ليندا إبراهيم لـ «الثورة»: الشعر هو أحد الأقانيم الخالدة التي تعطي للحياة معناها وللإنسان خلوده.. الرواية مغامرة وتجربة ومعاناة ومختبر نفسي فكري (نقلاً عن الثورة)
الثورة- حوار : عمار النعمة :
شاعرة ارتقت بحركة الشعر الحديث بكل اجتهاد ومثابرة وارتكاز على الأطر الفنية والقواعد والمضمون الغني فكان لها حضور آثر لدى القراء، هي المثقفة والأديبة والكاتبة الدمثة المعطرة بجمال الشعر وعذوبته، في كل مرّة تكتب تحقق نجاحات كبيرة وتحجز لنفسها مكاناً بين الكبار، حتى في مشاركاتها بأهم المسابقات كان لها مكانة لافتة حفرت في المشهد الإبداعي العربي اجمل وأبهى صورة، هي الموهوبة والعاشقة لكل ماهو جميل ولطيف وعذب،
كتبت الكثير الكثير وأبحرت في ميادين الأدب، لكن الحب والنقاء والصفاء كانوا في معظم الأحيان عنواناً عريضاً لحروفها، إنها الشاعرة ليندا ابراهيم التي التقيناها لنقلب معها بعض الأوراق فهي تحمل رصيداً من الكتابة والشعر يستحقان التوقف عندهما فكان اللقاء التالي :
بداية الكتاب الأخير المعنون «على رصيف فتنته» وهو عبارة عن دراسات نقدية في تجربتك الشعرية ماذا تخبرينا عنه؟
«على رصيف فتنته» كتاب تم فيه جمع أهم المواد والمقالات النقدية والصحفية التي تناولت تجربتي الشعرية، من قبل أهم القامات والأقلام البحثية والنقدية في سورية ومصر والعراق، فكان بعضها في التجربة ككل، وبعضها الآخر تناول مجموعة بأكملها، أو قصيدة بعينها، أو حتى نص نثري مكثف، قدَّمت له وصدَّرته مشكورة أستاذة النقد الأديبة الدكتورة كاميليا عبد الفتاح من مصر العربية…حيث هي محاولة لتوثيق التجربة، كما يراها النقاد، ضمن سياقها من أبناء الجيل الواحد، وبالتالي بين الأجيال المتعاقبة.
تكتبين المواد النقدية والدراسات والشعر هل يمكن أن نراك في عالم الرواية؟
يمكن للشاعر أن يطرق مجالات الكتابة كافة، وأن يجرب ويبدع في مختلف أجناسها، مما لا يتوفر لغير الشاعر، وعليه فالشاعر يجب أن يكون ذا ثقافة عالية متنوعة، ولا سيما النقدية، ويتمتع بحس نقدي، وبالوقت عينه يستطيع، بامتلاكه موهبة الكتابة، أن يكتب القصة القصيرة والرواية والمقال الصحفي بل وحتى الكتابة الفكرية، حيث الشاعر هو مفكر في العمق، ويمتلك رؤية شاملة لما حوله، بل يذهب الكثيرون إلى اعتبار الشاعر سياسياً في العمق… فكم من رواية كتبها شعراء معروفون، وكم من رواية اصطبغت لغتها بصبغة «اللغة الشعرية»… إذاً أن يطرق الشاعر تخوم الرواية وأرضها أمر وارد، فالرواية مغامرة وتجربة ومعاناة ومختبر نفسي فكري بيئي شامل تكتب بمسؤولية ووعي وليس بسرعة واستسهال.
أنت تكتبين الشعر العمودي والتفعيلة والنثر أيهما أقرب لك؟
الأقرب إليَّ ليس الشكل بل المضمون والذي يكون شعراً حقاً، فلا علاقة للشكل الخارجي للقصيدة بمستوى الشعرية فيها، بل أنا مع جميع الأشكال التي تتبنى سياقاً شعرياً، ولكل من الأشكال التي عدَّدْتَ لعبته وتقنيته في إنتاج الشعر والشعرية، وفي أيها وجد الشاعر نفسَهُ وحقَّقَ رؤيته بلغة شعرية عالية فهذا هو مقياس القرب والبعد إلى قلم الشاعر، إنه النصُّ الشعري الذي يلامس شغافه وروحه وعقله وينتج شعرية عالية.
برأيك أي المجموعات الشعرية لديك هي الأنجح، هل التي تناولت النثر أم العمودي؟
هذا السؤال يصب جوابه في تضاعيف السؤال السابق، فالمجموعة التي تحتوي التجربة الأنضج وتقدمني بشكل يسعى ليكون عتبة متقدمة أكثر من سابقتها في تجربتي تكون الأقرب إلي، كما أنني يجب ألا أتجاهل قربها وملامستها للقراء، حيث يكون رأي القارئ رائزاً في نجاح هذه المجموعة أو تلك، ولعلي مثلاً فوجئت وأنا التي اشتهرت أساساً بكتابتي للنص الموزون، بأن مجموعتي النثرية الثالثة قد لاقت صدى لدى القارئ والدارس أكثر ربما من مجموعة صدرت في العام نفسه، وهذا يعود لاختلاف الذائقة نحو النثر، وبالتأكيد نحو النص القصير الذي يلامس العقول والنفوس ويلقى صداه المناسب لدى الذائقة ويوافق الإيقاع المتسارع لكل ما حولنا.
لكن «منمنمات دمشقية» بالذات كان لها وقع خاص عند القراء ما السبب؟
هذا ما قصدته في جوابي السابق، حيث لاقت المجموعة هذه صدى رائعاً لدى مختلف الشرائح والأعمار من القراء، ووصلت للمتلقي بشكل أكبر، والسبب يعود في تقديري إلى حرارتها العالية التي تناولت الواقع وقتذاك من عمر الأزمة السورية، إضافة لأصالة التجربة والتي قادتني لتغيير أدوات القصيدة لدي وبالتالي على غير ما ألفَ المتلقي مني.
ماذا يعني لك الشعر وماذا ترى ليندا من خلاله؟
الشعر ولد معي وفيَّ وسبقني ربما للتشكل في جيناتي الوراثية والروحية، حيث لعبت البيئة والموهبة والفطرة الروحية واللغوية والموسيقية الدور الأهم في كوني شاعرة…الشعر أرى من خلاله دوراً تغييرياً جمالياً وفكرياً وثقافياً وأخلاقياً… الشعر هو أحد الأقانيم الخالدة التي تعطي للحياة معناها وللإنسان خلوده.
شاركت في العديد من المسابقات أيها كانت الأهم بالنسبة لك؟
كل منها تشكل انعطافة مهمة أضيفت لمسار تجربتي، فمسابقة أمير الشعراء أعلنتني شاعرة عربية ناجزة، ووضعت موهبتي في منبرها وسياقها الصحيحين، وأما مسابقة نازك الملائكة فقد ظهَّرت الموهبة في سياق المشهد الإبداعي النسائي العربي، ومسابقة عمر أبو ريشة جعلتني شاعرة أرتاد تقنيات في الشعر العربي وهي قصيدة القناع وتوظيف التراث…مع التأكيد على أن الجوائز لا تصنع شاعراً، كما أن على الشاعر عدم الركون لنيل الجوائز والتخلي عن تطوير التجربة.
ما رأيك بظاهرة التكريمات والشهادات التي تمنح للشعراء من عدة دول؟
درجت العادة أن يكرم المبرزون ذوو التجربة المديدة والمميزة أو الإنجازات الاستثنائية في مجالاتهم، كما درجت العادة على أن تكون الجهة المكرِّمة هيئة عليا يعتدُّ بها أو مؤسسة ثقافية أو أدبية ذات اسم مرموق، وباع طويل في العراقة والنزاهة الثقافية… ولو قيض لي أن أكون يوماً ما في موقع المكرِّم فلسوف أسقط عن هؤلاء الأشباه هذه الجهالة التي يتخبطون فيها، ولو كنت في موضع المكرَّم لما رضيت تكريمي إلا لأمر يستحق أتيتُهُ، وبالوقت نفسه يكون صادراً عن هيئة ثقافية اعتبارية رسمية عليا ذات شأن وعراقة ورصانة في الثقافة والفن والآداب.
في زحمة الشعر..ما رأيك بالتجارب الشعرية الموجودة على الساحة الأدبية اليوم؟
لا يحضرني سوى القول الشهير «ما أكثر الشعراء… وما أقل الشعر…!» لكنني في الوقت عينه شديدة الإيمان بعامل الزمن الذي يصطفي ويغربل الأسماء ونعم عقبى الفائزين.