في مهرجان “للوطن نغني”.. الشعراء يحتفون بيوم الشعر العالمي (نقلاً عن الثورة)
الثورة – فاتن دعبول:
كوكبة من الشعراء جمعهم حب الوطن، فصنعوا مهرجانهم ليغنوا للوطن، ولأن الوطن الساكن في قلوبهم، ينبت كل يوم قصيدة، أزهرت قصائدهم ونثرت عبيرها في أرجائه، لتعلن عهداً جديداً للحب والوفاء وعهداً على العطاء.
وفي فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب كان اللقاء في مهرجان شعري حمل عنوان” للوطن نغني” بين خلاله د. إبراهيم زعرور رئيس الفرع أنه لطالما كان الشعر حاضراً في جميع مناسبات الوطن، يحكي حكايته ويقف إلى جانبه في أفراحه وانتصاراته تارة، وفي أزماته تارة أخرى، يقف الشاعر يناضل بالكلمة والقصيدة من أجل الوطن، ولأن الشعر ديوان العرب وسفره الخالد، نجد الشعراء يطلقون أقلامهم المخضبة بأرواحهم دفاعاً عن كل ذرة من تراب الوطن.
وفي إدارته للمهرجان الشعري بين الشاعر علي الدندح أن الأمسية تزامنت مع اليوم العالمي للشعر، الذي يتزامن بدوره مع أعياد الربيع وعيد الأم، وقد جاء الشعراء من مدارس مختلفة ولكن تقاطعت لديهم الموهبة مع المهنة، فمنهم الطبيب والمهندس والكاتب، جاؤوا ينتصرون للكلمة، ويحتفون بالشعر كل على طريقته، وهم بذلك يؤكدون أن القصيدة حاضرة ما بقيت الحياة، وأن الشعر لسان حال الوطن، يغني له، وينتصر لقضاياه.
ومن المشاركات نتوقف عند قصيدة تميزت بلغتها الشفيفة وغاصت في عمق النفس لتجذب إليها المتلقي بما حملته من دلالات يبوح بها الشاعر على طريقته، يقول:
لأنك أنت، وأنت على الحق دوماً، رفعت يدي، وقلت حقيقتك المزدراة
وإن كنت لا تملكين من الأمر شيئاً، فيكفي بأنك أولى بزيتون عمري وزيتي ولا تعشقين الطغاة
أراني اصطفيتك فوق النساء، فخالجني الشك فيك، وقد خذلتني المعاني التي ليس تحكى، وليس تحددها ترهات.
سأكذب عنك، وأحمل وزرك وحدي، أراك تخيطين جرح السماء، ويكفي، وأكتب فيك وعنك الرسائل والأغنيات.
نوقد شمعة
ويرى د. بيان السيد في المهرجان الشعري فرصة لتبادل التجارب الشعرية التي تجسد الانتماء للوطن والتمسك بترابه، ومن واجب الشاعر أن يكون مرآة تعكس الواقع وما فيه من إيجابيات، لأن الوطن يحتاج لمن ينهض به وليس لمن يساهم في إحباطه، وهذه مهمة الشاعر في أن يوقد شمعة مهما طالت أيام الظلام، فهذا قدر الشعر وقدر الشاعر، ومن قصيدته” مسافة متر” نقتطف:
مسافة متر، ولوح شفيف، ومن خلفه بسمة لؤلؤية، وشعر قصير تموج تاجاً ولاح من الكوة الدائرية
لتنساب أطرافه في انحسار، يزيد اكتمالاً بتلك الصبية، وعينان من جامعات البريق
وعصفور أنف أليف رقيق، وعنق رشيق تمادى رخاماً برفعة بوابة معبدية
سماحة وجه كبرد سلام، بأرض أناخت غصون اليباس، على جمرة الفتنة المذهبية.
صوت الوطن
وتتوقف الشاعرة بيسان أبو خالد عند دور الشاعر في وقوفه إلى جانب وطنه في السراء والضراء، ويكون صوته الحر، ولا يستطيع أحد أن يخفت صوته إلى أن يتحقق النصر، وهي تحمل رسالة والدها الراحل خالد أبو خالد” إما فلسطين أو فلسطين” ومن قصيدة حملت عنوان” إلى الحاضر الغائب خالد أبو خالد” تقول:
هنا بعد عام، يعود إلينا الكبير المسجى تحت الرخام، ليفتح فينا كتاب الشام” التي أيقظته مآذنها”
أرجحتني أجراسها، شكلتني في ضوئها، حماة الديار عليكم سلام، حماة التذكر أشكركم،
كما قد جعلتم أبي خالداً، لا ينام، مات في يوم عيد لنرفع أعلامنا في حطام السلام.
وتبقى دمشق
وتقدم الشاعرة سمر تغلبي قصيدتها بعنوان اضطراب، فتقول:
أنا يا بلادي أذوب اشتياقاً، لنسر علا لم يراوده رق
لسوسنة حرة في البراري، لشرق عصي ما فيه شرق
أعيذك من غربتي يا سطوري، تموت القوافي وتبقى دمشق
في خانة الوطن
وترى الشاعرة طهران صارم أن الوطن يشكل جزءاً من خلايا الروح، وهو بوصلتنا في كل ما نقدمه من نتاج إبداعي، وتقول: للوطن نغني ونكتب الشعر، لأن الشعر لا يزال يحمل في طياته ثقافتنا وتراثنا ويحفظ مآثرنا وقيمنا، وما تجود به أرواحنا يصب جميعه في خانة الوطن:
بيدي، أضفر ما تبقى من جدائل شمسه، بيدي أقبض فوق عنق الريح
أسحبها إلى حقلي لتذرو لي بذاره، بيدي أصنع وجهه وجهي بياضاً في سواد
وأقطف ما تبقى من خريف طفولته، صوراً ترد الذاكرة، صوراً يمزقها رنين الوقت يمضي
فوق تاريخ الفصول.
ملاذ الروح
وبدوره يبين الشاعر عماد الدين إبراهيم أن من أهم وظائف الشعر هو الدور الاجتماعي، ومن خلال هذا الدور يمارس الشعر تأثيره على المجتمع، ومن هنا لا يمكن للشاعر أن يكون منفصلاً عن واقعه ومجتمعه ووطنه.
ورغم ما يقال عن موت الشعر، لكن سيبقى يحتل مكانته بين الأجناس الأدبية، ويبقى له حضوره، لأنه يعبر عن حلم الإنسان في التحليق في فضاءات اللغة والبلاغة وعلم البيان والصور الشعرية، ويبقى الشعر ملاذاً للروح.
ومن قصيدته” بيني وبينك” نقتطف:
بيني وبينك يلتقي حرفان، من” قاب قوسين” الغلا جاءاني
في كل حرف جاء، أسرار أتت، عزت على الكتّاب والكهان
في كل حرف جاء، ملحمة سرت، في الكون ترميز لها ومعاني
سطرتها في كل ما دونت من، ” ذو مرة” حتى” استوى” بجناني
رؤية جديدة
وبقلم نازف خطت الشاعرة نور موصللي قصيدتها التي تتحدث فيها عن الزلزال الذي أدمى قلوب الملايين، لأنها ترى أن الشاعر مهمته محاكاة واقعه، ويسعى من خلال نتاجه الشعري أن يقدم رؤية جديدة، وفكرة جميلة ورسالة إلى الأجيال القادمة للنهوض بالوطن، تقول:
إثوثينا، رأسك المزهر من بين الركام، بذرة للغد، رايات أمان وسلام، أمسكي كفي سننجو
إخوتي في الأسفل المنسي يلتفون حولي، حول ساقي، فلمن أتركهم خلفي يباساً مطلقاً يمتد في قاع الظلام
آمني بي، بل أجبني، جسد إثر جسد، ذاك ما يغلي على سطح المنافي، أم زبد؟
وتُراه الموج في مد وجزر أم أبد، كان يا ما كان يا سوسنة تنمو على خد السواقي، كانت الأرض صديقة
انتظرنا في شقوق بين جنبيها سننمو من جديد، وعساها رعشة من سنن الأرض ستجري في عروق الحجر الناجي فيصحو، ثم يبني صرحها الأعلى ويبني لغد ليس بعيد.
كما شارك في المهرجان الشعري الشاعر عصام تكروري بقصائد وجدانية تصدر من مبدع يحاكي آلاماً وآمالاً يعيشها المجتمع في انتظار فرج قريب.