في طرطوس.. قراءات في أدب الشاعر العراقي طلال الغوار (نقلاً عن تشرين)
تشرين- ثناء عليان:
“طينُ قريتي.. المشبعُ بالَّلذةِ واللُّزوجةِ والغبارْ.. لمّا يزلْ عالقاً على حوّافِ الروحْ.. أجمعُ أجزائي وأثر القبلة المستحيلةِ.. وأعدو.. أعدو.. لملاقاةِ شمسٍ.. تنهضُ من سرير نهرٍ.. لتحْلقَ في حزنهِ النهار…”
هذه شذرات مختارة من كتاب “نداء لصباحات بعيدة” للشاعر العراقي طلال الغوار الصادر عن دار الينابيع في دمشق.. واحتفاءً بهذا الكتاب أقام فرع اتحاد الكتاب العرب في طرطوس حفل توقيع بحضور ثلة من الأدباء والمثقفين. وبمشاركة كل من الشاعرين منذر عيسى وسمير حماد، والأديبة ميرفت علي من خلال تقديم قراءات نقدية للكتاب.
بداية تحدث الشاعر منذر عيسى عن المتعة التي رافقته وهو يقرأ الكتاب، لافتاً إلى أن الغوار بدأُ سرديَته بعنوانٍ صادمٍ /الكرسيّ/ محاولاً وبرمزية وضعه في مكانٍ مهم من أساس البيت أو الوطن أو أساس المكاتب، وربط به شخصية من خُصّصَ له وحسبَ مرتبته، مؤكداً أن الكرسيّ ليس دائماً للتسلّط والغرور، فقد يكون حسب مكانه لأشياء أخرى كالتأمّلِ والاندماج مع الطبيعة والتحليق في سمواتٍ بعيدة، كما قد يَخْلُقُ ألفةً مع المكان، ومن كرسيّه الذي أنسنهُ استطاع العودة خمسين عاماً إلى طفولة تشكلُ له ولنا المنبع والملهم الذي لا ينضبُ وسيكون زادنا حتى الموت..
بدوره أثنى الشاعر سمير حماد على الكتاب واعتبره نوعاً من أنواع السير الذاتية، مشيراً إلى أن الكاتب تناول في كتابه السردي حياته من الطفولة وحتى اللحظة الراهنة، لحظة ما بعد الحرب، ولا يكاد يغادر الكتاب شاردة وواردة في قضايا وموضوعات متفرقة في المحطات الأساسية من حياة الضيف.. وأكد أن الكاتب وثق في كتابه أحداثاً تاريخية مهمة مرَّ بها بلدهُ العراق منها: سقوط بغداد، وتحطيم تماثيل بعض الرموز الفكرية المعروفة مثل: أبو جعفر المنصور، وسجَّل موقفه من لحظات التاريخ الحاسمة، ولم يكن نادماً أبداً على موقفه السياسي مما يجري في بلده وفي العالم من حوله، لافتاً إلى أن الشاعر طلال الغوار عاشَ في دمشق وتعرَّف على أحيائها وتراثها كبلدٍ ثانٍ.
أما الأديبة ميرفت علي فاختارت تقديم قراءة بديوان شعري جديد غير المحتفى به، صدر للشاعر طلال الغوار مؤخراً بعنوان (القصيدة تبحث عن زمن آخر) سيقوم الشاعر بتوقيعه في دمشق قريباً، وهو الديوان الشعري التاسع على مدى أربعين عاماً من الاجتهاد والتأليف، في مسيرة غنية وحافلة بالتجدد والاهتمام بقصيدة النثر التي لا يجيد كثيرون كتابتها وتوصيفها.
وأكدت أن الديوان يتسم باللغة السهلة والبسيطة، ويقوم على الاختزال والإيجاز، في الفكرة، وفي أسلوب التوصيل، وتضيف: نجد أن الشاعر قد أحسنَ إقامة علاقة جيدة بينه وبين القارئ العربي اليوم، فاختار التخاطب معه بلغة يفهمها، وطرحَ أفكاراً تهمُّ الناس في الوقت الراهن، كما خصص الديوان بالمجمل للشأن الإبداعي، إنه ديوان (القصيدة) ومخاض ولادتها، وأدواتها، والدعوة إلى التمسك بها لأنها الرد الوحيد على ما يواجه هذا العالم من خراب. واستعرضت بعض القصائد المُلفتة في ديوان (القصيدة تبحث عن زمن آخر)، مشيرةً إلى عمق الأفكار المطروحة، والتي تختص فقط بمسألة الإبداع الشعري وجماله، فتحدثت عن نصوص: (فكرة ملساء)، وقد أشارَ بها الشاعر إلى الأفكار التي تسلّم قيادها للشاعر بسلاسة كي يمضي في مشروع إبداعه، ونصّ (القصيدة تبحث عن زمن آخر)، الذي يرى فيه الشاعر أن الزمن الحالي المُبتلي بوصمة عار الحروب والدماء المراقة هو زمنٌ فاسد لا يصلح للإبداع، وعلى الشاعر أن يخرج منه إذا ما أرادَ كتابة قصيدة نظيفة. وفي نص (مخاض عسير)، يقول: إنَّ سفر الشاعر إلى أعماق نفسه هو مخاض صعب لا يعرفه إلا الشعراء الذين يتقنون هذا النوع من الأسفار الداخلية.
أما في نص (الحب عُلوَّاً)، فيعترف الشاعر فيه أن حبه للشعر قد رفعهُ إلى منزلة عالية في الإبداع الشعري والسعادة الحقيقية، مؤكدة أن نصوصهُ الوجدانية تتميز بالوطنية الصادقة في أشعار مثل: (أحبكِ أيتها البلاد)..