يكترث له الوقت يسكب نبيذه على شفاه الوقت، ربما يحظى بلحظة من شكر الروح والزمن، وهو يمضي غير قادر على فعل شيء، لينتقل إلى السهول والجبال، وربما كانت هذه علامات الوقت والزمن والحياة من صعود إلى هبوط، وهو لا يلوي على شيء بعد أن اكتفى بسكب قطرة النبيذ! لا بكاء على عمر، ولا احتفاء بقادم! والرحلة بجملتها لا تتعدى تجاوز السهول والجبال والهضاب.

هي والقصيدة

عاش إياد مرشد مع نزار والأدب مدة من الزمن، ومن الطبيعي أن يختار المدرسة التعبيرية في الحياة والحب التي عالجها وعاش فيها، تلك التي تجعل المحب والمحبوب متحاورين في الحب، ولا يمنن واحدهما على الآخر، فالحب لا يكون بغير قطبيه الاثنين، لذا أراد أن يعطي لمن يحب الفضل في الإلهام وكتابة القصيدة:

حبك.. يشدّ عليّ وثاقه
يأسرني فأتحرر
يزيدني لهفة وجوى
فأتغير
يقبض على أوداج عنقي
فأصبح أكبر
يحاصر أفكاري
فأكتبه قصيدة
وأرسمك لوحة
وبك أتطهر

تبدو تلك النزعة الذاتية في الحب بين المحب والمحبوب، وكأن حواراً ما يدور بينهما محاولاً استبيان مصدر الشعر والإلهام، لكن الشاعر يعيد الفضل لمن يحب، فهو الذي أوثق وحرّر وطهّر وألهم، وكأني بهذه الروح متابعة للمدرسة الواقعية في الحب التي تقوم على التجربة، وقد أخذت اللغة الشاعر إلى تعابير ومطارح خاصة به قد يكون سواها أقرب للقارئ والحب مثل (أوداجه) وسواها مما لم أختر حتى لا يطول النص المقتبس.

وللوطن سمرته

من المحال أن يخط كاتب أي كاتب في هذا الزمن المليء بالحرب والدم والقتل دون أن يقف عند الحالة الراهنة، وإلا كان منعزلاً ويكتب عن زمن آخر، والشاعر هنا يقف أكثر من مرة مع الوطن وما يعانيه، وفي نصّه المميز الوطن الجريح يقدم نصاً مباشراً للوطن وحبه.

المسافة بين جرحي ونزف الوطن
كالفرق بين الضوء ولمح البصر
أنا يا وطني لوحت وجهي
شمس تموز
وعشتار غازلتها تحت أنظارك
أنا يا وطني في حالة عشق
فادن مني
لأعانق سموّ أقمارك

النص يُسلم نفسه لأخيه، ويستفيد الشاعر من تجربته ودراسته، ومن حياته في الواقع ليقدم مجموعة من النصوص الشاعرة التي تؤرخ لحالة حب من ضوء منسرب في زمن حرب يغطي على الأمكنة، ربما ليقول: الحب ما يزال ممكناً على الرغم من الحرب، ولكن أن نتنبه للضوء القادم شرط لتحقق معادلة الحب التي نسعى إليها.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات