سنبلي لـ«الوطن»: ترجمات المواقع باللغة العربية تخفق في الترجمة الأدبية
حسين سنبلي مترجم مجتهد، له حتى الآن أكثر من تسعين كتاباً مترجماً، عن الإنكليزية، في مختلف الأجناس الأدبية ومنها المسرح، الرواية، قصص الخيال العلمي، قصص علمية، كتب، معاجم ومقالات متنوعة.
حوارنا معه تناول عدة قضايا منها الترجمة التي تستند إلى برامج الذكاء الاصطناعي وتأثيرها في مهنة الترجمة، والأجناس القريبة منه في الترجمة، وبداياته في ترجمة قصص الخيال العلمي وغيرها من القضايا.
في البداية تحدث عن الترجمة بقوله:
بدأت بصناعة القواميس المدرسية
– أنا من مدينة حمص، ولدتُ في سنة 1971، تخرجتُ في جامعة البعث قسم اللغة الإنكليزية في سنة 1994، ثمَّ درستُ الترجمة والترجمة الفورية في جامعة البعث أيضاً (برنامج التعليم المفتوح)، وتخرجتُ فيها في سنة 2009، عضو في اتحاد الكتاب العرب (جمعية الترجمة)، وعضو في الجمعية التاريخية في حمص. بدأتُ عملي في مجال التأليف والترجمة منذ ما يُقارب من عشرين سنة، ولكن أول أعمالي لم يكن في الترجمة بل كان في صناعة القواميس المدرسية، وكتب القواعد، وأصدرتُ منها عدداً لا بأس به، ولعلَّ ذلك هو الَّذي صقل لغتي وحسَّنها.
عتاد مهمٌ للمترجم
• ما رأيكَ في الترجمة عبر برامج الذكاء الاصطناعي المنتشرة كثيراً في هذه الأيام؟
برامج الذكاء الاصطناعي على اختلاف مسمياتها ومستوياتها هي عتاد مهمٌ للمترجم.. دعني أوضح لكَ الأمر.. اعتمد المترجم في ترجمته منذ سنوات ماضية على قدراته اللغوية، ومعرفته بدقائق اللغتين المنقول إليها ومنها، فإن عجز في معرفة معنى كلمة أو مصطلح لجأ إلى المعاجم في تذليل الصعوبات، أو إلى أهل العلم ممَّن يكبره وله خبرة في الترجمة أعمق من تجربته.. ولربما كنتُ واحداً منهم، فكان همي في بداية حياتي أن أشتري ما أستطيع من معاجم وموسوعات وكتب في اللغة أستعين بها على عملي.. ثم جاء الإنترنت، وجاءت معه برامج الترجمة الآلية ومواقع الذكاء الاصطناعي وما إلى ذلك، فلجأ بعضهم إلى الاعتماد عليها اعتماداً كاملاً في ترجماتهم، ولم يتعبوا أنفسهم لإلقاء نظرة عاجلة إلى الترجمة ليدققوها أو يضبطوها، وهنا مكمن الخطأ.. والحق يُقال إن بعض المواقع الَّتي تعنى بالترجمة يمكن أن تصدر ترجمات لا بأس بها باللغة العربية في مجال الفكر، والسياسة، والفن، والتقنية، وما إلى ذلك، لكنها تفشل فشلاً ذريعاً في الترجمة الأدبية، لما فيها من أخيلة، ومجازات، وكنايات لا يأتي بها إلا صاحب فكر نيِّر يعرف اللغة العربية ودقائقها، وهذا ما لا أراه في الذكاء الاصطناعي إلى الآن على الأقل.
• هل يمكن أن تحل الآلة محلَّ المترجم في يومٍ من الأيام؟
كل شيءٍ ممكن مع هذه الثورة التقنية الكبيرة الَّتي تجتاح حياتنا في هذه الأيام، إن الَّذي أوجد مثل هذه الآلات هو الإنسان، والَّذي يضبطها هو الإنسان، والمشرف عليها هو الإنسان، وهذا دليل على أن الإنسان هو الأول والآخر في عملها.
أسهل الأجناس الأدبية هي المسرحية
• أي الأجناس الأدبية أقرب إليك؟ وما أسهلها في الترجمة؟
أدب الخيال العلمي هو أقربها إلى نفسي، وأحبها إلى قلبي؛ فإني إن فرغت من ترجمة عمل مكلَّفٌ به، ألجأ إلى قصة من الخيال العلمي أو الرعب لأترجمها تسلية وترفيهاً، وما هي بأسهلها؛ لأنني أواجه أحياناً ألفاظاً غريبة، وتشابيه جزلة، وأوصافاً صعبة، فأجتهد بما أوتيت من عتاد، وقدرة على الكتابة، وألجأ إلى الإنترنت في تذليل الصعوبة.. أمَّا أسهل الأجناس الأدبية عندي فهي المسرحية؛ لأن الحوار هو الأساس في المسرحية، ومن يتقن فن الحوار في العربية تسهل عليه الترجمة، ولكن لا ننسى أن بعض المسرحيين يلجؤون إلى ألفاظ عامية في حوارهم، وهذا يمثل بعض الصعوبة في الترجمة.
كنتُ أستمتع بقصص سوبرمان
• كيف كانت بدايتك في ترجمة أدب الخيال العلمي؟
بداياتي مع أدب الخيال العلمي يرجع إلى صغري، فأنا كنتُ أستمتع بقصص سوبرمان، وما وراء الكون، تلك القصص الَّتي صدرت في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من هذا القرن، ثم جاء التلفزيون، فكنتُ أستمتع- وما أزال- بمشاهدة أفلام السندباد ورحلاته، ومغامرات غرندايزر ووحوشه وأشباه تلك الأفلام، ثم هناك برنامج إذاعي مشهور كان يصدر في الإذاعة هو (ظواهر مدهشة) الدكتور طالب عمران.
أن يلم بشيءٍ من كل شيءٍ
• ما الخصائص الَّتي يجب أن يتمتع بها المترجم؟
على المترجم أن يتسم بخصائص تميزه عن غيره من الكُتَّاب؛ فعليه أولاً أن يتقن اللغة الأجنبية، وأن يتقن اللغة العربية، فإن تفاوت إتقانه لإحدى هاتين اللغتين قصَّر في عمله. كما عليه أن يكون صبوراً، مجداً، دؤوباً على القراءة والكتابة، فمن دون القراءة والكتابة لا يمكنه الرقي بترجمته، وقد يطلب بعضهم أن يكون موسوعي المعرفة، لكن هذا في رأيي صعب المنال، لكنني أرى أن على المترجم أن يلم بشيءٍ من كل شيءٍ، ولعلَّ الإنترنت في هذه الأيام تساعده في هذا.
أعطِ مهنتكَ حتَّى تعطيكَ
• كيف يمكن إتقان الترجمة؟
لا سبيل لإتقان الترجمة إلا بالممارسة والمران، فهي إن شئتَ صناعة، أو حرفة، أو هواية، ولا يمكن لصاحبها أن يبرع في عمله ما لم يتقن أساليبها المختلفة، وأن يُقرن القراءة الدؤوب بالمران.. الترجمة في نظري مثل السباحة، والرسم، والنحت، ومثل باقي المهن اليدوية. أليست هناك كتبٌ في تعليم السباحة، أو النحت، أو الرسم؟ ولكن، هل يكفي أن يقرأ المرء كتاباً في الرسم فيصبح رساماً؟ اقرأ في سيرة حياة دافنشي، تجده جدَّ، وثابر، وقضى ساعاتً طويلة في الرسم، حتَّى إنه زار المقابر ليعرف موضع كلّ عضلةٍ في جسم الإنسان، فوصل إلى ما وصل إليه.. أصحاب الصناعة والمهن يعرفون المقولة: «أعطِ مهنتكَ حتَّى تعطيكَ»، وأنا أقول لطلَّاب الترجمة: «أعطوا الترجمة ما في جعبتكم، تعطكم وتجود عليكم»، ولكل مجتهدٍ نصيبٌ.