شعراؤنا يستقون من ركام الزلزال .. مداداً (نقلاً عن الثورة)
الثورة- رنا بدري سلوم
من قال: إن الشاعر حبيس الأوراق سجين المنابر، ومن قال: إنّه رجل أقوال لا أفعال.إنه ضمير مجتمعه الحيّ وعينه الناقدة وقلبه النابض، منذ فجر التاريخ والأبجدية الأولى، وما رأيناه خلال سنوات الحرب الشعواء على سورية يثبت ذلك حين جنّد منبره لإطلاق كلماته أشعاراً وقصائداً في وجهِ الحقدِ والموت.
إنه اليوم في هذه النكبة يسعى إلى ترسيخ القيم الأخلاقية من خلال وجوده مع المنكوبين أولاً وتالياً دعوته المتكررة من منبره الأدبي وعبر صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي الناس للتلاحم والتعاضد والإغاثة.
نحن أبناء الضوء والحياة
يصف عضو اتحاد الكتاب العرب الشاعر فرحان الخطيب سورية بطائر الفينيق العاشق للحياة، بعد اثني عشر عاماً من الحرب الإرهابية الموجهة والمدعومة من القوى الاستعمارية الغربية والحصار الاقتصادي الذي فرضته أميركا ومن يدور في فلكها، واليوم يشاء الله أن يضرب بعض المحافظات في سورية بزلزال دمر الحجر والبشر ما زاد من الألم السوري، ووسّع الجرح الذي ينزّ في جسد الوطن على مدار السنوات العصيبة الماضية، ولكن ما يدخل الفرح والبهجة إلى قلوب السّوريين رغم الدماء التي جبلت مع الثلج والمطر والركام جراء فعل الزلزال، أن الشعب السوري هبّ بأكمله هبّة الرجل الواحد، وانتفض كالذئب الجريح، وانطلق كطائر الفينيق العاشق للحياة، وامتطى صهوة الصبر والإيمان بأرضه ووطنه، ورفع بسواعده عالياً بيارق النخوة والشجاعة والإقدام والبطولة.
ردم الجرح السوري
يؤكد الخطيب أنه لا يمكن لنا إلّا أن نشكر ونستنكر في آن، أن نشكر الدول الصديقة التي نحتت اسمها في قلاع الإنسانية بأزاميل النخوة ومد يد العون لشعبنا المنكوب، وشقيقاتنا الدول العربية التي مازالت تحيا بدم عروبي قحطاني أصيل، فسارعت إلى النجدة وتقديم كل ما هو ممكن لردم الجرح السوري، وإعادة بناء ما انهار من إنسان وبنيان في وطننا الغالي، ونستنكر موقف من يزعق وينعق ليل نهار في آذاننا بحقوق الإنسان من الدول الغربية وراعيتهم الولايات المتحدة، فآن لهم أن يرموا أبواقهم الجوفاء، ويعودوا إلى حيث يجب أن تكون كرامة الشعوب.
استنهاض القيم المتجذّرة فينا
بينما بيّن عضو اتحاد الكتاب العرب الشاعر عباس حيروقة أنه كان للأدباء الدور الكبير في توثيق وتأريخ الأحداث التي تعرضت لها سورية، في فضح المؤامرات التي أرادت تشتيت الشعب وتفكيك لحمته الوطنية، وذلك من خلال قصائدهم ومقالاتهم ودراساتهم وظهورهم الإعلامي، وقال: من الطبيعي أن يكون لنا الدور المؤثر في هذه المرحلة الحرجة فقد عملنا على تكثيف اللقاءات مع الفعاليات والمواطنين لاستنهاض القيم المجبول عليها شعبنا السوري وهي قيم المحبة والخير والتعاون، لمواجهة النكبة التي أدمت القلوب، فراح كل شاعر يرسم لنفسه طريقاً ليلبي نداءات الاستغاثة لأهلنا المنكوبين، وهذا دور ثقافتنا المجتمعية في تلك الأزمات، مشيراً إلى أن لكل أزمة مختصيها، فكما مرت علينا جائحة كورونا وأخذنا التعليمات الصحيّة والوقائيّة من أصحاب الاختصاص من أطباء وكوادر طبية، فإننا اليوم نمر في هذه الكارثة الطبيعية التي لابد من تضافر الجهود العلمية والمجتمعية والأدبية للمساندة وتقديم الدعم لأهلنا المنكوبين بكل صفاتنا واختصاصنا ومجال عملنا، فتحركنا بخطة التحرك السريع أسوة بالمجتمع الأهلي.
نتقاسم الرغيف والماء والهواء
أظننا كشعراء وأدباء وصحفيين نملك الكلمة التي تفعل مفعولها بقدر رصاصة في معركة الوجود، كلمة توازي بلسماً يوضع على الجراح، يقول حيروقة: إننا اليوم نستقي من دماء الضحايا ودمعهم وألمهم واختناقهم تحت الركام مداداً لقلمنا وشعرنا وكلماتنا، توثق مرحلة من الزمن قد يصعب نسيانها لشدة قسوتها، ومن هنا بدأنا على نشر ثقافة العمل الجماعي ومشاطرة الإنسان أخيه الإنسان واستنهاض قيم الخير والمحبة والتعاون، عبر جولاتنا وظهورنا الإعلامي من خلال ما نكتب وما نقول عن هذا السوري الذي أثبت من خلال مشاطرته الرغيف وزجاجة الماء والهواء مع أخيه، إنه إنسان عظيم وابن الثقافات العريقة ابن أول لغة عبر العالم فكان أنموذجاً يحتذى به، من خلال الفعاليات الأهلية والتطوعية والمبادرات الخيرية منذ الساعات الأولى من الزلزال المدمر، فلا غرابة أن الإنسان السوري الذي قاسم أشقاءه العرب في النوائب والنكبات من أقصى اليمن إلى السودان إلى كل عربي أظهرنا له جوهر إنسانيتنا، أن نكون سنداً لبعضنا بعضاً في النكبات ونموذجاً للمحبة والخير، ويشير الشاعر عباس حيروقة إلى أن اتحاد الكتاب العرب قد فتح فروعه في المحافظات للإخوة المتضررين من جراء الزلزال، وقام بمخاطبة ومناجاة الأطباء ليكونوا في أتم الاستعداد، وقد عمل الاتحاد على فتح باب التبرع وهي بادرة مهمة في هذا الشأن، وفتح المراكز الثقافية كمراكز إيواء وقد ساهمت مديريات الثقافة في تفقد أوضاع المتضررين، ولاسيما الأطفال وتقديم ما يلزم لهم.