ندوة نقدية.. الأدب في الدراما في اتحاد الكتاب العرب باللاذقية (نقلاً عن الوحدة)
الوحدة:30-7-2023
أقام فرع اتحاد الكتاب العرب باللاذقية ندوة نقدية بعنوان: الأدب في الدراما شارك فيها كل من الأساتذة الأدباء: د. محمد إسماعيل بصل، الكاتب والناقد الياس الحاج، الأستاذة الشاعرة مناة الخير وذلك في قاعة الأنشطة بمقر الاتحاد.. وجاءت هذه الندوة ضمن باقة من الفعاليات والنشاطات التي ينظمها اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية وحضرها لفيف من المهتمين والمعنيين بالشأن الثقافي في المحافظة “الوحدة” حضرت الفعالية المذكورة ونلخص فيما يلي أبرز ما جاء فيها من نقاط.. أدار الندوة الباحث عدنان بيلونة حيث افتتحها بتقديم نبذة عن مفهوم الأدب والدراما واستعرض فيها جملة آراء حول الأدب والفن لكل من: توفيق الحكيم والكاتب الروسي تولستوي وميخائيل نعيمة مشيراً في البداية إلى رأي “الحكيم” الذي يؤكد أن الأدب هو الكاشف والحافظ للقيم والحامل الناقل لمفاتيح الوعي في شخصية الأمة والإنسان أما الفن فهو المطية الحية القوية التي تحمل الأدب خلال الزمان والمكان كما أشار “بيلونة” إلى كتابين: الأول بعنوان: (ما هو الفن) لتولستوي والثاني (الغربان) لميخائيل نعيمة .
* دور الأدب والأدباء في صناعة الدراما:
في المحور الأول من الندوة تحدث د. محمد اسماعيل بصل عن دور الأدب والأدباء في صناعة الدراما حيث قال: استطاعت الدراما أن تطرح نفسها كأحد أركان الفعل الثقافي ليس في سورية وحسب وإنما على امتداد الرقعة الجغرافية العربية وهذه الانتصارات التي حققتها الدراما على حساب الكتاب والمسرح ومتفرجيه والسينما وجماهيرها تستحق الاهتمام ومن أجل ذلك دعونا نطرح جملة من التساؤلات: من هم صنّاع الدراما اليوم؟ ما هي مقومات وجودهم؟ ومن هو المخرج في الدراما؟ وماهي ثقافته؟ ومن هو المنتج؟ وماهي مرجعياته المعرفية؟ ومن هو الممثل؟ وهل هو منتج للنص أم لنفسه؟ صحيح أن ثمة كتّاباً جيدين في مجال الدراما السورية وهم في معظمهم قادمون من عالم القصة والرواية والمسرحية والمقالة الصحفية ولكن ما هو صحيح أيضًاً أن ثمة كتّاباً لا علاقة لهم بأبجدية الكتابة ينبغي إيجاد صيغة لتشكيل هيئة عامة للدراما السورية تقوم على العلم والاختصاص و الموضوعية لتكون الدراما رافداً وطنياً يمكن لنا أن نعتز بانتصاراته وفي الأغلب ثمة ضياع يلحق بالكاتب بعد أن يقدم سيناريو نصه إلى شركة إنتاج وفي هذه المعمعة الإنتاجية يسحب البساط تماماً من تحت قدم الكاتب ويجد نفسه مجندلاً أمام عالم غير متجانس لا يشكل فيه الإبداع الأدبي أية قيمة إلا فيما ندر لدى بعض المخرجين الموهوبين.. وكان د: بصل قد قرأ بعض المقاطع من مسرحيته بعنوان: (لغة هذا الزمان) توضح الفكرة الآنفة الذكر مستوحياً إياها من رسالة لكاتب مصري يدعى نجيب سرور كان قد كتبها قبيل وفاته إلى صديقه الكاتب المشهور يوسف إدريس وحمّلها مأساة لا يمكننا أن نعتبرها فردية.. “سرور” كاتب عانى من الفقر والمرض في السنوات العشر الأخيرة من عمره وبسبب فقره لم تتعامل معه دور النشر فاضطر أن يتجه إلى سيناريو تمثيل.. وهذه المسرحية تشرح تماماً العلاقة القائمة بين الأديب المبدع والعمل الدرامي.
* الأدب في المعالجة الدرامية:
من جانبه تحدث الكاتب والناقد الياس الحاج عن موضوع: الأدب في المعالجة الدرامية موضحاً أن العلاقة بين النص الأدبي والدراما بمختلف أنواعها (مسرح، إذاعة، تلفزيون، سينما) مسألة تعتمد التبادل في المواقع النفعية، علماً أن النصوص الأدبية المكتوبة قد سبقت الدراما السينمائية والتلفزيونية ومع ذلك بقيت العلاقة بينهما جدلية بل شبه عقيمة حول إثبات أهمية كل طرف على حدة ، وتابع الأستاذ الحاج حديثه قائلاً: خلال مسيرة عملي المهني التي تمتد إلى أكثر من أربعين سنة مؤلفاً للأعمال الدرامية أو مستشاراً درامياً (دراما تورغ) للعديد من المسلسلات في القطاعين الخاص والعام، كثيراً ما طرح عليّ السؤال: هل جميع القصص أو الروايات أي النصوص الأدبية قابلة للتحويل من نص سردي إلى مسرحية أو فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني؟ وغالباً ما تكون التوقعات أن الكثير من النصوص الأدبية لا تحتمل أن يتم تحويلها إلى عمل درامي غير أن إجابتي تكون دائماً (أنه لا يوجد فكرة وتحديداً الفكرة التي ينتج عنها حدث أو مجموعة أحداث، يمكن تحويلها إلى سيناريو أدبي، ثم سيناريو فني) من هنا أعود وأكرر العبارة التي أنصح بها عادة كتاب السيناريو الجدد خلال دورات لغة السيناريو في مركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني بدمشق أو تلك التي أنجزتها في بعض المواقع الثقافية ومنها جامعة تشرين، فأقول: عندما يعرف كاتب السيناريو المحترف الملهم ماذا سيكتب أسهل أمر عليه، هو أن يشرع مباشرة في الكتابة.. لذلك أرى أن الكتابة كما السباحة.. والسباحة لا تعلم إلا بالسباحة.. لذلك على الكاتب في معظم أجناس الفنون الأدبية ومنها السيناريو البدء من الفكرة.
وأردف “الحاج” قائلاً: إن بدايات السينما السورية والتلفزيون السوري كانت من خلال معالجة أعمال أدبية سورية وعربية وعلى سبيل المثال مختارات من أدب (حنا مينا، زكريا تامر، محمد الماغوط، حسيب كيالي، ألفت أدلبي، ناديا خوست، عبد الرحمن منيف).. كما أشار أيضاً إلى بعض الأعمال الدرامية التي حققت انتشاراً واسعاً بعد أن استطاع كتاب سيناريوهاتها تفكيك روايتها وإعادة معالجتها سينمائياً وتلفزيونياً نذكر منها: مسلسل (الدغري) الذي كتب له السيناريو الدكتور رفيق الصبان عن رواية (زوبك) للتركي عزيز نيسين كما تمّ تحويل العديد من نصوص أدب نيسين إلى مسرحيات، ولوحات في سلسلة مرايا، و بقعة ضوء، مسلسل (ليل المسافرين) الذي كتب له السيناريو قمر الزمان علوش، عن رواية البؤساء للفرنسي فيكتور هوغو، وأيضاً مسلسل (جواد الليل) الذي كتب له السيناريو أنور تامر عن رواية أحدب نوتردام، واقتبس محمود عبد الكريم مسلسل (أثر الفراشة) عن رواية ماركيز (الحب في زمن الكوليرا) ومن أعمال الروائي السوري حنا مينا تمّ تحويل رواية (نهاية رجل شجاع) في تجربة استثنائية أحدثت معها نقلة نوعية للدراما السورية، حقق شرطها الإبداعي السيناريست والأديب
حسن يوسف، وقبل ذلك رواية (بقايا صور) التي تمّ تحويلها إلى فيلم لنبيل المالح ومسلسل بنفس العنوان كتب له السيناريو المبدع غسان الجباعي، ورواية (الشمس في يوم غائم) التي تمّ تحويلها إلى فيلم لمحمد شاهين، ورواية (المصابيح الزرق) التي كتب لها السيناريو محمود عبد الكريم.
* الدراما في الشعر: المشاركة الثالثة في هذه الندوة للأستاذة الشاعرة مناة الخيّر التي قدّمت قراءة وافية حول موضوع الدراما في الشعر واستهلت حديثها بما يلي : يقول أرسطو في كتابة فن الشعر: إن الشعر هو الشكل النهائي للدراما وأداتها التوصيلية وهذا يشمل الأجناس الشعرية التالية: الملحة، التراجيديا، الكوميديا والشعر التعليمي، أما الشعر الغنائي مثل شعرنا العربي فلم يضعه أرسطو في كتابه المذكور وهذا ما يؤكده الناقد محمد طه العثمان في كتابه: (النص وأفق الصورة، قراءة للدرامية في الشعر العربي) ويرى العثمان أن الحوار وتعدد الأصوات وكل ما يشكّل نزعة درامية كان موجوداً منذ أقدم القصائد التي وصلتنا ويعني بها معلقة امرئ القيس (قفا نبك) ففيها الكثير من الدراما.. ثم إذا انتقلنا إلى العصر الإسلامي نجد العديد من القصائد التي تتمثل فيها عناصر الدراما ومنها قصيدة الحطيئة الميمية ونصل إلى عمر بن أبي ربيعة ومغامراته العاطفية حيث كان يبدع في إدارة الحوار حتى يصل إلى الذروة كما كان يبدع بعينين روائيتين وهو من خلال عنصري السرد والحوار يحول نفسه من عاشق إلى معشوق.. وعندما بدأ المسرح الشعري في مصر على يد شوقي وعزيز أباظة ظلّت القصيدة العمودية تفرض نفسها كنوع شعري غنائي لا يكتمل وجودها إلا بالإنشاد وهي خاصة إيجابية لأنها تجسد حيوية الكتابة وحيوية الإنسان وحاجة كل منهما إلى الدراما ومنها كانت القصيدة العمودية فعلاً إبداعياً مشروطاً بوجود الشاعر أو المنشد وجوداً مركزياً.
واختتمت الشاعرة “الخيّر” حديثها بالقول: الشعر العربي في أربعينات القرن الماضي افتتح مسيرة جديدة عبر جيل من الرواد مثل نازك الملائكة والسياب وفي تلك الحقبة التي كانت القصيدة الرومانسية الغنائية تأخذ مكانها كما عند نديم محمد وعمر أبو ريشة وهذا الحراك الحداثي دفع الشاعر إلى تحمل مسؤولية وهي أن قصيدته بدأت تتشكل تشكيلاً درامياً لم تعد معه القصيدة إلى الوزن بل إلى الإيقاع وليس إلى الاستعادة فحسب بل إلى الرمز والأسطورة.
ندى كمال سلوم