فن الترجمة عند جون درايدن (نقلاً عن البعث)
آصف إبراهيم
تعدّ الترجمة واحدة من أقدم نشاطات الإنسان، فقد تزامن ظهورها مع شعور الإنسان بالحاجة الماسة للتواصل والتفاهم مع الشعوب الناطقة بلغات مختلفة، ويبدو أنه من العسير تحديد بداياتها التاريخية بشكل دقيق، وقد ظهرت الترجمـة الشفهية قبل الترجمة الكتابية.
وشهدت العصور الوسطى نشاطاً ملحوظاً في حركة الترجمة، ومع حلول القرن الثاني عشر نقل في اسبانيا الكثير من الترجمات والمؤلفات العربية إلى اللاتينية، فنهل منها الغرب الكثير، وفي عصر النهضة شهدت أوربا كماً هائلاً من الترجمات، وكان مارتن لوثر من أهم الشخصيات التي عملت في هذا المجال، إذ قام بترجمة العهد الجديد إلى اللغة الألمانية عام 1522، ومع ما له من أياد بيضاء في مجال الترجمة فإن الباحث الفرنسي إتيان دوليه يعتبر من أوائل من قاموا بتشكيل نظرية ترجمة، فقد نشر عام 1540 موجزاً حول مبادئ الترجمة بعنوان “الطريقة الجيدة في الترجمة من لغة إلى أخرى”.
وهناك المترجم الإنجليزي جون درايدن الذي توقف عنده المترجم حسين سنبلي في محاضرته التي ألقاها في اتحاد الكتاب العرب، وتناولت نظرية ومفهوم درايدن في الترجمة، هذا المترجم والأديب الذي وضع في أواخر القرن السابع عشر نظريته المشهورة عن ضروب الترجمة، وذلك بعدما ترجم أهاجي جوﭬينال (من اللاتينية) (1693) وحياة مشاهير اليونان والرومان عن اليونانية (1693) وقيل إنه اضطر إلى العمل بالترجمة لكسب الرزق بعد فصله من منصب شاعر البلاط عند الملك تشارلز الثاني.
برع درايدن بوصفه شاعراً مسرحياًً وناقداً أدبياً، وكان يعتقد أن الإنسان جزءٌ من المجتمع الذي يمتد بجذوره إلى العهد الإغريقي والروماني القديم، ورسخ في اعتقاده أيضاً أن الآداب والفنون لها قيمتها كمؤثرات حضارية، وتأسيساً على هذه المعتقدات، تناول درايدن في كتاباته القضايا الكبيرة ذات الأبعاد الاجتماعية والسياسية والإنسانية.
ولكن أهم ما تطرق إليه المحاضر هو قوله بوجود ثلاثة أنواع من الترجمة:
الأول يسميه النقل الحرفي أي نقْل الكلام بشكله الأصلي ومعناه.
والثاني يسميه نقل المعنى أي نقل الفكرة بغض النظر عن الألفاظ.
والثالث يسميه المحاكاة أي إنشاء عمل يحمل المعاني والصور الموجودة في الأصل نثراً أو شعراً دون التقيد بالنُّظم اللغوية في المصدر، بل اهتداء بالنظم اللغوية للغة المترجم إليها.
كان درايدن شاعراً فذًّاً ترجم أعمالاً أدبية شهيرة، من أهمها: ملحمة الإنيادة للشاعر “فيرجل” والتي يقول في ترجمته لها إنه حاول قدر الإمكان “جعل فيرجِل ينطق بالإنكليزية كما لو أنه عاش بيننا في إنكلترا – في زمننا الحالي – ونطق بالإنكليزية”، ويقتبس عنه كثيرون هذا المبدأ الشهير لأنهم يرون فيه تعريفًا مثاليّاً للترجمة المتقنة.
جاءت المحاضرة مختزلة ومكثفة جداً، مرت مروراً سريعاً على رأي درايدن في الترجمة، ولم تغص عميقاً في أعمال هذا المترجم والأديب الكبير الذي كانت له أياد بيضاء في خدمة الشعر ونقله، حيث ترجم الكثير من الأشعار والمسرحيات اليونانية والرومانية القديمة إلى الانكليزية، لعلّ أبرزها أشعار أوفيد الذي نظم أساطير اليونان شعراً رائعاً بعيداً عن السردية ظل الناس يجدون فيه الجدة في كل قرن من القرون.