قصيدة النثر ..ما لها وما عليها (نقلاً عن الثورة)
الثورة – نوار حيدر:
في إصدار جديد لجريدة الأسبوع الأدبي (١٧٩٠)، زخر العدد كما هو دائماً بعدد من المقالات والقراءات الأدبية والثقافية الغنية، والتي جاء فيها ملف العدد تحت عنوان “قصيدة النثر ما لها وما عليها”، إضافة إلى نشاطات لاتحاد الكتاب العرب ولم يستثن باقة القصائد الشعرية..
افتتح العدد أوس أحمد أسعد بعنوان “الجدل بالحقائق أشبه بحماقة” جاء فيها.. بعد مضي عقود كثيرة على الحضور البهي لقصيدة النثر كحقيقة أدبية قائمة بذاتها، مختلفة عن سياق ما قبلها شكلاً ومضموناً – حقيقة تكاد تشكل قطيعة مع ما سبق بمعنى ما – في المشهد الأدبي العالمي، وحضورها الخجول في البدء من ثم بقوة في المشهد الأدبي العربي منذ ستينيات القرن الماضي، فإن الزوابع التي أثارتها وما زالت لا تهدأ، بين رافض ومؤيد، وما بينهما، لاشك بأن هذا الجدل إن كان منفتحاً على تقبل الوليد الجديد الوافد إلينا برحابة صدر، فسيكون دليل صحة فكرية ونضج معرفي جيدين، وسيعكس صورة طبيعية محلوماً بها لحالة حراك ثقافي وتطور مائزين على صعيد الذائقة الجمالية، وهذا بدوره سيساهم بنفي تهمة السكنية والاستنساخية والاجترار عنا، تلك الصورة الذهنية النمطية التي رسمها الغرب لنا في وعيه ولا وعيه…
كتب خالد عارف حاج عثمان تحت عنوان “قصيدة النثر .. المصطلح والآفاق الإبداعية”..قصيدة النثر تختلف عن شعر التفعيلة بأنها لا تتقيد بوزن أو قافية أو بحر شعري معين، وتختلف عن النثر بأنها ذات إيقاع ومؤثرات صوتية أوضح مما يظهر في النثر، وهي غنية بالصور والتعابير الفنية، وتعتمد على جمالية العبارة، وتتميز بميزة الإدهاش، ومن صفاتها التكثيف والاقتصاد اللغوي، والإيقاع الداخلي للجملة..
ولم تكن مسيرة قصيدة النثر عبر عقود تشكلها، هانئة ورخية، بل واجهتها ولا تزال تحديات وصعوبات كشأن غيرها من الظواهر الإنسانية الإبداعية أو الفنية الجديدة..
تحت عنوان ” الإيقاع بين الشعر والنثر” كتبت عزيزة الطائي – سلطنة عمان ..لا تزال العلاقة بين الشعر والنثر بما يحملانه من اقتراب وافتراق متداخلة متنافرة تتراءى لنا نصوصاً عابرة – بينهما وعليهما – لعل أبرزها: النص المفتوح، وقصيدة النثر، والأقصودة، وغيرها ما يؤكد أننا أمام ظاهرة حيوية ما زالت تتنامى وتتفاعل في الشعر العربي -قديمه وحديثه- باعتباره ديوان العرب، فمهما تراءت العلاقة بين هذين الخطابين (الشعر والنثر) يتجاذبها السكون والتمرد، التقبل والنفور عند التعاطي مع تشكلات قصيدة النثر كبنية لها كثافتها وسكانها وحضورها وتجلياتها النوعية والثيماتية..
كتبت د. غيثاء قادرة تحت عنوان ” قصيدة النثر بين الشعر والشعرية” .. ما زالت قصيدة النثر مثار خلاف وجدل بين أن تكون شعراً أو نثراً على الرغم من أنها تمتلك شرعيتها فلا تزال الآراء في شعريتها قيد الدحض والنفور من بعضهم وقيد قبول وتربع على عرش الشعر من مؤيدين. لا نستطيع أن ننكر أن قصيدة النثر أمدت الشعر بروح جديدة ونظرة مستقبلية استشرفت مقومات تجديد الفكر والمضمون ما جعل الشعر أكثر استيعاباً لمجريات الحياة وإيقاعها السريع..
وتحت عنوان “قصيدة النثر بين غموض الضرورة الفنية والغموض العدمي” كتب سمير الخليل/ العراق.. على الشعراء الشباب إعادة النظر في قصيدة النثر وإنقاذها من هذيانها وانثيالاتها الهلوسية، واستسهال كتابتها، حتى صارت مثل سلعة تجارية تنتج بالجملة من هواة لم تختمر تجربتهم بعد، فهناك إلى جانب الغموض المتأصل والطبيعي أو غموض الضرورة الفنية نجد الغموض ( القسري) المفتعل والملفق، فالأول ينتج (قصيدة نثر) إبداعية، والثاني ينتج (قصيدة نثر) فجة هذيانية مفتعلة أو يمكن أن نصف الأول بأنه (غموض جمالي تلقائي) والآخر لعبة لغوية مستعصية لإنتاج أي رؤية فنية إنما رؤية كسيحة ذات بعد واحد.
والشعراء الذين يفتقدون الرؤى الواضحة والتجارب الناضجة، والعاجزون عن الإبداع الحقيقي هم من يمتهن هذا النوع من التلغيز بل المغالاة في توظيف الغموض المستعصي والجاف أو ما نسميه الغموض العدمي.