ذكورية الفكر الفلسفي والكتابة النسوية (نقلاً عن سانا)
لماذا لم نسمع على مر التاريخ بامرأة فيلسوفة؟ وهل الفلسفة حكر على الذكور دون الإناث؟ وهل المرأة غير مؤهلة لممارسة التفلسف أم أن العلوم الإنسانية برمتها خارج دائرة اهتمام المرأة؟ ولماذا أبدعت المرأة في مجالات الطب والعلم والحكمة والأدب فيما غابت عن الفلسفة؟ تساؤلات فرضت نفسها على المحاضرة التي ألقاها الباحث د. حسين حمادة مؤخراً في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، بإدارة د. ابراهيم زعرور رئيس الفرع، وكانت بعنوان “ذكورية الفكر الفلسفي والكتابة النسوية”، والتي بدأها بالتأكيد على أن الكشف عن النساء المفكرات في الزمن الراهن وفي التاريخ يحتاج إلى حَفر طبقي وجندري في ظل عدم اعتراف الكثير من الدارسين بالمرأة الفيلسوفة نتيجة تقوّلات مؤذية كثيرة لاحقتها عبر التاريخ والتي أضرّت بوجاهتها وحالت في غالب الأحيان دون لحاقها بالرجل في المجالات المعرفية والفلسفية على غرار كون المرأة هستيرية وشيطانية وغير ذلك من التُّهم، وأن تلك المعارف الحِكمية والمعرفية تتطلّب الحصافة والتروّي، وهو ما أبقى المرأة برأيه طيلة عهود على هامش مؤسسة التعلم وتقلّد مهام التعليم، وعلى هذا الأساس لم تشغل حيزاً في تاريخ الفكر الفلسفي، مشيراً إلى أنه حتى اليوم بقي الوسط الأكاديمي فضاء ذكورياً بامتياز.
وبيّن حمادة أنه في كتاب “الجمهورية” موقف لافت لأفلاطون حين شدّد على أن النساء يضاهين الرجال، وأنّ بوسعهنّ تقلّد المناصب القيادية في المدينة المثالية وهو موقف طليعي ومتميز مقارنة بالمعايير السائدة آنذاك، وأسف حمادة لأن الحلم الأفلاطوني بالدور النسوي مازال بعيداً، فقلّة من النساء ظفرن بمقام الفيلسوفات المقدَّرات عن جدارة، فالسائد ضمن السياق الغربي غياب حضور المرأة في المجال الفلسفي، ولم يذكر في كتاب فيليب ستوكس “الفلسفة.. أهمّ 100 مفكر” سوى اسمين علَمين نسويين فقط هما ماري ولستونكرافت وسيمون دي بوفوار. أما في كتاب أنطوني كليفورد غرايلينغ “تاريخ الفلسفة” فلم يكن هناك أيّ ذكر لنساء فيلسوفات، في حين عرض المؤلَّف الجماعي “ملكات الفلسفة.. ميراث نساء صنعن تاريخ الفكر” روما، 2021 قائمة طويلة من مُحبّات الحكمة: هيباتيا الإسكندرانية (350 – 415 م)، والفيلسوفة عزيزة يحيى الهبري مروراً بأنجيلا دابيس وإيريس ماريون يونغ وأخريات معاصرات، ليكون الكتاب مقاومة هادئة للنسيان ودرءاً للطمس العَمد المقترَف بحقّ المرأة حيث لا يزال الدرس الفلسفي في مجمله قائماً على استعراض فلسفة مفكرين ذكور دون أن تحضر المرأة الفيلسوفة إلا بشكل نادر فيحضر سقراط وأفلاطون وأرسطو وابن رشد والفارابي وابن سينا ولوك وهيوم وكانط ونيتشه وسارتر وآخرين، ولا تحضر المرأة الفيلسوفة إلا نادراً، وإن حضرت فبشكل عابر وخاطف باستثناء حنة أرندت صديقة الفيلسوف هايدغر وصاحبة كتاب “تفاهة الشر”.
مدوّنة المرأة
وعرّف د. حسين حمادة أدبَ المرأة بأنه الكتابة التي تنجزها النساء وهو الأدب المطبوع بخصائص أنثوية من واقع حياتها وقضاياها والمشتق من تاريخ كفاحي عميق ونتاج معرفي يتميز بخصوصية واضحة، مشيراً إلى ما قالته الباحثة د. مريم الهاشمي من أن ستينيات القرن العشرين شهدت مرحلة رئيسة في استقبال النقد وأسهمتْ مدوّنات كلّ من الرجل والمرأة في حصول تباين للرؤى حول الكتابة لكليهما مما أسفر عن برود المصطلح أو المفهوم اتجاه ما تنجزه المرأة من كتابة وإبداع والمسمّى الأدب النسوي أو النسائي أو أدب المرأة وهو مصطلح ملتبس حيث رأى الشاعر الباحث ناصر البكر أن مصطلح الأدب النسوي يعبّر في جانب منه عن المطالعة بحقوق المرأة وإبداعاتها على نسبيتها تاريخياً بصورة مستمرة ومتواصلة، وقد كان موجة التخريب والتجريب سبباً في ظهور هذه المصطلحات، موضحاً حمادة تحت عنوان الكتابة بأسماء مستعارة أنه على الرغم من التسيد الذكوري في عالم الأدب والذي يمكن أن نلمحه في كثير من الثقافات واللغات فإن النقاد أوضحوا أن الكتابة النسوية تمر بثلاث مراحل: المرحلة الأنثوية وهي محاكاة للأشكال الأدبية التي مرّت بثلاث مراحل وهي مرحلة محاكمة الأشكال الأدبية والتي أطلق عليها اسم “المؤنثة” ومرحلة الاعتراض على المعايير والقيم السائدة وأُطلِقت عليها “النسوية” ومرحلة اكتشاف الذات وأُطلق عليها “الأنثوية” ويدرك الأدباء والأديبات أن النص الأدبي بناء فني من أسسه الموهبة والخبرة والمعرفة والقدرة اللغوية.
وحول المواقف الأنثوية من الأدب النسوي أشار حمادة إلى أن الناقد د. أحمد عبد المنعم عقيلي رأى أنه لو أردنا تتبُّع مواقف الأنثى نفسها في متاهات المصطلحات لوجدنا أيضاً ثلاثة اتجاهات ومواقف، الأول رافض له بشكل قطعي لأنهنّ رأوا فيه انتقاصاً وتحيُّزاً للرجال، فهناك أديبات كثيرات، أما الثاني فهو عن فقه المرأة وهو يمثل الوسطية والاعتدال حيثُ يعتمد على حالة الموازنة في النظرة للإنتاج الإبداعي للمرأة، وهو يُراعي خصوصية تجربتها التاريخية والاجتماعية التي مرّت بها، أما الثالث فهو تبنّي مصطلح الأدب النسوي وقد عُمِل على تكريسه وتوظيفه ولم تدعمه دراسات وأبحاث منهجية استقصائية وإجرائية تطبيقية، لذلك بقي غير واضح المعالم في الفضاء الفكري العربي، حيث نراه أكثر وضوحاً وحضوراً في مجالات الثقافة والنقد، ليبين تراجع حضور المصطلح النسوي على الساحة الثقافية العربية لتواري الدراسات النقدية المرافقة لجماليات ودلالات النصوص الأدبية الإبداعية للمرأة.
أمينة عباس