«معاً نحو أطفال غزة ومعاناتهم».. مضامين أدبية سينمائية تحكي قضية شعب ووطن (نقلاً عن تشرين)
تشرين – بارعة جمعة:
تتشابك الأيادي معلنةً الخوض في غمار التجربة الأكثر تشويقاً وإيضاحاً لمعاني المحبة للوطن، المغلفة بالصمود والتحدي لواقع بات أكثر جرأة من حيث المواجهة، خطوات تأتي في ظل التراجع الكبير بمواقف كثيرة لدول عدت سابقًا الأكثر تحيزاً للقضية الفلسطينية، واليوم غدت بعيدة كل البعد عن أفق المحاولة أو المبادرة لتحويل مسار الصراع لصالح الطرف الأكثر استحقاقاً لشرف البطولة والشهادة.
تضحيات جسام يقدمها الشعب الفلسطيني بشكل يومي، أثبتت تمسكه بجذوره وهويته التي ما برحت الأكثر قدرة على تعريفه كشعب صامد، لتأتي المحاولات الساخرة من رداءة الواقع وعمق الألم، مترجمة ما حدث ويحدث بأفكار مختزلة وصور تعكس شدة امتثال هذا الجيل لقيم القضية ذاتها، آخذاً من تضحيات الأطفال وذكريات المكان نقطة انطلاق لأعمال سينمائية قصيرة من حيث المدة، عميقة من حيث رمزية الهدف والقضية، كل ذلك تمّ بدعوة من اتحاد الكُتّاب العرب – جمعية القصة والرواية، بالتعاون مع مؤسسة (صباء) بيت الفن والأدب، ضمن احتفالية توزيع جوائز الأفلام القصيرة الفائزة إلى جانب الاحتفاء برواد الأدب الساخر أيضاً، وتحت عنوان “معاً نحو أطفال غزة ومعاناتهم”، التي ملأت مدرج مكتبة الأسد للثقافة والفنون، بحضور كوكبة من الأدباء وممثلي الاتحاد والمنظمات الشبابية في سورية.
المشهد الثقافي الفلسطيني
تصدرت قضية غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” المشهد الأدبي في سورية، آخذةً بكل المحاولات الجديدة لنقلها بأمانة، سواء عبر الكلمة أو الكلمة والصورة، مواكبة الحدث عبر أنشطة وفعاليات توجت يوم أمس، بجوائز عدة للأفلام القصيرة، ضمن مشاركات ٢٦ فيلماً، حصد الجائزة الأولى منها فيلم (قلادتي) للمخرج على الشالاتي، فيما كانت الجائزة الثانية من نصيب فيلم (جذور) للمخرج ليث علوش، لتبقى الجائزة الثالثة من نصيب كلٍّ من فيلم (لحظة) للمخرجة ندى شعبان، وفيلم (حلوى البطيخ) للمخرجة بدور شحادة، وذلك مناصفة، كل ذلك تم بحضور الأستاذ عمر جباعي وأدباء ومحاضرين واتحاد الصحفيين ومجمل المشهد الثقافي السوري.
“ما بين بطولات أهلنا في فلسطين، وردود فعل دول عدة، قصص من السخرية وروايات من الألم والوجع”، بهذا الوصف الدقيق لحال الشعب العربي والفلسطيني، افتتح رئيس اتحاد الكتاب العرب محمد الحوراني حديثه مع الحضور، مبيناً امتداد جذور هذا الشعب عبر آلاف السنين، فالموقف اليوم هو موقف عز وثبات وانتصار، لرجال لم يتخلوا عن أرضهم، كما غدت فلسطين حكاية كلّ أم مقاومة، أورثت أبناءها حب الوطن على امتداد مساحة الوطن العربي ككل وفق الحوراني.
واليوم، إيماناً ما بقدرة شبابنا على المضي قدماً بنقل صورة الواقع، كانت هذه المبادرات دليلاً على قدرتهم بصياغة الألم ومن ثم تصويره باحترافية حسب تقييم الحوراني للتجارب السينمائية المقدمة.
الأدب الساخر
ولأن فضاءات السرد كانت الأقدر على تصوير رداءة الواقع وصياغة الألم، كان لزاماً على اتحاد الكتاب العرب الدمج بين فن القصة الساخرة، والفن المقاوم حسب توصيف الحوراني، وإيماناً من الاتحاد بضرورة التكامل بين الأجناس الأدبية، شارك بهذه الفعالية، التي كانت بالتشاركية بين اتحاد الكتاب العرب ومؤسسة (صباء) والاتحاد الوطني لطلبة سورية ومنظمة طلائع البعث واتحاد شبيبة الثورة.
ولأن المثقف العربي، هو الداعم للفعل الثقافي النهضوي التغييري، جاء دعم وزير التربية محمد عامر المارديني لفعالية القصة الساخرة، فالكلمة الصادقة هي القادرة على تجاوز الألم، وحصدت الجوائز أيضًا، ضمن مهرجان السخرية للأدب والفن بموسمه الثاني ٢٠٢٤.
“أن ترسم ابتسامة مشوبة بالدمع ببضعة سطور أو صفحات ترويها فيحتار القارىء أيضحك سخرية أم استهزاء، أم يبكي ألماً وحرقة”، تعريف شامل قدمه الأديب محمد عامر المارديني للأدب الساخر، الهادف لإلقاء الضوء على الصعوبات، ومن ثم نقدها بأسلوب يترك عظيم الأثر لدى القرّاء، عبر حثهم على التفكير بالدواء لاجتراح الحلول بطريقة ممتعة، هو جوهر الأدب الساخر، الذي ينبش القضايا المهمة ويوجه الرأي العام، ما جعل منه مهمة صعبة برأي المارديني، لما يتطلبه من تلقف الأفكار المتناقضة وصياغتها بأسلوب رشيق، وتخفيف الوصف والتعبير، مع توجيه الفكرة كالسهم، لقيامه على صياغة الأضداد وصياغة الفكرة بذكاء، لتصبح بعدها القصة الساخرة حديث القراء برأيه، يتبادلون الكلمات بينهم، ويستشهدون بها وبرمزيتها.
كل ذلك جعل من جمهور الكاتب الساخر أكبر وأوسع حسب توصيف المارديني، لتوجهه لكل من يريد تخفيف الواقع بالسخرية منه، وتلقف الفكاهة الساخرة، شارحاً دور الأفلام السينمائية المعروضة بتناول الأطفال أيضاً.
لا بدّ من الإشارة لدور الأدب والفن، لدوره في تعزيز الهوية الثقافية للمجتمع، وتشجيع الشباب للخوض بغمار القضايا، الذي لم يعد استثماراً فحسب برأيه، بل هو خطوة بالاتجاه الصحيح، وهو ما نقوم به – والحديث للأديب محمد المارديني-، بتكريس الذكرى السنوية لمهرجان الأدب الساخر وإحياء نصوص أبرز كتاب الأدب الساخر مثل (الماغوط ووليد معماري) وغيرهم، ضمن يوم سنوي للأدب الساخر.
رعاية رسمية
كالعادة، ملأت أجواء الاحتفالية مشاركات كثيرة اتسمت بالرسمية نوعاً ما، الذي جمع طابع الأدب والأفلام القصيرة، بمضمون وهدف واحد، أكده وزير التربية محمد عامر المارديني، تمثيله لجمعية القصة والرواية، كيف وهو الأديب والمثقف الأكثر اضطلاعاً بالأدب الساخر، معتبراً في خلال حديث خاص لـ”تشرين” بأن القضية الفلسطينية هي جزء من شخصياتنا الوطنية، ما يجعل التفاعل معها أمراً لازماً من قبل الجميع، بتسليط الضوء مباشرة على ما يقدمه الفلسطينيون من دماء سفكت لأجل الوطن، من خلال رسالة اتحاد الكتاب العرب والتي حملها رئيس الاتحاد محمد الحوراني في حديثه لـ” تشرين” أيضاً، بالإشارة إلى تنوع المسابقة ضمن شقين؛ أدبي وسينمائي، وتوصيف طغيان وظلم العدو بالتهكم الشديد، ودفع المعجزات التي تحصل في فلسطين لواجهة العمل المقدم من قبل شباب عرفوا أنهم مثالٌ لقيادة القضية مستقبلاً.
من هنا كان التعاون مع دار الفنون وفريق (رؤية) التطوعي لدى اتحاد شبيبة الثورة، بإنتاج الفيلم السينمائي الصغير (كاميرا أبو زعبوط) عن قصة كاميرا الشعور من مجموعة (أسلاك شائقة) للدكتور محمد عامر المارديني، سيناريو: عماد نداف، وإخراج: هشام فرعون، تمثيل: في البطولة جمال العلي والفنان الشاب فريد واكيم، إلى جانب عدد من الفنانين الهواة.
تلا عرض الفيلم الذي يحاكي الواقع الحالي مع معايشة آلام المواطن اليومية وكشفها بالذكاء الاصطناعي وكاميرا، لوحة مسرحية بعنوان (مذيعة) تأليف وإخراج: عمر أيوب، تمثيل: إيمان بركات، إياد يوسف، عمر أيوب، نضال حليحل، وأشرف على تحضيرها (جمعية المسرح) في اتحاد الكتاب العرب.
اختتمت الفعالية الثقافية لمسابقة (أفلام الشباب القصيرة)، بتقديم الجوائز للفائزين تباعاً، وسط حضور أقل ما يمكن وصفه بالمدهش من حيث التفاعل والمشاركة.