ندوة فكرية عن الجلاء.. مسيرة كفاح وتضحيات (نقلاً عن الثورة)
الثورة – فاتن دعبول:
أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب ندوة فكرية سياسية ثقافية حملت عنوان “الجلاء، ضرورة الحفاظ على منجزات الوطنيين الأصلاء” توقف خلالها الدكتور إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب عند أهم معاني الجلاء وبين أن الجلاء هو قصة كفاح وطني للشعب العربي السوري في مواجهة الاستعمار الفرنسي وقبله العثماني، وقال: ما زلنا في قلب معركة الجلاء فالجولان السوري تحت نير الاحتلال الصهيوني، والاحتلال الأمريكي لا يزال يقبع في شرق الفرات والاحتلال التركي في شمال سورية، وهذا يتطلب المزيد من النضالات لنكون أوفياء لأجدادنا الذين قدموا قوافل الشهداء من أجل الحفاظ على قيم الجلاء” الوطن ثم الوطن” ضد الفاسدين والإرهابيين والمحتلين.
وأوضح الإعلامي ديب علي حسن في إدارته للندوة أن فعل الجلاء يترسخ اليوم نضالاً وعزة واستقلالاً أكثر من أي وقت مضى، فالجلاء الذي كتبه أجدادنا وآباؤنا بالدم المهراق على مذبح الكرامة والحرية والاستقلال، كان وما زال مستهدفاً.
وأضاف: الجلاء ليس حدثاً عادياً عابراً ولا ذكرى سنوية، إنه أبعد من هذا كله، هو التراب السوري ممتزج بالدم كما قال الشاعر بدر الدين حامد وهو من عطر السماء كما قال بدوي الجبل لأنه من دم كل حر أبي، فالجلاء مهره من كل بيت وكل أسرة وكل قرية وحقل ومزرعة، دين في رقابنا، علينا أن نفيه حقه ونصونه ونعلي البنيان الذي أشاده.
السوريون اليوم يخوضون معركة الجلاء الأكبر، ومنذ أن كان الجلاء لم تتوقف نضالات شعبنا، بل هي مستمرة، ولقد أرسى النضال فعل الاستقلال ومن ثم الجلاء، ونحن على العهد باقون نمضي إلى الغد ونحن واثقون أن الجلاء الأكبر يرسخ خطاه وهو قيد الفعل الدائم.
حماية الاستقلال..
وتوقف الباحث والإعلامي أحمد إبراهيم عند أهم الأسس لحماية الاستقلال في مواجهة النظام العالمي الجديد، وبين أن الجلاء يكتسب اليوم أهمية كبيرة خاصة أن استقلال الدول اليوم بات على المحك، وأن سورية ومنذ العام 2011 تقاتل نيابة عن دول المنطقة حماية لاستقلال كافة دول المنطقة وسيادتها التي تريد أمريكا القضاء عليها عبر القضاء على الجمهوريات الأولى التي تم تأسيسها بعد استقلال دول المنطقة واستبدالها بجمهوريات ثانية تدور في فلك الإمبريالية الأمريكية عبر مؤسسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمات حقوق الإنسان والتي هي فروع للبنتاغون الأمريكي.
وأضاف: إن أمريكا تقاتل اليوم بحروب وكالة عبر عصابات تم تشكيلها من شعوب هذه الدول المستهدفة، من أجل تمزيق الدول وتشتيتها وتمزيق الإنسان ذاته، وكذا الأمر ما يقوم به حزب العدالة والتنمية في تركيا، والذي تم تأسيسه خصيصاً كحزب وظيفي ضد دول المنطقة، وهذا الحزب هو الذي كان سيُخلق نسخ منه وتوزيعها في الدول التي تنتهج النظام الجمهوري في الشرق من أجل رعاية وحماية المصالح الأمريكية في المنطقة.
الهدف الجلاء الأكبر..
وبين د. توفيق المديني أن الثورات السورية المتلاحقة والتي اندلعت في النصف الثاني من القرن العشرين في سورية هي التي غرست شجرة الاستقلال الوطني في بلاد الشام، وأسهم الشهداء بدمائهم الطاهرة في تحقيق يوم الجلاء المبارك، وقد شارك فيه فئات الشعب جميعه” فلاحون وعمال ومعلمون..” هذه الفئات جميعها أثبتت في توحدها الروح الوطنية وكرست الوحدة الوطنية.
كما توقف بدوره عند أهم التحديات التي واجهت سورية ومنها الانقلابات العسكرية والانفصال الذي حدث للوحدة بين مصر وسورية، وأيضاً هزيمة حزيران التي كانت ضربة قاصمة للقوى القومية العربية والنخب العربية التي حرصت على التمسك بالهوية العربية، هذا إلى جانب إنشاء كيان صهيوني في فلسطين، ولا تزال إسرائيل تحتل الجولان، وهذا الصراع العربي الصهيوني استنزف الكثير من الموارد الاقتصادية للدولة السورية، ولكن سورية ورغم كل التحديات التي واجهتها ولا تزال تبقى صامدة وتتطلع إلى الجلاء الأكبر.
قلب العروبة النابض..
وأوضح الدكتور سليم بركات بعد سرد تاريخي لمجريات الأحداث التي سبقت الاستقلال، بأن الجلاء هو يوم النصر العظيم، يوم الحق، وربما كانت صيانة استقلال الوطن أصعب من الظفر، وعليه يجب تقوية الذات واجتثاث بذور السوء التي بذرها الاستعمار ومن لف لفيفه مهما كانت المصاعب، حتى يرتفع شأن الوطن بجلاء المحتل عن أرضه ويصان استقلاله.
وينوه بدوره إلى ضرورة إخراج مناسبة ذكرى الجلاء من قالبها الجامد إلى قالبها الحي فيما يخص الاحتفال على مستوى سورية ومن ثم كيفية مقاومة المحتل حتى تستمر فكرة الجلاء وتتكلل بالانتصار رغم الحصار الجائر بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
وأكد بركات أن لا خيار لسورية سوى المقاومة بشعبها الأبي وجيشها الباسل حتى الانتصار، وستبقى سورية المقاومة في مواجهة التحديات، ولن ترضى بوجود محتل أو مستعمر على أرضها التي سقيت بأطهر الدماء، هكذا كانت وستبقى قلب العروبة النابض بالحياة.
انتصار قومي..
وتوقف د.سمير أبو صالح عند دور الشعب في الاستقلال وخصوصاً في عام الاستقلال 1946، وقد كان له الدور الأساس في رسم الخريطة السياسية لسورية المستقبلية، حيث تحقق الجلاء الحقيقي في العام نفسه، واليوم وبعد حرب 12 عاماً استطاع الشعب السوري أيضاً تحقيق الانتصار على أكثر من 180 دولة، وليس الاستقلال مرهون بأشخاص معينين، بل هو من صنع الشعب السوري جميعه.
وأكد أننا مطالبون الآن بتجسيد حالة يمكن أن تندرج تحت عنوانين بسيطين” أنا لست سورياً إلا إذا كنت فلسطينياً، ولست فلسطينياً إلا إذا انتميت لسورية الكبرى” في إطار بعثي حقيقي، وليس في إطار الشعارات، ولنحتفل بالجلاء الذي عملنا من أجله، وعلى الوزارات والمؤسسات المعنية أن تعيد كتابة التاريخ بما يخدمنا كأمة وليس كقطر.
وأضاف: أيها الإنسان يحق لك أن تفتخر بأنك انتصرت ولكن انتصارك لن يتحقق إلا في إطار الانتصار القومي الكبير.
صناعة القوة..
ويرى الباحث عيد الدرويش أن لكل شعب أعياده الوطنية وفي مقدمتها أعياد الاستقلال والجلاء، لأنها تجد نفسها منتصرة لذاتها ومستقرة لوجدانها وإعادة توازنها عندما تكون مسلوبة الإرادة والقوة، وعلى الشعوب ألا تقف عند استقلالها بل العمل على صناعة القوة في كل جوانبها” السياسية والاقتصادية والقوة العسكرية” لتجنب الكوارث التي يمكن أن تقع فيها.
ويخلص الباحث الدرويش إلى أن مواجهة التحديات التي يواجهها العرب يتطلب منهم أن يكونوا رقماً صعباً ولديهم القوة التي عمل الاستعمار على تجزئتهم من أجل أن يبقى مسيطراً، وهذه القوة متمثلة في الجانب الاقتصادي بشكل واضح، وكذلك القوة الثقافية والحضارية، واتخاذ طرق العمل العربي المشترك سواء الفيدرالية العربية أو الكونفدرالية، عندها لابد أن يكون للعرب شأن أفضل مما هو عليه الآن في تفرقهم، مع الاحتفاظ بكل ميزات السلطة والحكم لكل واحد منهم.
مسيرة الوحدة..
ويبين الباحث علي بدوان أن الذكرى 77 لاستقلال سورية تلخص سيرة ومسار الكفاح الوطني لسورية العربية بأقاليمها وأجزائها المعروفة، واستقلال سورية جاء بفعل كفاح ضروس لم تهدأ معه على الأرض أقدام جيش الاستعمار الفرنسي، وكل من جاء من تشكيلات عسكرية من المستعمرات التي كانت خاضعة تحت سيطرته في إفريقيا وغيرها.
أراد المستعمرون الخروج من سورية تحت وطأة الكفاح الوطني التحرري للشعب العربي السوري، واعتقدوا أن تقسيم بلاد الشام وزرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، سيجعل من سورية بلداً مستباحاً، لذلك أرادوها بلداً متنازعاً عليه، لكنها وبإرادة قومية عالية، تحولت إلى قلب العروبة النابض وإلى دولة ذات حضور وفعل وتأثير، وذات إسهام أساسي في المعركة الوطنية على أرض فلسطين، معركة إعادة وحدة البلاد السورية الطبيعية كما كانت في الأصل.
ونوه بدوره إلى المؤتمر السوري الكبير في العام 1919 الذي أعلن فيه من مقر السراي الحكومية أبرز مقرراته وعلى رأسها استقلال سورية التام ووحدتها بحدودها الطبيعية، والسعي للوحدة العربية خصوصاً مع العراق، ويعتبر المؤتمر السوري العام أول برلمان وطني في تاريخ سورية، وتسعى سورية في كفاحها المستمر لتحقيق حلمها المشروع ببلاد واحدة وموحدة.