“موعد مع الشمس”.. حكاية التحدي ومرارة الحرب الإرهابية (نقلاً عن الثورة)
الثورة – فاتن دعبول:
لم تخرج رواية محمد أحمد الطاهر “موعد مع الشمس” عن موضوعة الظروف التي خلفتها الحرب على سورية، حيث سلطت الضوء على الأوضاع الصعبة والمعاناة التي عاشها السوريون نتيجة الحرب الإرهابية التي شنت عليهم وما نتج عنها من حالات اجتماعية وإنسانية صعبة، منها الخطف والتهجير والفقر وغير ذلك الكثير، لكنها وفي الآن نفسه رسمت دروباً للأمل وعقدت موعداً مع الشمس، في انتظار النصر، وبأن القادم هو الأجمل.
وعن روايته التي حازت المركز الأول في جائزة حنا مينة للرواية، كانت الندوة التي أقيمت في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، بحضور عدد من الأدباء والمهتمين، وبين رئيس فرع دمشق الدكتور إبراهيم زعرور أن الرواية لاتزال تحتل مكانتها بين الفنون الأدبية، لأنها توثق لمرحلة تاريخية أو حدث معين وتكون الشاهد الأمين على العصر، لذلك استحقت أن تتربع على عرش الفنون الأدبية جميعها، ورواية الأديب محمد أحمد الطاهر واحدة منها.
وقدم للندوة الروائي والقاص أيمن الحسن الذي توقف عند أهم فصول الرواية وعرض بدوره للسيرة الحافلة بالإنجازات للروائي الطاهر والجوائز التي نالها تكريما لمسيرته الغنية.
وبين الأديب أن هذه الرواية كتبت في زمن الكورونا، وكانت بتحريض الأديب الراحل سهيل الذيب، واستطاع بدوره أن يكتب الرواية خلال شهر وعشرة أيام وتقدم بها إلى مسابقة حنا مينة وفازت بالجائزة، وهي تتحدث عن شخصية رجل مسيحي ورجل مسلم التقيا في جامعة ميونيخ، وأطلق على بطل الرواية اسم جرجس الذيب تكريما للراحل سهيل الذيب، لكن البطل يتم اغتياله من قبل المخابرات الأمريكية.
رواية واقعية
وفي قراءته النقدية توقف الدكتور عبد الله الشاهر عند أهم عناصر الرواية لدى الأديب محمد أحمد الطاهر، ورغم عنوان الرواية اللافت، لم يجد الدكتور الشاهر علاقة دلالية بين صورة الغلاف ومحتوى الرواية، بل وجد أن الغلاف بعيد كل البعد عن المحتوى، ولا يرتبط بها إلا من خلال صورة الباحث البروفسور “جرجس” والتي جاءت في أعلى صفحة الغلاف.
أما العنوان الذي جاء باللون الأحمر، فهو يحمل دلالة رمزية توحي بالعودة إلى الجذور وهذا ما حصل مع بطل الرواية “جرجس” الشاب السوري الذي خرج من باب توما بعد تخرجه إلى ألمانيا ومن ثم أمريكا لينجح ويصبح بروفيسوراً ويعين في المركز القومي الأمريكي للبحوث البيولوجية التابع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ولكن الحنين يدفعه للعودة إلى دمشق وتبدأ رحلته مع الخطف والسجن والكثير من المفارقات المؤلمة.
سيرة وطن
وفي البنية الفنية للرواية يجد الشاهر أن رواية “موعد مع الشمس” رواية واقعية تجري فيها الأحداث ضمن تسلسل زمني منطقي، وكأن الكاتب أراد أن يسجل سيرة ذاتية لأحداث وطن من خلال شخصية بطل الرواية “جرجس”.
وقد امتلكت الرواية شروط بنائها الفني سردا وشخوصا ولغة وأمكنة، وأعطت شواهد شديدة الواقعية مع توصيف دقيق للأحداث المأساوية التي جرت في سورية.
وسلط الضوء على أهم مرتكزات الرواية وهي امتلاك الكاتب قدرة استرجاعية شديدة الحضور وظفها بقدرة عالية على السرد زمانا ومكانا، كما أن السردية في الرواية جاءت سهلة وممتعة تنتمي إلى تراكمية الحدث للوصول إلى هرمية العقدة التي تستفز القارىء.
كما أن الروائي امتلك القدرة على أن يصور بالكلمات حالات غاية في الرومانسية، ما يشير إلى قدرة لغوية كبيرة، كما أبرزت الرواية حضور المكان، حيث كانت دمشق حضور وجود ووعي وانتماء وكان باب توما محور وعيه الوجودي.
بين السطور
ولفت د. الشاهر إلى أن الرواية طرحت أمراً هاماً وهو أننا نملك طاقات مبدعة ولكن لم نحسن استثمارها، فذهبت نهبا للدول الأخرى، وهذه الطاقات هي العقول التي تركناها نهبا للريح تعبث بها الأيدي وفقا لأهوائها، وهي أهم من الثروات الطبيعية، وكم نحتاج إلى روايات توثق ما جرى في سورية من أحداث، ورواية موعد مع الشمس أنموذجا يحتذى.
مقارنات ومقاربات
وللوقوف عند أهم ما تميزت به الرواية، عمد الأديب محمد الحفري إلى مقارنة بين روايتي “موعد مع الشمس ورواية أرض الجهاد” ولفت إلى أن الكاتب اشتغل في كلتا الروايتين على مسألة التدوير، بمعنى عودة البطل إلى مكانه الأول، وأن رغبة السفر وحب المغامرة وركوب المخاطر هي صفات تجمع بين بطلي الروايتين، والطاهر يجعل من أبطاله وكأنهم يغلون على مرجل من نار.
ومن هذه المقارنات أن جلال بطل “أرض الجهاد” ينجح في تحقيق الكثير من أحلامه ويصل إلى مراكز مرموقة، كما ينجح جرجس بطل رواية “موعد مع الشمس” في ذلك.
ويحاول الطاهر في الروايتين الإشارة إلى الأيدي التي تتحكم بمصير بطليه الرئيسين جرجس وجلال، وربما بمصائرنا جميعا، هذا إلى جانب قدرة تلك الجماعات على توظيف الجماعات الدينية لمصلحتها وقتل شعبها وأهلها بحجة التكفير ومخالفتهم للشريعة.