محمود حامد في تأبينه.. غصنٌ يودّع غصناً ولا تنتهي شجرة الصاعدين (نقلاً عن الثورة)
الثورة – رنا بدري سلوم:
قد لا يكون حفلاً تأبينيّاً، بقدر ما كان حبراً من دمعٍ كانت قد ذرفته مُقل رفاقه قبل أن تتأبط جوارحهم أوراقاً معطّرة بقصائد الحاضر الغائب الشاعر فلسطينيّ الهوى والهويّة محمود حامد الغنيّ عن التعريف، الإنسان المتجذّر بأرضه كشجرة ترابها مجبولة بقضيّة وجوده وحلم تشهد عليه دمعة سماء وعذوبة ينبوع.. بعودة.
فقد اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين أمين سر جمعيّة الشّعر الشاعر محمود حامد، فقداً مؤلماً وخاصة أنه من الشعراء الذين واكبوا النكبة بالدّم والحبر، وكان له مع مقرر جمعيّة الشعر في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين الشاعر صالح هواري أياماً لا تنسى، استهل بها الهواري حفل التأبين بكلماتٍ حميميّة التآخي وتاريخه النضالي الذي يصف مناقبه كشّاعرٍ مقاوم أثبت حضوره وهو من الرعيل الأول في الشعر عاش النكبة وخرج من فلسطين، مستحضراً الهواري أسماء من بقوا في الذاكرة ومنهم الشعراء عبد الكريم عبد الرحيم خالد أبو خالد أكبر الشعراء الفلسطينيين الذين عاشوا النكبة.
عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين الشاعر عبد الفتاح إدريس تحدث عن الشاعر الحامد أنه شاعر برتبة نجوم،” رغم تواضعه حلّق بنا إلى ناصية الشعر فألف كتاباً كان جلّ همه أن يطبع ليبصر النور وهو ما يجب أن نتعاون لأجل أن يبقى الكتاب إرثا للأجيال القادمة السائرة على نهج التحرير خاتماً بالقول نعم “رحل الرحيل ولم يرحل”.
“في مقام الفقد يصعب الكلام، ولاسيّما لشاعر كان يتنفس الشعر، محمود حامد ليس مجرد اسم عابر في الشعريّة الفلسطينيّة وحسب يحمل الإرث الشعريّ المقاوم”، وفقاً لما جاء في كلمة الأديب والناقد أحمد هلال، مطالباً النقّاد أن يديروا الدف النقدي وينكبّوا على أعماله الشعريّة، ويمعنوا النظر في قصائده لا أن يكتفوا في ذكر مناقبه، الشّاعر الحامد قد مثّل القضيّة الفلسطينيّة خير تمثيل، فكان الشّاعر الرائي الذي يتجاوز بحدثه اللحظة، نعم غيّبه الإعلام لكنّه مترع بالضوء والإشراق والنبل والإبداع.
الكاتب والناقد عمر أبو جمعة قال في كلمته: “محمود حامد الأب والأخ والأستاذ الذي خاطبنا يوماً بأننا العابرون في الدمعة الأخيرة، الحاضرون أبداً في الغياب البعيد، العابرون بين منفى ومنفى ومخيم ومخيم ودمعة ودمعة ستظل حيّاً في قلوبنا نتذكرك كلما اتجهت العيون إلى القدس وجرحها النازف أبداً، حيث تحلّق روحك راية في أيدي المقاومين كرمى حريّة فلسطين”.
في وقت أوقفت الدمعات الوفيّة بصدقها كلمات الدكتور بكور عروب بين الحين والآخر فخانته الكلمات حيناً وصوتهُ حيناً آخر مستحضراً الخصال الحميدة للشاعر الحامد فقال علّمنا الشّاعر كيف تُحب الأوطان وكيف تُعشق، كتب بصمت ورحل بصمت، كان شاعر الجغرافية والتاريخ شاعر الضمير، شاعر المحبة لا يعرف الكره طريقًا إلى قلبه، ملقياً مقتطفات من قصائد له وعنه.
“كانت وصيّة محمود حامد ارأفوا بحال الكبار لا تتركوهم للتراب” بحسب صديقه ورفيق دربه حتى اللحظات الأخيرة الأديب صبحي سعيد، متسائلاً في كلمته أين هم الأوفياء للشاعر الحامد، الذين ساعدهم يوماً، لماذا كل هذا التقصير وهو الشّاعر الذي يغدقُ حبّاً على الجميع!؟ وهو الذي امتلك السليقة الشعريّة فلم يكن إلا كجدولٍ عذب يسكنه الحماس والحياة والتحدّي.
من جهته تحدث الشاعر أكرم صالح الحسين عن مآثر الشاعر الحامد ملقياً قصائد له وعنه يتحدث فيها عن هذا الصوت القابع بين المخيمات وفي الجهات وفي صرخات الإنسان وأوجاعه في الشهادة والولادة.
بينما خاطبه الشّاعر جابر أبو حسين في قصيدته يا قبلة الأنام كنت كينبوع متدفق ولم يزل من العمر أقصى الوجود.. يا محمود..
من جهته أكّد الشاعر سليم المغربي في قصيدته غبطة الرثاء والوفاء لشاعر قل مثيله كان ديدن الأحرار حقاً.
كانت تجمعه به علاقة أسريّة وقصائد طفولية كتبها الراحل لأبناء الشاعر فتحي الصالح حسين ” تولين وايلين وسيلين وليمار” ألقاها في كلمته متأثراً برياحين هذه الأبجديّات العاليات التي لا تزال تفوح إلى اليوم عذوبة ومحبة ووفاء.
ثم صعد الشّاعر أيهم حوري إلى المنبر متوجّهاً للشاعر الحاضر الغائب بالقول اذكر ما قاله” اكتب كما تشاء وكيفما تشاء اتبع الشّعر كنور كإله لا يظل إلا المؤمنين بذواتهم وقضية وجودهم، مستحضراً المقاومين الذي نذروا ذواتهم من أجل أن تحيا فلسطين حرّة عربيّة.
الشاعران مصطفى خليل ومحمد سلمان خاطبا الشاعر الراحل بأنه سيبقى هذا الحبر الفلسطيني الذي كتب افتتاحيّات الدم الفلسطيني وشهقة الأرجوان وزيزفون الأرض وغيرها الكثير من العناوين التي تبّقى وإن غابَ قائلها عنا جسداً صوت الأرض والحق والإنسان.
وتناولت كل من الشاعرات ” صبا بعاج، تماضر عودة، سلوى السلطي، نورهان ياسين صبان، عتاب السعد” في قصائدهن طيف الغائب الحاضر الشاعر محمود حامد بقصائد له، وكلمات تخجل من وصف هذا الفقد الذي لا يزال يلملم بأكفه المفتوحين دعاء الرحمة والوفاء لشاعر أهدته فلسطين أنجمها، فكان وجهاً لألف حكاية.