قراءات جمالية ونقدية في أدب غادة السمان (نقلاً عن الثورة)
الثورة – رشا سلوم:
يشكل النقد الجمالي محطة مهمة في التذوق النقدي الأدبي، وغالباً ما بدا النقد جمالياً ثم تأسست قواعده ومناهجه.
اليوم نقف عند محطات من كتاب الصورة الفنية في نصوص غادة السمان الغنائية، تأليف الدكتورة رتيبة موقع، صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق.
ومن قراءتها النقدية لنص عاشقة تطير مع بوم الدهشة.. نقتطف ما جاء أولاً في النص ومن ثم الدراسة الجمالية النقدية تقول السمان:
تموت الأبجدية في بيت المرأة الشرقية
في مذبحة التفاصيل الصغيرة اليومية
هل لمعت الأواني الفضية بدل الحروف الأبجدية؟؟
هل مسحت الغبار عن الأرائك
وتركته يغطي أهدابك تحت الكحل؟؟
متى يحضر الضيوف؟؟ هرولي في القن داخل الهدر
هل حمرت البطاطس في الفرن وقددت حروفك؟؟
هل سترتدين ثوبك الفضي أم قميص المجانين؟؟
هل تملقت أقنعة الكرنفال؟؟
هل مسحت حذاء المدعوين بحبر قلمك؟؟
ونزفت دم موهبتك
ليلة قطعوا رأس القط أمام العتبة لإرهابك
**
ثمة مقبرة اسمها التفاصيل
تدفن فيها أبجدية المرأة الشرقية
كهياكل السيارات الصدئة المحطمة
التي لا تزال تحلم بالريح والمسافات وشهوة الأفق…
***
وكل ليلة أقص نافذة في الأفق المعدني للمقبرة
أتسلقها بهدوء واقفز منها هاربة إلى الغابة
لأنشر أجنحتي قبل أن يأكلها الصدأ والعث
وأطير مع بوم الدهشة إلى أرض السر…
بعيدا عن مقبرة الأبجدية
في دهاليز مطبخ الأحزان الشرقية…
قراءة نقدية..
يعرض النص نمط حياة المرأة الشرقية بكل ما فيه من تفاصيل يومية وممارسات تمتد على مدى الأيام وتتكرر لتسلب المرأة عمرها وحريتها وموهبتها من دون وعي منها بذلك، ويقدم في نهاية تجربة خاصة لامرأة تتمرد على هذا الواقع وتتخذ لنفسها نمط حياة مختلف.
يمكن تقسيم النص إلى ثلاثة مقاطع: يصور أولها فاجعة موت الأبجدية في بيت المرأة الشرقية في مذبحة التفاصيل اليومية، ويسلط المقطع الثاني الضوء على هذه التفاصيل بينما يقدم الثالث نموذجاً لامرأة شرقية مختلفة اختارت التحليق بعيداً عن حدود هذا البيت /المجتمع وآفاته.
ويلاحظ أن المقطع الأول يقدم بالصيغة الإخبارية والشخصية الرئيسة فيه هي (المرأة الشرقية) بعمومها بوصفها نموذجاً اجتماعياً عاماً، في حين يوجه الخطاب في المقطع الثاني إلى صيغة المؤنث المخاطب المعبر عنها بتاء الفاعل المتحركة الدالة على المؤنث (ت)، ويتحول الأسلوب فيه إلى الصيغة الإنشائية الاستفهامية مما يستدعي مخاطبة توجه الأسئلة إليها.
وتبرز في المقطع الثالث شخصية الأديبة عن طريق ضمير المتكلم المستتر (أقص أتسلق انشر اهرب: أنا) لتقدم لنا تجربتها الذاتية في رفض خضوع المرأة الشرقية والتحرر من نمط حياتها الترتيب في رحلة البحث عن الذات.
يبدأ النص بصورة مركبة استعارة تقترن بتشبيه وتقدم الصورة بأسلوب خبري يقرر حالة قائمة ومتجددة في الوقت ذاته تعكس جريمة ترتكب كل يوم يحدد فيها المكان والوسيلة ويطلق فيها الزمان ولا يصرح فيها بالجاني الحقيقي لكنه مفهوم من السياق فهو غائب حاضر.
ف(تموت الأبجدية) استعارة مركزيتها في العلاقة بين الفعل (تموت) والفاعل(الأبجدية) يسند الموت فيها إلى الأبجدية.
قد يتساءل المتلقي:كيف تموت الأبجدية؟؟ أين يحدث هذا؟؟ وكيف؟؟ وسرعان ما يأتيه الجواب: في بيت المرأة الشرقية فالمكان الذي يحدث فيه الموت هو (البيت/بيت المرأة الشرقية). هذه الإضافة توضح صورة المرأة من جهة ومعالم البيئة التي يحدث فيها الموت من جهة أخرى (البيت الشرقي /المجتمع الشرقي).
فالأبجدية هنا ليست اللغة إنها صوت المرأة وكيانها وفكرها ووعيها ووسيلتها للتعبير عن ذاتها وموتها هو موت المرأة.
ف(المرأة الشرقية) هي المجني عليها والموت ليس موتا طبيعيا إنه جريمة قتل فالجملة لا تنتهي هنا: إذ يكرر حرف الجر الدال على الظرفية (في) بقولها: (في مذبحة التفاصيل الصغيرة اليومية).