صفحات من قصّة الأرض في سورية (نقلاً عن الثورة)
الملحق الثقافي- علي حبيب:
منذ أن اخترع السوريون الحرف واللون, ودجّنوا الحيوانات وأبدعوا أوّل نوتة موسيقيّة، وأوّل مكتبة رقميّة في التاريخ، وأسّسوا القرى والمدن، كانت الأرض هويتهم وانتماءهم, فعلى شاطىء الفرات ودجلة، وقرب الأنهار وفي أوغاريت، وهنا في دمشق كانت هويّة الانتماء الأولى، للأرض للوطن، أينما حلّوا وذهبوا نشروا العلم والمعرفة، وفي قلوبهم اختزنوا الحنين وشغف العودة إلى الأرض إلى مكان الانطلاق الأوّل.
حالة ازدهار لقلب العالم جعلته محط أطماع الغزاة يريدون سلبه واحتلاله ولكنّ السوريّ الأصيل المتجذّر في ترابه، كان أبد الدهر بوجه هؤلاء الغزاة الذين تكاثروا وتوالدوا، وما زالوا لحدّ الآن.
الوطن السوريّ, سوريّة الكبرى، بلاد الشّام التاريخيّة والجغرافيّة بكلّ ما فيها, هي أيقونة الأرض، بكلّ شيء, الماء والشجر والحجر، والمدن الثقافيّة والزّرع، أوّل مواسم (الحنطة) من هنا ألم يردد القدماء: حوران إهراءات روما، أي مخازنها فإن أمحلت جاع العالم.
ازدهار كما أسلفنا أغرى الغزاة لأن يجربوا الاحتلال و اغتصاب الأرض نجحوا بقوّة الّسلاح لفترة من الزّمن, لكنّهم دحروا وهزموا واستعادت الأرض طهرها.
قضيّة الأرض في سورية كتاب على غاية من الأهميّة, تزداد أهميته كلّ يوم مع تزايد الهجمة الاستعماريّة على أرضنا
يتناول المؤلف في كتابه هذا مراحل نضال السوريين للحفاظ على الأرض والعرض والوطن, ويظهر بالوقائع والأرقام والدلائل ما عاث به الغزاة من فساد, كيف عملوا على استغلال أرض سوريّة وحين لم يستطيعوا دمّروا الشّجر والحجر.
منير الشريف، في كتابه هذا يتناول قضيّة الأرض في سورية إلى مرحلة زمنية محددة، في التفاصيل الكثير الكثير، ممّا بجب أن يبقى ماثلاً أمام الجميع وإذا كان قد توقف عند مطلع ستينيات القرن الماضي فإنّ الجميع يعرف تفاصيل وأطماع العدو الخارجيّ بأرضنا بعد ذلك.
هل نتحدث عن الجولان…. عن الشّمال السوري….. عن اللواء السّليب؟؟؟؟؟؟؟
.الأرض هويّة وانتماء
والأرض كانت الشّغل الشّاغل لكلّ سوريّ, يموت فداء لها لأنّها أبعد من تراب ورمل وحصى وغير ذلك ..هي كما أسلفنا الحضارة الأولى والأخيرة عليها ومنها كلّ شيء ..لذلك لا تجد أحداً في هذا العالم متمسكاً بأرضه كما السوريّ.
أينما حلّ وارتحل, ومهما ابتعد يشغله الحنين وحلم العودة إلى أرضه ووطنه.
لم يسمح لمحتلّ أن يستقر ساعة واحدة على جزء من ترابنا والتاريخ شاهد على ذلك.
وقد شغلت الأرض الحيز الأكبر في تفكير القائد المؤسس حافظ الأسد الأرض العربيّة كلّها, فلسطين والجولان الذي قال عنه سيكون قلب سوريّة و رحل ولم يوقّع على التنازل عن بضع مئات من الأمتار.
وعلى النهج نفسه يمضي السّيد الرئيس بشّار الأسد الذي يقود سورية من نصر إلى آخر في محاربة الإرهاب, والتمسك بكلّ شبر من أرضنا وهو القائل 🙁 الأرض هي الكيان والوجود لذلك قيل الأرض كالعرض لا يفرط بها ولا يساوم عليها.. كلّ ما سبق من هذه المسلمات وهناك طبعاً مسلمات أخرى كلّها هي التي تشكّل الوطن المسلمة الأكبر أي الوطن.. لذلك من غير المقبول ومن غير المنطقي أن نسمع دائماً أنّ الوطن خط أحمر.. الوطن لا يمس.. الوطن مسلمة.. ولكن نمسّ بكلّ المسلمات الأخرى التي تؤدي إليه.. هي الطريق إلى الوطن وهي الطريق إلى الوطنية.. ومن دونها الوطن هو عبارة عن حالة عاطفيّة أو عبارة عن مجرد شعار فارغ لا معنى له.. لذلك لماذا أؤكد كثيراً على هذه المسلمات.. أيضاً بعيداً عن التنظير وانطلاقاً من الواقع وأنا دائماً أحبّ بكلّ أحاديثي أن أنطلق من الواقع.. لأنّ هذه المسلمات هي التي دفعت عائلات بأكملها لإرسال أبنائها ليقدموا أرواحهم وأجسادهم فداء لوطنهم.. هذه المسلمات هي التي أسست المواقف الوطنيّة والأخلاقيّة الصّلبة لكثير من السوريين من شرائح وفي مواقع مختلفة وثبتتها بالرغم من التهديد المباشر لحياتهم أو عائلاتهم أو رزقهم خلال الحرب.. وهذا يشمل كلّ من هو موجود في هذه القاعة.. وأنتم أكثر من يعرف معنى هذه الفقرة بالإضافة إلى الكثير من السوريين الذين وقفوا مع وطنهم.. وهي المرجعيّة التي استندنا إليها في مواقفنا.. وهي الدرع الذي حمانا من تأثير الحرب النفسيّة المعقدة التي تعرضنا لها خلال الحرب..عملياً هي التي أسقطت كلّ الرهانات.. لذلك أنا أركز على هذا الموضوع.. فإذاً.. إن لم نعرف سبب المشكلة.. وإن لم نعرف سبب الصّمود بالوقت نفسه، فهذا يعني أننا لم نتعلم الدرس.. وإذا لم نتعلم الدرس لا نستطيع أن ننطلق باتجاه المستقبل ونحن مطمئنون.
وأضاف الرئيس الأسد: لذلك انطلاقاً من كلّ ما سبق ذكره من الحقائق آنفاً ..كلّ ما ذكر في هذه الكلمة.. ومن التوجه الذي أظهره الشعب واضحاً وجلياً والذي لم يكن وليد الحرب لكنها جعلته أكثر وضوحاً ورسوخاً وهو اليوم واقع لا يمكن لأحد أن يغيره.. أكرر مرة أخرى دعوتي لكلّ من غرر به.. لكلّ من راهن على سقوط الوطن.. لكلّ من راهن على انهيار الدولة أن يعود إلى حضن الوطن لأنّ الرهانات سقطت وبقي الوطن).
نعم معركتنا مستمرة لاستعادة الأرض، كلّ الأرض ولن يهنأ لنا بال حتى تعود من دنس كل احتلال، ونحن نردد قول الشاعر بدر الدين الحامد بعد طرد فرنسا وتطهير أرضنا:
والوطن لن يزدهي إلاّ بجهود أبنائه، وكاذب من يدعي أنّه جاء ليبنى وطننا ..الأرض تعمر بجهود أبنائها
لا غيرهم :وهذا ما عبّر عنه الشّاعر عمر أبو ريشة إذ قال:
يا عروسَ المجدِ تيهي واسحبي في مغانينا ذيولَ الشُّهبِ
– لن ترَيْ حفنَةََ رملٍ فوقَها لم تُعطَّر بدِما حرٍّ أبيّ
– درجَ البغيُ عليها حقبةً** وهوى دونَ بلوغِ الأربِ
– وارتمى كِبرُ الّليالي دونَها** ليِّنَ النَّابِ كليلَ المخلبِ
– لا يموت الحقُّ مهما لطمَتْ** عارضيْهِ قبضةُ المُغتصِبِ
كم لنا من ميسلونٍ نفضَتْ** عن جناحيْها غُبارَ التعبِ
-كم نبَتْ أسيافُنا في ملعبٍ** وكبَتْ أجيادُنا في ملعبِ
– من نضالٍ عاثرٍ مُصطخِبِ** لنضالٍ عاثرٍ مُصطخِب
– شرفُ الوثبةِ أن ترضي العُلا** غلب الواثبُ أم لم يغلب
– هذه تربتنا لن تزدهي** بسوانا من حماةٍ نُدُب
والأرض هي القضيّة الكبرى التي شغلت سورية، قضية فلسطين وأرضها ومن الطبيعيّ أن تكون ديدن الشعراء العرب ولاسيما شعراء الأرض المحتلة، شعراء المقاومة، وقصيدة الأرض لمحمود درويش ذروة إبداعية في تجسيد أماني وتطلعات الّشعب العربيّ يقول درويش :
في شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض
أسرارها الدمويّة .. في شهر آذار مرّت أمام
البنفسج والبندقيّة خمس بنات .. وقفن على باب
مدرسة ابتدائيّة، واشتعلن مع الورد والزعتر
البلديّ .. افتتحن نشيد التراب .. دخلن العناق
النهائيّ – آذار يأتي إلى الأرض من باطن الأرض
يأتي، ومن رقصة الفتيات-البنفسج مال قليلاً
ليعبر صوت البنات .. العصافير مدّت مناقيرها
في اتجاه النشيد وقلبي .
أنا الأرض
والأرض أنت
خديجة ! لا تغلقي الباب
لا تدخلي في الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل.
وفي شهر آذار، مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس
بنات .. سقطن على باب مدرسة ابتدائيّة .. للطباشير
فوق الأصابع لون العصافير .. في شهر آذار قالت
لنا الأرض أسرارها.
نعم, الأرض نحن، ونحن الأرض، من هنا تأتي أهمية أن تبقى حاضرة في الروح والضمير، ويبقى حاضراً كلّ تاريخ العدوان عليها لئلا ننسى ..
منير الشريف، يقدّم هذه الصفحات الثرّة التي تؤرخ لصفحات من نضالنا من أجل أرضنا…لم ولن نستسلم سنبقى نجود بكلّ ما نملك ليبقى الوطن عالياً عزيزاً شامخاً.
العدد 1138 – 28-3-2023