(ما وراء الغياب في شعر توفيق أحمد): مراجعة نقدية (نقلاً عن الفداء)
صدر حديثاً كتاب نقدي جاد للأديب الناقد محمد شريف سلمون يتناول فيه شعر الأديب المبدع توفيق أحمد، مسلّطاً الأضواء النقدية على تجليات ما وراء الغياب في قصائد الشاعر المذكور.
يستهل الناقد سلمون في دراسته هذه بعتبة نصية أسماها (تنويه) التي تبرز نصاً موازياً يؤكد أهمية ثنائية الحضور والغياب في الدرس النقدي العربي، فيشير إلى أن شاعر الأرض المحتلة محمود درويش تصدر المشهد النقدي بامتياز.
وعلى غرار النقاد والباحثين الذين يهتمون بالقارئ وكيفية القراءة الصحيحة، يمضي الأديب الناقد سلمون قدماً، فيضيف نصاً موازياً آخر عنونه ب (مسوغات الاختيار)، ويقول: أما فيما يخص وقوع اختيارنا على الشاعر السوري توفيق أحمد، فإننا نقول وبكثير من الثقة: إن طبيعة نصوص الشاعر الفكرية والمعرفية والثقافية، وتجربته الأدبية والفنية، وتوظيفه لتقنيات السرد والخطاب القصصي في مجمل نصوصه من جهة، والغموض (الإبهام) الذي يسيطر على ماهية الفاعل الشعري فيها، من جهة ثانية، أمران يوفران لنا شرط محاولة التطبيق. (ص13-14).
هذا الأمر يبدو صحيحاً؛ فجولة في عنوانات قصائد شاعرنا القدير توفيق أحمد تدل على أن رؤاه النفسية والاجتماعية والإنسانية التي تشكّل هاجسه الشعري الذي يشغله في آثاره الإبداعية برمتها. (ومن نافلة القول هنا إن تجربته الإبداعية في الشعر موضع دراسة سترى النور بإذن الله تعالى؛ فهو شاعر مطبوع يتأمل في الطبيعة وفي أحداث تشد اهتمامه الشعري، فتتدفق شاعريته ببوح بكر ملؤه الإبداع والتميز).
ويرصد الباحث سلمون استجابة الناقد المبدع توفيق أحمد الذي جمع فيه الأصالة والمعاصرة والحداثة، فيسجل إعجاب الدارسين بروائعه الشعرية، ويقول: ولا غرو- أبداً- أن يطلق عليه الناقد الدكتور هايل الطالب لقب: (حارس الحبق)، وأن يطلق عليه أيضاً- الناقد الدكتور غسان غنيم لقب (بحتري الشام)، وأن نطلق عليه – نحن- لقباً ينسجم وما يمتلك من المقومات- شاعراً وإنساناً- والتي تجعل منه- بما له وما عليه-: (متنبي هذا الزمان). (ص16-17).
ويشفع الناقد سلمون تسميته لشاعرنا توفيق أحمد بالمتنبي بأبيات أطلقها ورأى فيها أنه متنبي هذا العصر: (ص17).
كأنني المتنبي حمص سيدتي
ولن أَرُدَّ لعينيها أنا طلبا
وأنني المتنبي هذه حلبي
وغمد سيفي ولا تستأذنوا حلبا.
لقد أجاد شاعرنا توفيق أحمد فن الشعرية بشاعرية فذة، إذ كتب الشعر بشتى أنماطه؛ فكتب القصيدة التقليدية (العمودية) والقصيدة الحرة (التفعيلة) وقصيدة النثر. (ص50).
وهذه دلالة جلية على أن الشعر يسري في روحه الظمأى إلى عالم مثالي تسوده قيم الحق والسلام والجمال، فينعم بنو البشر بحياة تضاهي الحياة الفاضلة التي تسود في العالم الطوباوي الذي رسمه الشعراء والمفكرون على مر العصور.
وختاماً، أود التأكيد أن ما سطّرته هنا ما هو إلاّ عجالة؛ فآثار شاعرنا توفيق أحمد مصدر ثر للإدهاش والإمتاع؛ لأنه صاحب موهبة أهّلته لإبداع قصائد تفيض بالألق والصدق والمقدرة (ص51).
أ.د. الياس خلف